
من الإخبار بسخط الله العظيم على هؤلاء الكفرة المتجارئين على الله والإنكار الفظيع لأقاويلهم الكاذبة والاستبعاد الشديد لأباطيلهم وتسفيه أحلامهم وتركيك عقولهم وسخافة أفهامهم مع الاستهزاء بعقولهم والسخرية بأشخاصهم ما لا يخفى على المتأمل. ثم حكى الله عن ملائكته فقال «وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ١٦٤» عند الله وهذا اعتراف منهم بالعبودية له جل شأنه وقد تمثل بهذا القول سيدنا جبريل عليه السلام ليلة الإسراء عند مفارقته لحضرة الرسول ﷺ حينما صعد للقاء ربه كما مر في الآية الأولى من الإسراء في ج ١ وقال له في مثل هذا المكان يترك الخليل خليله أو الحبيب حبيبه، فأجابه (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) أي في القرب والمعرفة والمشاهدة لا يمكن أن يتعداه خضوعا لعظمة الإله وخشوعا لهيبته وتواضعا لجلاله. هذا، ومن قال إن المراد بالجنّة هنا الملائكة جعل هذه الجملة من قولهم على الاتصال بكلامهم السابق إلى من قوله سبحان الله عما يصفون إلى قوله تعالى «وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ١٦٥» حول العرش في عبادة ربنا كصفوف الإنس في الصلاة أمامه وقوله «وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ١٦٦» له العابدون ولسنا المعبودين ولا منسوبين لحضرته بالمعنى الذي ذكره قومك يا محمد «وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ ١٦٧» «لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ ١٦٨» وذلك أنهم يقولون قبل نزول القرآن على رسولهم محمد لو أن عندنا كتابا من كتب الأقدمين مثل اليهود والنصارى «لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ١٦٩» له العبادة واتبعنا ما فيه وانقدنا لأوامره ونواهيه ولما أتاهم هذا الكتاب الجامع لكل الكتب والذي فيه أحسن الذكر على لسان أكمل البشر «فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ١٧٠» غب كفرهم وعاقبة أمرهم، وهذه الآية على حد قوله تعالى (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) الآية ١٥٦ من سورة الأنعام المارة، ويقرب منها بالمعنى (وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) الآية ١٣٣ من سورة طه في ج ١،
قال تعالى «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ١٧١» التي وعدناهم بها عند ما نرسلهم لهداية الأمم وهي قوله جل قوله (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) الآية ٢١ من سورة المجادلة

في ج ٣ وحروفها بحساب الجمل عن السنة الشمسية ١٩٥٨ «إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ١٧٢» على من خالفهم وناوأهم لأنهم جندناَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ
١٧٣» على غيرهم من جميع الأخبار، واعلم أن حروف هذه الآية المباركة بحساب الجمل ١٣٦٠ وحروف الأولى ٦٤٤ فيكون مجموع حروف هاتين الآيتين ١٧٢/ ١٧٣ بحسب السنة الشمسية أيضا ٢٠٠٤ وحروف الآية ١٧٣ وحدها على حساب السنة القمرية ١٣٦٠ والآية ١٠٣ من سورة يونس المارة ١٤٦٨ أيضا فنسأل الله تعالى تحقيق وعده بنصرة الإسلام وإكمال عزهم ورفع رايتهم على سائر الأمم من الآن حتى يتم كماله فيها وهو على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وقد سمى الله هاتين الجملتين كلمة لا نتظامهما في معنى واحد فكانتا في حكم الكلمة على حد قوله تعالى (إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) الآية ١٠٠ من سورة المؤمنين الآتية وهي إشارة إلى قوله (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا) وهي كلمات لا كلمة وعليه تعبيره صلّى الله عليه وسلم عن لا إله إلا الله محمد رسول الله بكلمة أيضا. هذا، ولا يقال إن من الأنبياء من لم ينصر وقد يغلب ويقتل أيضا لأن النصر إذا لم يكن في الدنيا فهو في الآخرة محقق لكافة الرسل والعبرة في الدنيا للغالب في النصرة الفعلية أما في المحاججة فلا شك أن النصرة لجميع الأنبياء كما هو معلوم من قصصهم التي قصها الله علينا، قال تعالى يا أكرم الرسل «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ١٧٤» إلى مدة يسيرة فقد قرب نزول العذاب بهم إذ طفح الكيل وبلغ السيل الزبى وهذا من قبيل التهديد والوعيد فمن قال إن هذه الآية منسوخة بآية السيف فقد هفا لأنها من الأخبار وكل ما كان فيه تهديد ووعيد لا يتطرقه النسخ «وَأَبْصِرْهُمْ» إذا حل بهم ما يوعدون به من العذاب «فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ١٧٥» وقوعه فيهم وسوف هنا للوعيد لا للتبعيد تدبر. ولما هددهم حضرة الرسول بذلك قالوا: ومتى يكون ما توعدنا به يا محمد؟
فقال تعالى مجاوبا لهم عن نبيه «أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ١٧٦» كفرة قومك وهذا استفهام على طريق التوبيخ بسبب استعجالهم ما فيه بؤسهم وشقاؤهم «فَإِذا نَزَلَ» العذاب «بِساحَتِهِمْ» فناء دورهم والساحة المكان المتسع أيضا العرصة الكبيرة أمام الدور «فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ ١٧٧» بئس الصباح صباحهم وساء