آيات من القرآن الكريم

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ
ﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈ

ولما كابر بعضهم ودافع، لم يكن بأسرع من أن ولوا وطلبوا السلامة بالدخول فيما جعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علماً على التأمين، وقال حماس بن قيس أخو بني بكر لما دخل بيته لامرأته: أغلقي عليّ الباب، فعيرته بالهزيمة بعن أن كانت تنهاه عن منابذة المسلمين فلا ينتهي ويقول لها: لا بد، أن أخدمك بعضهم:

صفحة رقم 317

إنك لو شهدت يوم الحندمه إذ فر صفوان وفر عكرمه
ضرباً فلا يسمع إلا غمغمه... لهم نهيت خلقنا وهمهمه... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه
واستقبلتنا بالسيوف المسلمة يقطعن كل ساعد وجمجمه
ولما كان هذا منطبقاً على يوم الفتح، وكان ذلك اليوم قد أحل الكفار محلاًّ صاروا به بحيث لا اعتبار لهم قال: ﴿وأبصر﴾ مسقطاً ضميرهم، أي أبصر ما تريد من شؤونك التي يهمك النظر فيها، وأما هم فصاروا بحيث لا يبالي بهم ولا يفكر في أمرهم ولا يلتفت إليهم، فإنا أبدلنا من عزتهم ذلاًّ، ومن كثرتهم قلاًّ، وجردنا تلك الأراضي من قاذورات الشرك، وأحللنا بها طهارة التنزيه وأقداس التحميد، وكذا كان، فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم وهو على درج الكعبة وهم تحته كالغنم المجموعة في اليوم المطير بعد أن قال «» لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده «: ما تظنون أني فاعل بكم يا معاشر قريش؟ قالوا:

صفحة رقم 318

خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وقال له صفوان بن أمية: اجعلني بالخيار شهرين، قال: أنت بالخيار أربعة أشهر»، ولم يكلف أحداً منهم الإسلام حتى أسلموا بعد ذلك طوعاً من عند آخرهم. ولما حاصر الطائف فعسرت عليه انصرف عنها، فما لبثوا أن أرسلوا إليه رسلهم وأسلموا فحسن إسلامهم ولم يرتد أحد منهم في الردة، وهذا من معنى ﴿فسوف يبصرون *﴾.
ولما تقرر له سبحانه من العظمة ما ذكر، فكان الأمر أمره والخلق خلقه، ثبت تنزهه عن كل نقص واتصافه بكل كمال، فلذلك كانت نتيجة ذلك الختم بمجامع التنزيه والتحميد فقال: ﴿سبحان ربك﴾ أي المحسن إليك بإرسالك وإقامة الدليل الظاهر المحرر على صدقك بكل ما يكون من أحوال أعدائك من كلام أو سكوت، وتأييدك بكل قوة وإلباسك كل هيبة ﴿رب العزة﴾ أي التي هو مختص بها بما أفهمته الإضافة وأفاد شاهد الوجود وحاكم العقل، وقد علم بما ذكر في هذه السورة أنها تغلب كل شيء ولا يغلبها شيء، وفي إضافة الرب إليه وإلى العزة إشارة إلى اختصاصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل من وافقه في أمره عن جميع الخلق بالعزة وإن رئي في ظاهر الأمر غير ذلك ﴿عما يصفون *﴾ مما يقتضي النقائص لما ثبت

صفحة رقم 319

من ضلالهم وبعدهم عن الحق.
ولما قدم السلام على من شاء تخصيصه في هذه السورة من رسله عمهم فقال عاطفاً على ﴿سبحان﴾ :﴿وسلام﴾ أي تنزه له وسلامة وشرف وفخر وعلا ﴿على المرسلين *﴾ أي الواصفين له بما هو له أهل، الذين اصطفاهم، الصافين صفًّا، الزاجرين زجراً، التالين ذكراً، من البشر والملائكة المذكورين في هذه السورة وغيرهم لأجل ما حكم لهم من سبحانه في الأزل من العز والنصر ﴿والحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿لله﴾ أي الجامع لجميع الأسماء الحسنى التي دل عليها مجموع خلقه، وإلى ذلك أشار بقوله: ﴿رب العالمين *﴾ فهو حينئذ الواحد المعتال، الذي تنزه عن الأكفاء والأمثال، والنظراء والأشكال، في كل شيء من الأقوال والأفعال، والشؤون والأحوال، ولقد ترافق آخرها - كما ترى - وأولها، وتعانق مفصلها وموصلها - والله الهادي إلى الصواب.

صفحة رقم 320

(سورة ص)
المقصود منها بيان ما ذكر في آخر الصافات من أن جند الله هم الغالبون - وإن رئي أنهم ضعفاء، وإن تأخر نصرهم - غلبة آخرها سلامة للفريقين، لأنه سبحانه واحد لكونه محيطا بصفات الكمال كما أفهمه آخر الصافات من التنزيه والحمد وما معهما، وعلى ذلك دلت تسميتها بحرف " ص " لأن مخرجه من طرف اللسان، وبين أصول الثنيتين السفليتين، ولهمن الصفات الهمس والرخاوة والإطباق والاستعلاء والصفير، فكان دالا على ذلك لأن مخرجه أمكن مخارج الحروف وأوسعها وأخفها وأرشقها وأغلبها، ولأن ما له من الصفات العالية أكثر من ضدها وأفخم وأعلى وأضخم، ولذلك ذكر من فيها من الأنبياء الذين لم يكن على أيديهم إهلاك، بل ابتلوا وعرفوا وسلمهم الله من أعدائهم من الجن والإنس، وإلى ذلك الإشارة بما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن غيره من أن معناه: الله صادق فيما وعد، أو صدق محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، أو صاد محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قلوب الخلق واستمالها، وبه قرأ أبو عمرو في رواية شاذة على أنه فعل ماض من

صفحة رقم 321

الصيد، وقرأ الحسن وغيره بكسر الصاد على أنه أمر من المصاداة وهي المعارضة أي عارض بما أنزلناه إليك الخلائق وجادلهم به فإنك تغلبهم لأن الصدق سيف الله في أرضه، ما وضعه على شيء إلا قطعه، وقد انبسط هذا الصدق الذي أشار إليه الصاد على كل صدق في الوجود فاستمال كل من فيه نوع من الصدق، ولهذا قال في السورة التي بعدها) والذي جاء بالصدق وصدق به) [الزمر: ٣٣] فذكر هؤلاء الأنبياء عليهم السلام شاهد وجودي على ما هو معنى الصاد عند العلماء الربانيين من أنه مطابقة ما بين الخلق والأمر، وتسمى سورة داود عليه السلام - كما قاله ابن الجوزي رحمه الله - وحاله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أدل أحوال من فيها من الأنبياء على هذا المقصود، لما كان فيه من الضعف أولا والملك آخرا) بسن الله (الذي يعز من انتمى إليه وإن كان ضعيفا لأن هـ العزيز) الرحمن (الذي له القدرة التامة على أن يرحم بالضراء كما يرحم بالسراء) الرحيم (الذي أكرم أهل وده، بالإعانة على لزوم شكره وحمده.

صفحة رقم 322
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن، برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّبَاط بن علي بن أبي بكر البقاعي
الناشر
دار الكتاب الإسلامي، القاهرة
عدد الأجزاء
22
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية