آيات من القرآن الكريم

فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا
ﭑﭒ ﭔﭕ ﭗﭘ ﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ

وهم نوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وموسى، وهارون، وإلياس، ولوط، ويونس عليهم السلام. ولكنها فصّلت قصة إبراهيم في موقفين حاسمين: أولهما- تحطيمه الأوثان. وثانيهما- إقدامه على ذبح ابنه، ليتجلى للناس جميعا مدى (الإيمان والابتلاء والتضحية) فإنه بادر لتنفيذ أمر ربّه، ممتحنا صبره، مجتازا بالإيمان والصدق محنة الابتلاء، مضحيّا في سبيل رضوان الله بابنه الذي رزقه، فأكرمه الله بالفداء الذي جعل سنّة في الأضحية.
كذلك فصلت السورة قصة يونس عليه السلام العجيبة، وإنقاذه من بطن الحوت، لتوبته وكونه من الذاكرين الله، المصلّين له.
وختمت السورة بالإشارة إلى ما بدئت به من وصف الملائكة بأنهم الصّافون المسبّحون، وبيان نصرة الله لأنبيائه وأوليائه في الدنيا والآخرة، ومدح المرسلين وسلام الله عليهم، وتنزيه الله عن أوصاف المشركين، وثناؤه على نفسه وحمده لذاته بأنه رب العزة ورب العالمين.
فضل هذه السّورة:
أخرج النّسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله ص يأمرنا بالتّخفيف، ويؤمّنا بالصّافات».
إعلان وحدانية الله
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤)
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥)

صفحة رقم 62

البلاغة:
إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ التأكيد بإن واللام بسبب إنكار المخاطبين للوحدانية.
المفردات اللغوية:
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا أقسم الله بالملائكة التي تصف في السماء للعبادة كصفوف الناس في الصلاة في الدنيا، انتظارا لتنفيذ أمر الله، ويكون ترتيبهم في الصفوف بحسب مراتبهم في التقدّم والفضيلة.
فَالزَّاجِراتِ زَجْراً الملائكة التي تزجر السحاب أي تسوقه. وأصل الزّجر: الدّفع بقوة الصوت، يقال: زجرت الإبل والغنم: أي أفزعتها بالصوت والصياح، ثم استعمل في السوق والحثّ على الشيء.
فَالتَّالِياتِ ذِكْراً الملائكة التي تتلو القرآن وتقرؤه. إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ هذا جواب القسم بالملائكة على أن الله واحد لا شريك له، وهو خطاب للمشركين الذين أنكروا التوحيد.
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ ربّ ذلك كله: أي خالقه ومالكه، والْمَشارِقِ: مشارق الشمس، أي وربّ المغارب أيضا، فللشمس كلّ يوم مشرق ومغرب.
والمعنى: أن وجود هذه المخلوقات على هذا النحو البديع من أوضح الأدلّة على وجود الله وقدرته.
التفسير والبيان:
أقسم الله تعالى بالملائكة الصّافّات صفوفا للعبادة أو الصّافّات أجنحتها في السماء، انتظارا لأمر الله تعالى، والذين هم يقومون بوظائف متعددة، منها: أنهم يسوقون السّحب إلى مكان معين بالتدبير المأمور به فيها، أو أنهم يزجرون الناس ويردعونهم عن المعاصي بإلهام الخير، ويزجرون الشياطين عن الوسوسة والإغواء.
ومنها: أنهم يتلون آيات الله على أنبيائه، أو على أوليائه. لقد أقسم الله بأن معبودكم أيها المخاطبون الذي يجب إخلاص العبادة له، هو واحد لا شريك له، وهو خالق السموات والأرض وما بينهما من العوالم والمخلوقات، ومالك ذلك كله، وهو ربّ مشارق الشمس ومغاربها، فأعلنوا في نفوسكم توحيد الله، وأخلصوا له العبادة، وأفردوه بالطاعة، فوجود هذه المخلوقات من أوضح الدلائل على وجود الصانع وقدرته ووحدانيته.

صفحة رقم 63

فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيات على ما يأتي:
١- أقسم الله تعالى بالملائكة، ولله أن يقسم على ما يشاء، في أي وقت يشاء.
٢- ذكرت الآيات صفات ثلاثا للملائكة، وهي: أولا- وقوف الملائكة صفوفا إما لأداء العبادات كما أخبر تعالى عنهم: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ [الصّافّات ٣٧/ ١٦٥]، وإما أنها تصف أجنحتها في الهواء منتظرين وصول أمر الله إليهم، وثانيا- زجر السحاب، أي سوقه وتحريكه والإتيان به من موضع إلى موضع، أو زجر الناس عن المعاصي بالإلهام والتأثير في القلوب، أو زجر الشياطين عن التّعرض لبني آدم بالشّر والإيذاء. وثالثا- قراءة كتاب الله تعالى في الصلاة، وعلى الأنبياء، والأولياء للتذكير بها وغرس الشرائع في النفوس، والصفة الثالثة مذكورة في آية أخرى هي: فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً، عُذْراً أَوْ نُذْراً [المرسلات ٧٧/ ٥- ٦].
هذا.. وقد ورد في السّنة النّبوية حديثان صحيحان عن كيفية صفوف الملائكة:
الأول-
ما أخرجه مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص: «فضّلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعل لنا ترابها طهورا إذا لم نجد الماء».
والثاني-
ما أخرجه مسلم أيضا والنسائي وابن ماجه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص: «ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند

صفحة رقم 64
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية