آيات من القرآن الكريم

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ
ﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈ

فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ أَيْ فَإِذَا نَزَلَ الْعَذَابُ بِمَحِلَّتِهِمْ فَبِئْسَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُهُمْ بِإِهْلَاكِهِمْ وَدَمَارِهِمْ، وقال السُّدِّيُّ فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ يَعْنِي بِدَارِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ أَيْ فَبِئْسَ مَا يُصْبِحُونَ أَيْ بِئْسَ الصَّبَاحُ صَبَاحُهُمْ. وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حديث إسماعيل ابن عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ فَلَمَّا خرجوا بفئوسهم وَمَسَاحِيهِمْ وَرَأَوُا الْجَيْشَ رَجَعُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» «١» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عن أنس بن مالك عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَقَدْ أَخَذُوا مَسَاحِيَهُمْ وَغَدَوْا إلى حروثهم وأرضهم، فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكصوا مُدْبِرِينَ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» لَمْ يخرجوه من هذه الْوَجْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَقَوْلُهُ تعالى: وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ تأكيد لما تقدم من الأمر بذلك والله سبحانه وتعالى أعلم.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٨٠ الى ١٨٢]
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢)
يُنَزِّهُ تبارك وتعالى نفسه ويقدسها ويبرئها عما يقول الظالمون المكذبون المعتدون تعالى وتنزه وَتَقَدَّسَ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلِهَذَا قَالَ تبارك وتعالى: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ أَيْ ذِي الْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ عَمَّا يَصِفُونَ أَيْ عَنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَدِينَ الْمُفْتَرِينَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ أَيْ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِسَلَامَةِ مَا قَالُوهُ فِي رَبِّهِمْ وَصِحَّتِهِ وَحَقِّيَّتِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أَيْ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَلَمَّا كَانَ التَّسْبِيحُ يَتَضَمَّنُ التَّنْزِيهَ وَالتَّبْرِئَةَ مِنَ النَّقْصِ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ وَيَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ الْكَمَالِ كَمَا أَنَّ الْحَمْدَ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ مُطَابَقَةً وَيَسْتَلْزِمُ التَّنْزِيهَ مِنَ النَّقْصِ قَرَنَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ ولهذا قال تبارك وتعالى: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِذَا سَلَّمْتُمْ عَلَيَّ فَسَلِّمُوا عَلَى الْمُرْسَلِينَ فَإِنَّمَا أنا رسول من المرسلين». هكذا

(١) أخرجه البخاري في الصلاة باب ١٢، والأذان باب ٦، وصلاة الخوف باب ٦، والجهاد باب ١٣٠، والمناقب باب ٢٨، والمغازي باب ٣٨، ومسلم في الجهاد حديث ١٢٠، ١٢١، والترمذي في السير باب ٣، والنسائي في المواقيت باب ٢٦، والنكاح باب ٧٩، والصيد باب ٧٨، ومالك في الجهاد حديث ٤٨، وأحمد في المسند ٣/ ١٠٢، ١١١، ١٦٤، ١٨٦، ٢٠٦، ٢٤٦، ٢٦٣.
(٢) المسند ٤/ ٢٨- ٢٩.

صفحة رقم 41

رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ عَنْهُ كَذَلِكَ.
وَقَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَعْيَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ صَاعِقَةٌ قَالَا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أبي طلحة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَلَّمْتُمْ عَلَيَّ فَسَلَّمُوا عَلَى الْمُرْسَلِينَ» وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا نُوحٌ حدثنا أبو هارون عن أبي سعيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا أراد أن يسلم قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ثُمَّ يُسَلِّمُ، إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى مِنَ الْأَجْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَقُلْ آخِرَ مَجْلِسِهِ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِلٍ مَوْقُوفٍ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: أخبرنا أبو سعيد أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي ابْنُ فَنْجَوَيْهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَهْلَوَيْهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَبِي صَفِيَّةَ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى مِنَ الْأَجْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَكُنْ آخِرُ كَلَامِهِ فِي مَجْلِسِهِ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَخْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَالَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَدِ اكْتَالَ بِالْجَرِيبِ «٢»
الْأَوْفَى مِنَ الْأَجْرِ» «٣» وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. وَقَدْ أَفْرَدْتُ لَهَا جزءا على حدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

(١) تفسير الطبري ١٠/ ٥٤٣. [.....]
(٢) الجريب: مكيال.
(٣) الحديث في الدر المنثور ٥/ ٥٥٤.
بلفظ: «فقد اكتال بالمكيال الأوفى من الأجر».

صفحة رقم 42
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية