آيات من القرآن الكريم

وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ
ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼ

لا حياة إلا في الدنيا لاستوى الفريقان في التمتع بالدنيا بل أكثر الكفرة أوفر حظا من أكثر المؤمنين في الدنيا، لكن ذلك النظام محال مخالف للحكمة فتعين أن هناك حياة يظهر فيها عدم التساوي بين المؤمن والكافر هي في دار الجزاء.
أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ؟ بل أنجعل المتقين كأشقياء الكفرة؟ لا يعقل هذا وإذا ثبت أن هناك فرقا كبيرا بين المؤمن وغيره، وأن المؤمن له حياة دائمة، فيها السعادة والنعيم فما الطريق إلى ذلك؟
الطريق هو اتباع القرآن الذي نزل تبيانا لكل شيء، وهدى ورحمة للمؤمنين، كتاب أنزلناه إليك يا محمد كثير الخيرات عظيم البركات فيه شفاء للناس ونور وموعظة للمؤمنين، أنزلناه ليدبروا آياته، وليتذكر أولو الألباب.
سليمان عليه السلام [سورة ص (٣٨) : الآيات ٣٠ الى ٤٠]
وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤)
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩)
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)

صفحة رقم 239

المفردات:
الصَّافِناتُ القائمات، أو الصافن من الخيل: الذي يرفع إحدى رجليه ويقف على مقدم حافرها الْجِيادُ: جمع جواد، وهو الذي يجود في سيره، أى: يسرع مع الخفة تَوارَتْ: اختفت وغابت بِالْحِجابِ: بالحاجز وقيل: بالليل بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ أى: بسيقانها وأعناقها رُخاءً لينة مع قوتها وشدتها.
أَصابَ: أراد الْأَصْفادِ: جمع صفد، وهو القيد.
المعنى:
ذكر بعض المفسرين في تفسير هذه الآية أن سليمان عرض عليه خيل جياد في وقت العصر فألهاه ذلك عن صلاة العصر فغضب، وطلب من الله أن يرد عليه الشمس بعد غروبها ليصلى العصر فردت إليه، ثم غضب على الخيل التي كانت سببا في فوات الصلاة فقطع أعناقها وسوقها، والضمير في قوله: (حتى توارت بالحجاب) للشمس، ثم قالوا في قوله تعالى: «أحببت حب الخير عن ذكر ربي» إنه أحب هذه الخيل معرضا عن ذكر ربه، وهو الصلاة.
وهذا تأويل فاسد، يدل على فساده بداهة أسلوب القرآن، ومكان القصة هنا، وسياق الآيات.
إن هذه القصص إنما ذكرها الله- تعالى- بعد قول المشركين: رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ وقد بلغوا مبلغا من السفاهة عظيما، حتى قال الله للنبي:
اصبر على ما يقولون. واذكر عبدنا داود، ثم ذكر بعد ذلك قصة سليمان وهذا الوضع والسياق يفيد أن القصص سيقت لبيان جلائل الأعمال، وفضائل الخلال التي قام بها هؤلاء الأنبياء وأصحابهم، وعلى هذا فداود وسليمان ليس من الحق أن نفهم فيهما أنهما أتيا أعمالا تتنافى مع مركز النبوة وشرف الرسالة، وخاصة بعد قول الله لمحمد صلّى الله عليه وسلّم:
اصبر واذكر داود وسليمان، أى: تأس بهؤلاء، وعلى هذا فيمكن أن نلخص ما يمكن فهمه من هذه الآيات بما يأتى: أن الله وهب لداود سليمان وكان نبيا من المرسلين، وهو نعم العبد الصالح، إنه أواب ومطيع، واذكر وقت أن عرض عليه بالعشي الخيل المطهمة، والصافنات الجياد، ويمكن أن نقول: إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في

صفحة رقم 240

دينهم، لأنه ملك له دولة وله سلطان، وله جيش منظم، وخيل معدة، وأمر بإحضارها وإمرارها عليه لينظرها ويبدي رأيه فيها، وهو لا يحب الخيل لذاتها وإنما يحبها لأمر الله، وتقوية دينه وتثبيت دعائمه.
ثم لما سارت الخيل أمامه وتم عرضها حتى توارت عنه، وغابت عن بصره أمر قواده أن يردوها إليه فلما عادت طفق يمسح مسحا بسيقانها وأعناقها، وإنما فعل ذلك تشريفا لها وتكريما، وليرى رأيه في الخيل لأنه على علم بها وبعيوبها.
ولقد فتنا سليمان، فتنة الله أعلم بها، وألقينا على كرسيه جسدا، ثم أناب، وهذه الفتنة تكلم فيها القصاص والإسرائيليون كثيرا، والذي نختاره ما ذكره أئمة التفسير المحققون من أمثال أبى السعود والفخر والآلوسي وغيرهم من أفاضل العلماء، وكان مرجع آرائهم إلى القول بعصمة الأنبياء ومنع تمثل الشيطان بهم، وغلق باب زعزعة الناس في معتقداتهم، وأظهر ما قيل في فتنة سليمان- عليه السلام- ما
روى مرفوعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتى كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى، ولم يقل (إن شاء الله) فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفسي بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون
، هذا الحديث ثابت في الصحيحين البخاري ومسلم، وروى بعدة طرق، تلك هي فتنة سليمان كما وردت في الحديث وأما إلقاؤه على كرسيه جسدا فأنه حين الفتنة كان يجلس على كرسي الحكم جسدا لا روح فيه لأنه لما لم يقل: إن شاء الله كأنه ارتكب ذنبا فصار بسببه جسدا، ثم تاب وأناب.
وأما قول سليمان: رب اغفر لي فلا يصح أن يكون هذا دليلا على صدور الزلة منه كما قال القصاص مستندين إلى أن طلب المغفرة يدل على سبق الذنب.
فالإنسان ولو كان نبيا لا ينفك عن ترك الأفضل والأولى، وحينئذ يحتاج إلى طلب المغفرة لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ألم تر إلى
قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنى لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة».
وانظر إلى سليمان، وقد طلب من الله المغفرة قبل طلبه الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، هذا دليل على طلب المغفرة، والرجوع إلى الله سبيل وطريق إلى السعادة في الدنيا والآخرة فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ

صفحة رقم 241
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية