
قولك: نُزِفَ الرَّجُلُ إذا سَكِرَ، وبإذْهابِ العَقْلِ فَسَّره ابن عباس «١»، وقرأ حمزة والكسائي «يُنْزِفُونَ» بكسر الزاي «٢» من «أنزف» وله معنيان:
[أحدهما: سَكِر.
والثاني: نَفِدَ شَرَابُه.
وهذا كله منفيّ عن أهل الجنّة.
وقاصِراتُ الطَّرْفِ] «٣» قال ابن عباس وغيره معناه على أزواجهن «٤»، أي: لا ينظرن إلى غيرهم، وعِينٌ: جَمْعُ «عَيْنَاءَ»، وهي الكَبِيرةُ العَيْنينِ في جَمَالٍ.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٤٩ الى ٥٣]
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣)
وقوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ قال ابن جبير والسُّدِّيُّ: شَبَّه ألوانَهُنَّ بِلَوْنِ قِشْرِ البَيْضَةِ الداخليِّ، وهو المكنونُ «٥»، أي المَصُونُ، ورجَّحَه الطبريُّ «٦»، وقال الجمهور: شَبَّه أَلْوَانَهُنَّ بَلَوْنِ قِشْرِ البَيْضَةِ من النَّعَامِ، وهو بياضٌ قَدْ خالَطَتْهُ صُفْرَةٌ حسنة، ومَكْنُونٌ أي:
بالريش، وقال ابن عباس فيما حَكَى الطبريّ: «البيض المكنون» أراد به الجوهر
(٢) ينظر: «السبعة» (٥٤٧) و «الحجة» (٦/ ٥٤)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٢٤٦)، و «معاني القراءات» (٢/ ٣١٨)، و «شرح الطيبة» (٥/ ١٨٣)، و «العنوان» (١٦١)، و «حجة القراءات» (٦٠٨)، و «شرح شعلة» (٥٦٢)، و «إتحاف» (٢/ ٤١١). [.....]
(٣) سقط في: د.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٨٧) برقم: (٢٩٣٦٢) عن ابن عبّاس، وبرقم: (٢٩٣٦٣) عن مجاهد، وبرقم: (٢٩٣٦٤) عن السدي، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٧٣) وزاد نسبته لابن زيد وقتادة، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٧)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥١٧)، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «البعث» عن ابن عبّاس، ولعبد بن حميد عن مجاهد.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٨٨) برقم: (٢٩٣٧١) عن سعيد بن جبير وبرقم: (٢٩٣٧٢) عن السدي.
(٦) ينظر: «تفسير الطبري» (١٠/ ٤٨٩).

المَصُونَ «١»، قال ع «٢» : وهذا يَرُدُّهُ لَفْظُ الآيةِ، فلا يَصِحُّ عَنِ ابن عباس.
وقوله تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ... الآية، هذا التَّساؤُلُ الذي بَيْنَ أهْلِ الجَنَّةِ هو تساؤُلُ رَاحَةٍ وَتَنَعُّمٍ يَتَذَاكَرُونَ أمُورَهُمْ في الجَنَّةِ وأمْرَ الدنيا وحالَ الطَّاعَةِ والإيمَانِ فيها، ثم أخْبَرَ تعالى عَنْ قَوْلِ قائِلٍ منهم في قِصَّتِهِ، وهو مثالٌ لِكُلِّ مَنْ لَهُ قَرِينُ سَوْءٍ، فَيُعْطِي هَذَا المثالُ التَّحَفُّظَ مِنْ قُرَنَاءِ السوءِ، قال الثعلبيُّ: قوله:
إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ قال مجاهد: كان شَيْطَاناً «٣»، انتهى، وقال ابنُ عباس وغيره: كان هذانِ منَ البَشَرِ مُؤمِنٌ وكَافِرٌ «٤»، وقال فُرَاتُ بْنُ ثَعْلَبَةَ البَهْرَانِيُّ في قَصَصِ هَذَيْنِ: إنَّهُمَا كَانَا شَرِيكَيْنِ بثمانيةِ آلاف دينارٍ، فكَانَ أحدُهُمَا مَشْغُولاً بِعِبَادةِ اللَّهِ، وكان الآخرُ كافراً مُقْبِلاً على مَالِهِ، فَحَلَّ الشَّرِكَةَ مع المؤمِنِ وَبقيَ وَحْدَه لِتَقْصِيرِ المؤمِنِ في التِّجَارَةِ، وجَعَلَ الكَافِرُ كُلَّمَا اشْتَرَى شَيْئاً من دَارٍ أو جَاريةٍ أو بستانٍ ونحوِهِ، عرضه عَلى المؤمِنِ وفَخَرَ عليه، فَيَمْضِي المؤمِنُ عندَ ذلكَ، وَيَتَصَدَّقُ بنحوِ ذلك لِيَشْتَرِي بِه من اللَّهِ تعالى في الجَنَّةِ، فكانَ مِنْ أمرِهمَا في الآخِرَةِ ما تَضَمَّنَتْهُ هذه «٥» الآية، وحكى السُّهَيْلِيُّ أن هذين الرجلَيْنِ هما المذكورانِ في قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ... الآية [الكهف: ٣٢] انتهى، و «مدينون» معناه: مجاوزون محاسبون قاله ابن عبّاس وغيره «٦».
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٤٧٣).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٩٠) برقم: (٢٩٣٧٩)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٢٨)، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٧٣)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥١٨)، وعزاه السيوطي للفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٩٠) برقم: (٢٩٣٨٠) عن ابن عبّاس، وذكره البغوي (٤/ ٢٨)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٧٣)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٨)، كلاهما عن ابن عبّاس.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٩٠) برقم: (٢٩٣٨١)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٧٣)، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥١٩)، وعزاه السيوطي لسعيد بن منصور.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٩١) برقم: (٢٩٣٨٢)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٧٤)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٢١)، وعزاه السيوطي لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، عن مجاهد، ولعبد بن حميد عن قتادة.