
[سورة ص (٣٨) : الآيات ١٥ الى ١٩]
وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩)وقوله تعالى: وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ أي: ينتظرُ، إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً قال قتادة:
تَوَعَّدَهُمْ سُبْحَانَهُ بصيحةِ القِيَامَةِ والنفخِ في الصُّور «١»، قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وقد رُوِيَ هذا التفسيرُ مرفوعاً، وقالتْ طائِفَةٌ: تَوَعَّدَهُمْ اللَّهُ بِصَيْحَةٍ يُهْلَكُونَ بِهَا في الدنيا، مَّا لَها مِنْ فَواقٍ قرأ الجمهورُ- بفتح الفاءِ-، وقَرأ حمزةُ والكسائي «فُوَاق» - بِضم الفاء «٢» -، قال ابن عباس:
هما بمعنًى، أي: ما لَها من انْقِطَاعٍ وَعَوْدَةٍ، بَلْ هِي مُتَّصِلَةٌ حتى تُهْلِكَهُمْ «٣»، ومنه: فُوَاقُ الحَلْبِ، وهُوَ المُهْلَةُ التي بَيْنَ «الشُّخْبَيْنِ»، وقال ابن زَيْدٍ وغيرُهُ: المعنى مُخْتَلِفٌ «٤»، فالضَّمُّ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَعْنَى فُوَاقِ النَّاقَةِ، والفتحُ بِمَعْنَى الإفَاقَةِ، أيْ: لا يُفِيقُونَ فيها كما يُفِيقُ المَرِيضُ، والمَغْشِيُّ عَلَيْهِ، والْقِطُّ: الحَظُّ والنصيبُ، والْقِطُّ أَيْضاً الصَّكُّ والكتابُ من السُّلْطَانِ بِصِلة، ونحوهِ، واختلِف في الْقِطِّ هُنَا، ما أرادوا به؟ فقال ابن جُبَيْر: أرادوا به:
عَجَّلْ لَنَا نَصِيبَنَا من الخَيْرِ والنَّعيمِ في دُنْيَانا «٥»، وقال أبو العالية: أرادوا عَجِّل لنا صُحُفَنَا بأيمانِنا «٦» وذلك لمَّا سَمِعُوا في القرآن أَنَّ الصُحُفَ تعطى يوم القيامةِ بالأيْمَانِ والشَّمائِل، وقال ابن عباس وغَيره: أرادوا ضِدَّ هَذَا من العذابِ ونحوهِ «٧»، وهذا نظيرُ قولهم فَأَمْطِرْ
(٢) ينظر: «السبعة» (٥٥٢)، و «الحجة» (٧/ ٦٦)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٢٥٥)، و «معاني القراءات» (٢/ ٣٢٥)، و «شرح الطيبة» (٥/ ١٩٠)، و «العنوان» (١٦٣)، و «حجة القراءات» (٦١٣)، و «شرح شعلة» (٥٦٤)، و «إتحاف» (٢/ ٤١٩).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٥٨) برقم: (٢٩٧٧٧)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٥٠)، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٩٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٥٩)، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٥٨) برقم: (٢٩٧٨٢)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٩٦).
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٦٠) برقم: (٢٩٧٨٩)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٥٠)، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٩٦).
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٦٠) عن آخرين، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٩٦) عن أبي العالية، والكلبي.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٥٩) برقم: (٢٩٧٨٣) عن ابن عبّاس، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٥٠)، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٩٦)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٥٩)، وعزاه للطستي عن ابن عبّاس.

عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال: ٣٢] قال ع «١» : وعلى كل تأويل، فكَلاَمُهُم خَرَجَ عَلى جِهَةِ الاستخفاف والهزء.
وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ أَي: فَتَأَسَّ به ولاَ تَلْتَفِتْ إلى هؤلاءِ، «والأيْدِ» القُوَّةُ في الدين والشرع والصَّدْعُ به، وال أَوَّابٌ الرَّجَّاعُ إلى طَاعةِ اللَّهِ، وقاله مجاهد وابن زيد «٢» وفسَّره السُّدِّيُّ: بالمسبّح «٣»، وتسبيح الجبال هنا حقيقة، والْإِشْراقِ: ضياءُ الشَّمْسِ وارتفاعُها، وفي هذين الوَقْتَيْنِ كانت صلاَةُ بنِي إسرائيل، قال الثعلبيُّ: وليس الإشْرَاقُ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وإنما هو صَفَاؤُها وضوءها، انتهى. قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه» «٤» : قال [ابن عباس] «٥» : ما كنتُ أعْلَمُ صلاةَ الضحى في القرآن حتى سمعتُ اللَّهَ تعالى يقول: يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ «٦» قال ابن العربي «٧» : أما صلاةُ الضحى فَهِي في هذه الآيةِ نافلةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، ولا ينبغي أنْ تصلى حتى تتبينَ الشمسُ طَالعةً قَدْ أشْرَقَ نُورُهَا، وفي صلاةِ الضحى أحاديثُ أُصُولُهَا ثلاثةٌ: الأولُ حديثُ أبي ذَرٍّ وغيره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أَنَّه قال: «يُصْبِحُ على كُلِّ سلامى مِنِ ابن آدَمَ صَدَقَةٌ تَسْليمُهُ على مَنْ لَقِيَ صَدَقَةٌ، وأَمْرُهُ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، ونَهْيُهُ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وإمَاطَتُهُ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وبُضْعُهُ أهْلَهُ صَدَقَةٌ، ويجزىء مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رَكْعَتَانِ من الضّحى» «٨».
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٦١) برقم: (٢٩٧٩٦) عن مجاهد، وبرقم: (٢٩٨٠٠) عن ابن زيد، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٩٦) عنهما، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٦٠)، وعزاه لعبد بن حميد عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٦٢) برقم: (٢٩٧٩٩) عن السدي، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٥١) عن سعيد بن جبير، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٩٦) عن السدي، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٦٠)، وعزاه لابن جرير عن ابن عبّاس، ولابن جرير عن مجاهد، ولابن أبي حاتم عن عمرو بن شرحبيل.
(٤) ينظر: «أحكام القرآن» (٤/ ١٦٢٤).
(٥) سقط في: د.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٦٢) برقم: (٢٩٨٠٣)، و (٢٩٨٠٤) عن ابن عبّاس، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٥١)، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٩٦)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٣٠)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٦١)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، عن عطاء الخرساني عن ابن عبّاس، ولعبد بن حميد عن عكرمة عن ابن عبّاس، ولابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عبّاس.
(٧) ينظر: «أحكام القرآن» (٤/ ١٦٢٥).
(٨) تقدم تخريجه.

الثَّانِي: حديثُ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الجهنيّ عن أبيه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ قَعَدَ في مُصَلاَّهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ، حتى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيْ الضحى لاَ يَقُولُ إلاَّ خَيْراً، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وإنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ البَحْرِ» «١».
الثالثُ: حَدِيثُ أمّ هانىء أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلى يَوْمَ الفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ «٢»، انْتَهَى.
ت: وَرَوَى أبو عيسى/ الترمذيُّ وغَيْرُهُ عن أَنَسٍ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«مَنْ صَلَّى الفَجْرَ في جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ تعالى، حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تَامَّةٍ» «٣»، قَالَ الترمذيُّ: حديثٌ حَسَنٌ، انتهى. قال الشَّيْخُ أَبو الحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ في شرحه للبُخَارِيِّ: وعن زيدِ بْنِ أسْلَمَ قَال: سمعتُ عَبد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يقولُ لأبي ذَرٍّ: أوْصِنِي يَا عَمُّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى الضحى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافِلِينَ، وَمَنْ صلى أَرْبَعَاً، كتب من
(٢) أخرجه البخاري (١/ ٤٦٩) كتاب «الصلاة» باب: الصلاة في الثوب الواحد، حديث (٣٥٧)، ومسلم (١/ ٤٩٨) كتاب «صلاة المسافرين» باب: استحباب صلاة الضحى، حديث (٨٢/ ٣٣٦)، وأبو داود (١/ ٤١٢) كتاب «الصلاة» باب: صلاة الضحى، حديث (١٢٩٠- ١٢٩١)، والنسائي (١/ ١٢٦) كتاب «الطهارة» باب: ذكر الاستتار عند الاغتسال، حديث (٢٢٥)، والترمذي (٥/ ٧٣- ٧٤) كتاب «الاستئذان» باب: ما جاء في مرحبا، حديث (٢٧٣٤)، وابن ماجه (١/ ٤٣٩) كتاب «الصلاة» باب: ما جاء في صلاة الضحى، حديث (١٣٧٩)، ومالك (١/ ١٥٢) كتاب «قصر الصلاة في السفر» باب:
صلاة الضحى، حديث (٢٧- ٢٨)، وأحمد (٦/ ٣٤١- ٣٤٢- ٣٤٣- ٤٢٣- ٤٢٥)، ، وأبو عوانة (٢/ ٢٦٩- ٢٧٠)، والدارمي (١/ ٣٣٨- ٣٣٩) كتاب «الصلاة» باب: صلاة الضحى، والحميدي (١/ ١٥٨، ١٦٠) برقم: (٣٣١- ٣٣٢- ٣٣٣)، والبيهقي (٣/ ٤٨) كتاب «الصلاة» باب: ذكر من رواها ثمان ركعات، والبغوي في «شرح السنة» (٢/ ٥١٧) - بتحقيقنا من طرق عن أم هانىء أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلّى ثمان ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(٣) أخرجه الترمذي (٢/ ٤٨١) كتاب «الصلاة» باب: ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، من حديث أنس.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وفي الباب من حديث أبي أمامة: أخرجه الطبراني في «الكبير» (٨/ ٢٠٩)، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ١٠٧) كتاب «الأذكار» باب: ما يفعل بعد صلاة الصبح والمغرب.
قال الهيثمي: إسناده جيد.