آيات من القرآن الكريم

فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼ

وزعم الفراء أن الصافن هو القائم.
وقال مجاهد: صفون الفرس: " رفع إحدى يديه حتى تكون على طرف الحافر ".
وقال قتادة: صفونها: قيامها وبسطها قوائمها.
وقال ابن زيد: الصافنات: الخيل، أخرجها الشيطان لسليمان من مرج من مروج البحر.
والصفن أن تقوم على ثلاث وترفع رجلاً واحدة تكون على طرف الحافر على الأرض. قال ابن زيد: وكانت لها أجنحة.
(والجياد: السريعة. روي أنها كانت عشرين فرساً ذات أجنحة).
قوله تعالى ذكره: ﴿فَقَالَ إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير﴾ - إلى قوله - ﴿لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾.
قال ابن عباس: كان مما ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس لا يعلم في

صفحة رقم 6240

الأرض مثلها. وكان أحب إليه من كل ما ورث، وكان معجباً بها، فجلس مجلسه وقال: اعرضوا علي خيلي، فعرضت عليه بعد الظهر إلى غيبوبة الشمس وأغفل صلاة العصر: فقال: ما صليت العصر! ردوها علي فطفق يعرقبها ويضرب رقابها وكان الذي عرض عليه تسع مائة، وبقيت مائة لم تعرض عليه. فقال: هذه المائة التي لم تلهني عن صلاتي أحب إلي من التسع مائة.
في الآية حذف دل عليه الكلام، والتقدير: إنه أواب إذ عُرض / عليه بالعشي الصافنات الجياد، فلهى عن الصلاة حتى فاتته فغابت الشمس ولم يصل، وهو قوله ﴿حتى تَوَارَتْ بالحجاب﴾.
﴿فَقَالَ إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير﴾، أي: الخيل. والعرب سمي الخيل: الخير، والمال أيضاً يسمونه الخير.
وفي الحديث: " الخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَواصِيَها الخَيْرُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " ولما ورد زيد

صفحة رقم 6241

الخيل على النبي ﷺ قال له: أنت زيد الخير. وهو زيد بن مهلهل الشاعر.
وقيل: المعنى، إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربي، وذلك أنه كان في صلاة فجيء إليه بخيل لتعرض عليه قد غُنمت، فأشار بيده أنه يصلي.
﴿حتى تَوَارَتْ بالحجاب﴾، أي: توارت الخيل، فسترها جدر الإصطبلات، فلما فرغ من صلاته قال:
﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بالسوق﴾، أي: يمسحها مسحاً. فالضمير في " توارت " على هذا القول للخيل.
وأكثر الناس على أنه للشمس وإن (لم يجر) لها ذكر، ولكن لما قال بالعشي دل على أن بعده غياب الشمس.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ التي فاتته في صلاة العصر وهو قول قتادة

صفحة رقم 6242

والسدي.
وقيل: المعنى: إني آثرت حب الخير عن ذكر ربي، أي: على ذكر ربي، ومنه قوله: ﴿فاستحبوا العمى عَلَى الهدى﴾ [فصلت: ١٧]، أي: آثروا الضبه على الهدى.
وقيل: معنى أحببت: قعدت وتأخرت.
يقال أحب الجمل وأحببت الناقة، إذا بركت وتأخرت.
فالمعنى: إني قعدت عن ذكر ربي لحب الخير ﴿حتى تَوَارَتْ بالحجاب﴾.
إنى قعدت عن صلاة العصر حتى غابت الشمس.
فيكون حب الخير مفعولاً به على قول من جعل أحببت بمعنى آثرت. ويكون مفعولاً من أجله على قول من جعل أحببت بمعنى تأخرت وقعدت. ولا يحسن أن ينصب على المصدر لأن المعنى على غير ذلك.
ثم قال: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ﴾، أي: ردوا الخيل عليَّ التي شغلتني على الصلاة.
﴿فَطَفِقَ مَسْحاً بالسوق والأعناق﴾، أي: طفق يضرب أعناقها وسوقها.
قال الحسن: قال سليمان: لا، والله لا تشغلني عن عبادة ربي فكشف عراقيبها وضرب أعناقها.
ولم يكن له فعل ذلك إلا وقد أباح الله ذلك له.

صفحة رقم 6243

وقال ابن عباس: " جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها لها ".
قال بعض أهل العلم: هذا القول أحسن، لأنه نبي، ولم يكن ليعذب حيواناً بغير ذنب ويفسد مالاً بلا سبب.
قال وهب بن منبه: كانت الريح تحمل سليمان وجنوده، وكانت تأتيه تُسمعه كلام كل متكلم، ولذلك سمع كلام النملة.
قال: وإنه لمسير ذات يوم بجنده والريح تحمله (إذ مر برجل) من بني إسرائيل وهو في حرث له يثير على مجساة له يفجر في حرث له من نهر له إذ التفت فرأى سليمان وجنده بين السماء والأرض تهوي به الريح. فقال: لقد آتاكم الله آل داود. قال: فاحتملت الريح كلامه فقذفته في إذن سليمان عليه السلام فقال سليمان للريح: احبس، فحبست. فنزل مقتنعاً بِبُرْدٍ لَهُ حتى أتى الرجل فقال له: ماذا قلت؟!

صفحة رقم 6244

قال: رأيتك في سلطان الله الذي أتاك وما سخر لك، فقلت: لقد آتاكم الله آل داود. فقال: صدقت، كذلك قلت، كذلك سمعت ولذلك حينئذ تخوفاً عليك من الفتنة. تعلم، والذي نفس سليمان بيده، لثواب " سبحان الله " كلمة واحدة عند الله يوم القيامة أفضل من كل شيء رأيته أو أوتيه آل داود في الدنيا.
قال له الرجل: فَرَّجْتَ هَمِّي، فرج الله همك.
فقال له سليمان: وما همي؟
قال: أن تشكر ما أعطاك الله تعالى.
قال له سليمان: صدقت. وانطلق إلى مركبه.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾، أي: اختبرناه وابتليناه.
﴿وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَداً﴾، أي: شيطاناً مثل بإنسان.
ذكر أن اسمه صخر الجني، قاله ابن عباس، قال: الجسد: الجِنِّي الذي دفع إليه سليمان خاتمه فقذفه في البحر. وكان ملك سليمان في خاتمه. وهو قول الحسن وابن جبير ومجاهد.
قال مجاهد: فقعد الجني على كرسي سليمان، ومنعه الله من نساء سليمان فلم يقربنه وأنكرنه.

صفحة رقم 6245

قال مجاهد: قال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك / أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فساح سليمان وذهب ملكه. فكان سليمان يستطعم الناس فيقول: أتعرفوني؟! أطعموني، أنا سليمان! فيكذبونه حتى أطعمته امرأة يوماً حوتاً فوجد خاتمه في بطنه فرجع إليه ملكه وفر الجني في البحر. وكان مدة ذلك فيما ذكر: أربعين يوماً.
وقال قتادة: " أمر سليمان ببناء المقدس، فقيل له: ابْنِه، ولا يُسمع فيه صوت حديد. فطلب (علم ذلك فلم يقدر عليه، فقيل له: إن شيطاناً في البحر يقال له صخر، سيد الماردين. قال: فطلبه). وكانت عين في البحر يَرُدها ذلك الشيطان في كل سبعة أيام مرة فنزح ماؤها وجُعل فيه خمر. فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر، فقال: إنَّكِ لشراب طيب، إلا أنك لتصبين الحليم وتزيدين الجاهل جهلاً!) ثم شربها حتى غلبت على عقله.
قال: فأُرِيَ

صفحة رقم 6246

الخاتم، أو ختم به بين كتفيه فَذُلَّ - وكان ملك سليمان في خاتمه - فقال: إنا قد أمِرْنَا ببناء هذا البيت، وقيل: لنا: لا يسمعن فيه صوت حديد. قال: فأتى إلى بيض الهدهد فجعل عليه زجاجة، فجاء الهدهد فدار حولها، فجعل يرى بيضه ولا يقدر (عليه فذهب فجاء) بالماس فوضعه على الزجاج فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه. فأخذوا الناس فجعلوا يقطعون به الحجارة. فكان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء لم يدخل بخاتمه، فانطلق يوماً إلى الحمام وذلك الشيطان معه - وذلك عند مفارقة ذنب قارفه بعض نسائه - قال: فدخل الحمام، وأعطى الشيطان خاتمه، فألقاه في البحر فالتقمته سمكة، ونُزِعَ ملك سليمان منه، وأُلقِي على الشيطان شبه سليمان فجاء فقعد على كرسيه، وسُلِّطَ على مُلك سليمان كله غير نسائه. فكان يقضي بين الناس ينكرون منه أشياء حتى قالوا: لقد فتن سليمان الله. وكان (فيهم رجل فيه قوة)، فقال: والله لأجربنه فقال له: يا نبي الله - وهو لا يرى إلا أنه نبي - أحدنا تصيبه الجنابة (من الليل) في الليلة الباردة فيدع الغسل مستمداً حتى تطلع الشمس، أترى عليه بأساً؟ قال: لا.

صفحة رقم 6247

قال: فبينما هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله سليمان خاتمه في بطن سمكة فأقبل فجعل لا يستقبله جني ولا طير إلا سجد له حتى انتهى إليهم ".
وذكر السدي في هذه القصة مثل ذلك إلا أنه قال: " كانت لسليمان مائة امرأة، امرأة منهن يقال لها جرادة - وهي أَعَزُّ نسائه عنده وآمَنَهُنَّ - وكان يترك الخاتم عندها إذا دخل الخلاء، فجاءته يوماً (من الأيام) فسألته أن يقضي لأخيها في خصومة بينه وبين رجل، فقال لها: نعم، ولم يفعل، فابتلي. فأعطاها خاتمه ودخل الخلاء فأتاها الشيطان في صورة سليمان فأعطته الخاتم فذهب ملك سليمان وجلس الشيطان على كرسي سليمان فقد ذهب عقله! فبكى النساء عند ذلك فأقبلوا يمشون حتى أتوه فأحدقوا به ثم نشروا التوراة فقرؤوا، فطار بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه، ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه، فابتلعه حوتٌ. قال: وأقبل سليمان

صفحة رقم 6248

في حاله التي كان فيها وهو جائع حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر فاستطعمه من صيده. فقال: إني أنا سليمان، فقام إليه بعضهم فضربه بعصاً فشج وجهه، فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر. فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه، ثم أعطا سليمان سمكتين مما قد مَذَرَ عندهم - أي: نتن - فلم يشغله ما كان به من الضرب حتى قام إلى شاطئ البحر فشق بطونهما، فجعل يغسل، فوجد خاتمه في بطن إحداهما فأخذه ولبسه فَرَدَّ الله عليه بهاءه ومُلكه.
وجاءت الطير حتى حامتا عليه فعرف / القوم أنه سليمان فقاموا يعتذرون مما صنعوا فقال: (ما أحببكم) على عذركم ولا ألومكم عل ما كان منكم، كان هذا الأمر لا بد منه. فجاء حتى أتى مُلكه، فأرسل إلى الشيطان فجيء به - وسخر له الريح والشياطين يومئذ (ولم يسخر) له قبل ذلك - فجعل الشيطان في صندوق من حديد، ثم أطبق عليه وقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه ثم أَمَرَ، فأُلقي في البحر، فهو فيه حتى تقوم الساعة " وقيل: أنه ولد له ولد ميت، وذلك أنه طاف على (جَوَارٍ له) وقال: أرجو أن تلد كل

صفحة رقم 6249

واحد منهن (ذكرا، ولم يقل: إن شاء الله، فلم تحمل إلا واحدة منهن) ومات الولد وألقي على كرسيه.
وقوله: ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾، أي: أناب سليمان فرجع إلى ملكه بعد زواله عنه.
قال الضحاك: دخل سليمان على امرأة تبيع السمك فاشترى منها سمكة فشق بطنها فوجد خاتمه، فجعل لا يمر على شجرة ولا صخرة (ولا شيء) إلا سجد به، ثم أوتي مُلكه وأهله، فذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾، أي: رجع.
وقيل: " أناب ": [تاب ورجع عما كان عليه.
ثم قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اغفر لِي﴾، أي: استر على ذنبي الذي أذنبت]. بيني وبينك.

صفحة رقم 6250

﴿وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ﴾، أي: لا تسلبنيه كما سلبنه هذا الشيطان. قاله قتادة.
وقيل: المعنى: لا يكون مثله لأحد من بعدي.
﴿إِنَّكَ أَنتَ الوهاب﴾، أي: تهب ما تشاء لمن تشاء.
وقيل: المعنى: أعطني فضيلة ومنزلة.
روى أبو عبيد في كتابه مواعظ الأنبياء أن سليمان عليه السلام لما بنى مسجد بيت المقدس ودخله خر ساجداً شكراً لله تعالى وقال: يا رب، من دخله من تائب فَتُبْ عليه، أو مستغفر فاغفر له، أو سائل فأعطه.
قال: ولما مات داود عليه السلام أوحى الله إلى سليمان أن سَلْنِي حاجتك. قال: أسألك أن تجعل قلبي يخشاك كما كان قلب أبي، وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلبي أبي. فقال الله جل ذكره: أرسلت إلى عبدي أسأله حاجته، فكانت حاجته أن أجعل قلبه يخشاني، وأن أجعل قلبه يحبني! لأَهَبَنَّ له مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده. فوفقه الله إلى أن سأل ذلك فأعطاه ذلك، وفي الآخرة لا حساب عليه فيه.

صفحة رقم 6251

ورُوي عن النبي ﷺ أنه قال: " أرأيتم سليمان وما أُعطي من ملكه فإنه لم يرفع رأسه إلى السماء تخشعاً حتى قبضه الله تعالى ".
وروى أبو عبيد أن نملة قالت لسليمان: إني على قدري أشكر لله منك! وكان على فرس ذنوب فخر عنه ساجدا: (ثم قال: لولا أن أبخلك لسألتك أن تنزع عني ما أعطيتني).
ثم قال تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً﴾، أي: فاستجبنا دعاءه وأعطيناه مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء.
قال الحسن: إن نبي الله سليمان لما عُرضت عليه الخيل شغلته عن صلاة العصر، فغضب لله، فأمر بها فعُقِرَت، فأبدله الله مكانها أسرع منها، فسخرت له الريح تجري بأمره رخاء.

صفحة رقم 6252

﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾: حيث شاء.
قال مجاهد: رخاء: طيبة.
وقال قتادة: رخاء: طيبة سريعة ليست بعاصف ولا بطيئة.
وقال ابن زيد: الرخاء: اللينة.
وقال ابن عباس: رخاء: مطيعة، وقال الضحاك.
وقال السدي: رخاء: طوعاً.
وقوله: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾، أي: حيث أراد: قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وابن زيد من قولهم: أصاب الله بك خيراً، أي: أراده الله بك خيراً.
وقال مجاهد: " حيث أصاب: حيث شاء ".
ثم قال ﴿والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ﴾، أي: كل بناء يبني له ما يشاء من المحاريب والتماثيل، وكل غواص يستخرج له الحلي من البحار، وسخر له كل من ينحت له جفافاً وقدوراً، وآخرين مقرنين في الأصفاد، وهم: المردة من الشياطين. هذا كله قول قتادة.

صفحة رقم 6253

والأصفاد: السلاسل، قال السدي: مقرنين: تجمع يداه إلى عنقه.
وواحد الأصفاد: صَفَد، كحَجَر. وقيل: واحدها: صفْد. كعدْل. وهي: الأغلال والسلاسل من الحديد، وكل من شددته شداً وثيقاً بالحديد فقد صفدته، وكذلك لكل من أعطيته عطاء جزيلاً ما يرتبط له. واسم العطية / الصفد.
قال الضحاك: أعطى الله سليمان ملك داود وزاده الريح والشياطين.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿هذا عَطَآؤُنَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، أي: هذا المُلك عطاؤنا فاعط ما شئت منه وامنع ما شئت من الشياطين في وثاقك وسرح ما شئت منهم.
وعن ابن عباس أن هذا إشارة إلى ما أُعطي سليمان من القوة على الجِمَاع. قال: كان في ظهره مائة مائة رجل، وكان له ثلاث مائة امرأة، وتسع مائة سرية.
فالمعنى: فجامع من شئت، واترك جِمَاع من شئت بغير حساب عليك.
وقال ابن مسعود: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: هذا عطاؤنا بغير حساب، فامنن أو أمسك، فالمعنى: هذا عطاؤنا بغير منة عليك.

صفحة رقم 6254

ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾، أي: وإن لسليمان في الآخرة عند الله لقربة منه وحسن مرجع ومصير. وإنما رغب سليمان إلى الله في هذا الملك ليعلم منزله عند الله، ودرجته، وقبول توباته، ومقدار إجابته له، لا لمحبته في الدنيا ورغبته فيها وجلالة قدرها عنده، بل كانت أهون هنده من ذلك.
ويجوز أن يكون سأل ذلك ليقوى به على الجهاد في سبيل الله تعالى، لا لمحبته في الدنيا وملكها.
وقوله: ﴿لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي﴾، الأحسن في تأوليه: (لا أسلبه) كما سلبت ملكي قبل هذا، لا أنه بَخَّلَ على من بعده أن يكون له مثل ملكه بعد موته.
وقيل: معناه: لا ينبغي لأحد من أهل زماني فيكون ذلك لي واختصاصي به دون غيري، حجة لي على نبوتي وأني رسولك إليهم.
وإذا أتى بمثل ملكي غيري من أهلي زماني لم يكن له حجة على من أرسلت إليه، إذ قد أوتي غيري مثل ما أوتيت.
فانفرادي بذلك يدل على نبوتي وصدقي. إذْ كانت الرسل لا بد لها من أعلام تفارق بها سائر الناس.
وذكر ابن وهب عن ابن شهاب أن سليمان عليه السلام كان إذا رأى ما هو

صفحة رقم 6255
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية