
وسموا جنة لاجتنانهم واستتارهم عن الابصار ومنه سمى الجنين وهو المستور فى بطن الام والجنون لانه خفاء العقل. والجنة بالضم الترس لانه يجن صاحبه ويستره. والجنة بالفتح لانها كل بستان ذى شجر يستر باشجاره الأرض فمن له اجتنان عن الأعين جنس يندرج تحته الملائكة والجن المعروف قالوا الجن واحد ولكن من خبث من الجن ومرد وكان شرا كله فهو شيطان ومن طهر منهم ونسك وكان خيرا فهو ملك قال الراغب الجن يقال على وجهين أحدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بإزاء الانس فعلى هذا يدخل فيه الملائكة والشياطين فكل ملائكة جن وليس كل جن ملائكة وقيل بل الجن بعض الروحانيين وذلك ان الروحانيين ثلاثة أخيار وهم الملائكة واشرار وهم الشياطين واوساط فهم أخيار واشرار وهم الجن ويدل على ذلك قوله تعالى (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) الى قوله (وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) نَسَباً النسب والنسبة اشتراك من جهة الأبوين وذلك ضربان نسب بالطول كالاشتراك بين الآباء والأبناء ونسب بالعرض كالنسبة بين الاخوة وبنى العم وقيل فلان نسيب فلان اى قريبه. والمعنى وجعل المشركون بما قالوا نسبة بين الله وبين الملائكة واثبتوا بذلك جنسية جامعة له وللملائكة وفى ذكر الله الملائكة بهذا الاسم فى هذا الموضع اشارة الى ان من صفته الاجتنان وهو من صفات الاجرام لا يصلح ان يناسب من لا يجوز عليه ذلك وفيه اشارة الى جنة الإنسان وقصور نظر عقله عن كمال احدية الله وجلال صمديته إذا وكل الى نفسه فى معرفة ذات الله وصفاته فيقيس ذاته على ذاته وصفاته على صفاته فيثبت له نسبا كما له نسب ويثبت له زوجة وولدا كما له زوجة وولد ويثبت له جوارح كما له جوارح ويثبت له مكانا كما له مكان تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وهو يقول تبارك وتعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
جهان متفق بر الهيتش | فرو مانده از كنه ماهيتش |
بشر ماوراى جلالش نيافت | بصر منتهاى كمالش نيافت |
نه ادراك در كنه ذاتش رسد | نه فكرت بنور صفاتش رسد |

تنزها لائقا بجنابه عَمَّا يَصِفُونَ به من الولد والنسب او نزهوه تنزيها عن ذلك او ما ابعد وما انزه من هؤلاء خلقه وعبيده عما يضاف اليه من ذلك فهو تعجب من كلمتهم الحمقاء وجعلتهم العوجاء إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ استثناء منقطع من الواو فى يصفون اى يصفه هؤلاء بذلك ولكن المخلصين الذين أخلصهم الله بلطفه من الواث الشكوك والشبهات ووفقهم للجريان بموجب اللب برءاء من ان يصفوه به وجعل ابو السعود قوله سبحان الله عما يصفون بتقدير قول معطوف على علمت الملائكة ان المشركين لمعذبون لقولهم ذلك وقالوا سبحان الله عما يصفون به من الولد والنسب لكن عباد الله المخلصين الذين نحن من جملتهم برءاء من ذلك الوصف بل نصفه بصفات العلى فيكون المستثنى ايضا من كلام الملائكة فَإِنَّكُمْ ايها المشركون عود الى خطابهم لاظهار كمال الاعتناء بتحقيق مضمون الكلام وَما تَعْبُدُونَ ومعبوديكم وهم الشياطين الذين أغووهم ما أَنْتُمْ ما نافية وأنتم خطاب لهم ولمعبوديهم تغليبا للمخاطب على الغائب عَلَيْهِ الضمير لله وعلى متعلقة بقوله بِفاتِنِينَ الفاتن هنا بمعنى المضل والمفسد يقال فتن فلان على فلان امرأته اى أفسدها عليه واضلها حاملا إياها على عصيان زوجها فعدى الفاتن بعلى لتضمينه معنى الحمل والبعث. والمعنى ما أنتم بفاتنين أحدا من عباده اى بمضلين ومفسدين بحمله على المعصية والخلاف فمفعول فاتنين محذوف إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ منهم اى داخلها لعلمه تعالى بانه يصر على الكفر بسوء اختياره ويصير من اهل النار لا محالة فيضلون بتقدير الله من قدر الله ان يكون من اهل النار واما المخلصون منهم فانهم بمعزل عن افسادهم واضلالهم فهم لا جرم برءاء من ان يفتنوا بكم ويسلكوا مسلككم فى وصفه تعالى بما وصفتموه به. قوله صال بالكسر أصله صالى على وزن فاعل من الصلى وهو الدخول فى النار يقال صلى فلان النار يصلى صليا من الباب الرابع دخل فيها واحترق فاعل كقاض فلما أضيف الى الجحيم سقط التنوين وأفرد حملا على لفظ من واحتج اهل السنة والجماعة بهذه الآية وهى قوله (فَإِنَّكُمْ) إلخ على انه لا تأثير لالقاء الشيطان ووسوسته ولا لاحوال معبودهم فى وقوع الفتنة وانما المؤثر هو قضاء الله وتقديره وحكمه بالشقاوة ولا يلزم منه الجبر وعدم لوم الضال والمضل بما كسبا لما أشير اليه من انهم لا يقدرون على إضلال أحد الا إضلال من علم الله منه اختيار الكفر والإصرار عليه وعلم الله وتقديره وقضاؤه فعلا من افعال المكلفين لا ينافى اختيار العبد وكسبه
هر كه در فعل خود بود مختار | فعل او دور باشد از إجبار |
بهر آن كرد امر ونهى عباد | تا شود ظاهر انقياد وعناد |
زايد از انقياد حب ورضا | وز خلاف وعناد سوء قضا |
پس بود امر ونهى شرط ظهور | فعلها را ز بنده مأمور |