آيات من القرآن الكريم

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

سورة ص
ويقال لها: سورة داود، وهي مكّيّة كلّها بإجماعهم.
(١٢١٢) فأمّا سبب نزولها: فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن قريشا شكوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ فقال: «يا عمّ، إنما أريد منهم كلمة تذلّ لهم بها العرب وتؤدّي إليهم الجزية بها العجم»، قال: كلمة؟ قال: «كلمة واحدة»، قال: ما هي؟ قال: «لا إله إلّا الله»، فقالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا، فنزلت فيهم: ص وَالْقُرْآنِ إلى قوله تعالى: إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة ص (٣٨) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣)
واختلفوا في معنى «ص» على سبعة أقوال «١» :. أحدها: أنه قسم أقسم الله به، وهو من أسمائه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: أنه بمعنى: صَدَقَ محمدٌ صلى الله عليه وسلّم، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثالث: صَدَقَ اللهُ، قاله الضحاك، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: معناه: صادق فيما وَعََدَ. وقال الزجاج: معناه: الصادقُ اللهُ تعالى. والرابع: أنه اسم من أسماء القرآن، أَقسَمَ اللهُ به، قاله قتادة.
والخامس: أنه اسم حَيَّة رأسُها تحت العرش وذَنَبُها تحت الأرض السُّفلى، حكاه أبو سليمان الدمشقي، وقال: أظنه عن عكرمة. والسادس: أنه بمعنى: حادِثِ القرآن، أي: انظُر فيه، قاله الحسن، وهذا على قراءة من كسروا، منهم ابن عباس، والحسن، وابن أبي عبلة، قال ابن جرير: فيكون المعنى: صاد
حديث حسن بطرقه وشواهده. أخرجه أحمد ١/ ٢٢٧ وأبو يعلى ٢٥٨٣ والترمذي ٣٢٣٢ والنسائي في «التفسير» ٤٥٦ والحاكم ٢/ ٤٣٢ والبيهقي ٩/ ١٨٨ والواحدي في «أسباب النزول» ٧٢٢ عن ابن عباس به، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، مع أن فيه يحيى بن عمارة، وهو مقبول. وتوبع في رواية ثانية للنسائي ٤٥٧ وأحمد ٢/ ٣٦٢. وفيه أيضا عباد بن جعفر، وهو مجهول. وورد من وجه ثالث، أخرجه الحاكم ٢/ ٤٣٢ وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وهو حسن لأجل ابن إسحاق، وقد صرح بالتحديث.
__________
(١) تقدم الكلام على الحروف التي في أوائل السور، وقد تكلم المصنف على ذلك في أول سورة البقرة. وهو مما استأثر الله تعالى بعلمه، وهو الراجح، والله تعالى أعلم.

صفحة رقم 557

بِعَمَلِكَ القرآن، أي: عارِضْه. وقيل: اعْرَضْه على عملك، فانظُر أين هو منه. والسابع: أنه بمعنى:
صادَ محمدٌ قلوبَ الخَلْق واستمالها حتى آمَنوا به وأَحَبُّوه، حكاه الثعلبي، وهذا على قراءة من فتح، وهي قراءة أبي رجاء، وأبي الجوزاء، وحميد، ومحبوب عن أبي عمرو. قال الزجاج: والقراءة «صادْ» بتسكين الدال، لأنها من حروف التَّهجِّي. وقد قُرئتْ بالفتح وبالكسر، فمن فتحها، فعلى ضربين:
أحدهما: لالتقاء الساكنين. والثاني: على معنى: أتل «صاد»، وتكون صاد اسما للسّورة لا ينصرف ومن كسر، فعلى ضربين: أحدهما: لالتقاء الساكنين أيضاً. والثاني: على معنى: صادِ القرآن بعملك، من قولك: صَادَى يُصَادِي: إِذا قابَل وعادَل، يقال: صادَيْتُه: إِذا قابَلْته.
قوله تعالى: ذِي الذِّكْرِ في المراد بالذِّكْر ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنه الشَّرَف، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي. والثاني: البيان، قاله قتادة. والثالث: التذكير، قاله الضحاك.
فإن قيل: أين جواب القسم بقوله تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ؟ فعنه خمسة أجوبة: أحدها:
أن «ص» جواب لقوله: «والقرآن»، ف «ص» في معناها، كقولك: وَجَبَ واللهِ، نَزَلَ واللهِ، حَقٌّ واللهِ، قاله الفراء، وثعلب. والثاني: أنّ جواب «ص» قوله تعالى كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ومعناه: لَكَمْ، فلمّا طال الكلام، حُذفت اللامُ، ومثله: وَالشَّمْسِ وَضُحاها... قَدْ أَفْلَحَ «٢»، فإن المعنى: لقد أَفْلَحَ، غير أنه لمّا اعترض بينهما كلام، تبعه قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ، حكاه الفراء وثعلب أيضاً. والثالث: أنه قوله تعالى: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ «٣»، حكاه الأخفش. والرابع: أنه قوله تعالى: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ «٤» قاله الكسائي، وقال الفراء: لا نجده مستقيماً في العربية، لتأخّره جدّا عن قوله تعالى: وَالْقُرْآنِ. والخامس: أن جوابه محذوف تقديره: والقرآنِ ذي الذِّكْر ما الأَمْرُ كما يقول الكُفَّار، ويدلّ على هذا المحذوف قوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ، ذكره جماعة من المفسرين، وإِلى نحوه ذهب قتادة. والعِزَّةُ: الحَمِيَّةُ والتكبُّر عن الحَقّ. وقرأ عمرو بن العاص وأبو رزين وابن يعمر وعاصم الجحدري ومحبوب عن أبي عمرو: «في غِرَّةٍ» بغين معجمة وراء غير معجمة.
والشِّقاق: الخِلاف والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد سبق بيان الكلمتين مشروحا «٥».
ثم خوَّفهم بقوله تعالى: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ يعنى الأُمم الخالية فَنادَوْا عند وقوع الهلاك بهم. وفي هذا النداء قولان: أحدهما: أنه الدُّعاء. والثاني: الاستغاثة.
قوله تعالى «٦» : وَلاتَ حِينَ مَناصٍ وقرأ الضحاك، وأبو المتوكّل، وعاصم الجحدري، وابن

(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٠/ ٥٤٦: الصواب قول من قال: معناه: ذي التذكير لكم، لأن الله أتبع ذلك قولُه: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ فكان معلوما بذلك أنه إنما أخبر عن القرآن أنه أنزله ذكرا لعباده ذكرهم به، وأن الكفار من الإيمان به في عزة وشقاق. [.....]
(٢) الشمس: ١، ٩.
(٣) ص: ١٤.
(٤) ص: ٦٤.
(٥) البقرة: ٢٠٦- ١٣٨.
(٦) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٣٣: في قوله تعالى: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ وهذه الكلمة وهي «لات» هي «لا» التي للنفي، زيدت معها التاء، كما تزاد في ثمّ فيقولون: «ثمت»، و «رب» فيقولون: «ربت» وهي مفصولة، والوقف عليها، ومنهم من حكى عن المصحف الإمام فيما ذكره ابن جرير أنها متصلة بحين: «ولا تحين مناص» والمشهور الأول. ثم قرأ الجمهور بنصب «حين» تقديره: وليس الحين حين مناص. ومنهم من جوز النصب بها، وأهل اللغة يقولون: النّوص: التأخر، والبوص: التقدم. ولهذا قال تعالى: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ، أي: ليس الحين حين فرار ولا ذهاب اه.

صفحة رقم 558
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية