آيات من القرآن الكريم

أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ

الْأَخْضَرِ ناراً»
تنتفعون بها منافع جمة لا تحصى «فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ» أيها الناس «تُوقِدُونَ» ٨٠ للتوضئة والطبخ وتليين المعادن وتقويتها وصنعها فالإله الذي يقدر على جمع الماء والنار في الشجر وهما ضدان ألا يقدر على إعادة ما خلقه كما خلقه بلي والعجز من شيمة وصفة المخلوق لا الخالق، واعلم انما ضرب الله تعالى المثل بالنار لما كان في علمه أنه ينشأ منها ما لم يكن يعرف قبلا، فقد نشأ منها القوى الكهربائية التي هي أعظم قوة وقف عليها البشر حتى الآن، وهي جامعة بين الأضداد كالحرارة والبرودة، والجمع والتفريق، والحركة والسكون، فهي العامل الوحيد الآن لأكثر لوازم الإنسان والحيوان، وما ندري ما ينشأ عنها بعد، فتفكروا أيها الناس في آلاء الله تعالى تفتح أبصاركم وتنور بصائركم لمعرفة مكنونات ربكم في هذه الأرض التي أمر نبيكم بالتماس خباياها وفي عجائب مصنوعاته في السماء التي جعل فيها رزقكم وما وعدكم به. قال ابن عباس: أراد الله تعالى في هذه الشجر شجرتي المرخ والعفار الموجودتين في أرض الحجاز فمن أراد إذكاء النار قطع منها غصنين فيسحق المرخ على العفار فتخرج منها النار وهما خضراوان يقطران الماء، ولهذا تقول العرب في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار أي استكثر منها، هذا خلق الله أيها الناس وخلق السموات والأرض أكبر من خلقكم، فالذي يفعل هذه الأشياء إبداعا ألا يقدر على إعادة خلقكم من رميمكم البالي كما بدأكم؟
ثم ذكر مثلا أعظم من الأول فقال «أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ» بما فيهما من جبال وأودية وبحار وأنهار وكواكب وشموس ومناسك وبروج «بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ» لأنهم بالنسبة لذلك لا يعدّون شيئا، قل أيها الإنسان قسرا «بَلى» قادر على أكثر من ذلك «وَهُوَ الْخَلَّاقُ» الموجد لأنواع المخلوقات العظيم «الْعَلِيمُ» ٨١ بكيفية خلقها أولا وإعادتها ثانيا لا يعجزه شيء ولا يحتاج في تكوينها إلى شيء من عقاقير ومحللات ومركبات. واعلم أيها الكامل «إِنَّما أَمْرُهُ» في الإيجاد «إِذا أَرادَ شَيْئاً» يوجده «أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» ٨٢ حالا كما أراد لا محالة بين الكاف والنون، وكذلك إذا أراد إعدام شيء أعدمه

صفحة رقم 63

بقول كن أيضا، لا فرق عنده فيهما، هذا وقد عبر جل تعبيره عن إيجاد الأكوان بقول كن، من غير ان كان منه كاف ونون لسرعة الإيجاد، فكأنه جلّت قدرته يقول كما أنه لا يثقل قول كن عليكم أيها الناس فكذلك لا يثقل عليّ إبداء الخلق وإعادتهم، وهو يمثل لنا لتأثير قدرته تعالى في مراده بالأمر المطاع للمأمور المطيع في سرعة حصول المأمور به من غير امتناع وتوقف على شيء، وإذا نظرت إلى قوله تعالى «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ» الآية ٤٠ من سورة النمل الآتية عرفت بعض قدرة ذلك الرب العظيم على كل عظيم بأقل من لفظ كن والظاهر من الآية أن هناك قولا لفظيا هو لفظ كن، وإليه ذهب معظم السلف، وذهب غيرهم إلى أن لا قول أصلا، وقال بعض العلماء إن هناك قولا نفسيا، والأحسن أن تضرب عن هذه الأقوال صفحا لأن شؤون الله تعالى وراء ما تصل إليه الأفهام، فلا تشغل نفسك أيها العاقل العارف بمثل هذا الكلام وقل «فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ» من كل شيء يتصرف به كيفما يشاء ويختار، وقد زيدت الواو والتاء في لفظ ملكوت للمبالغة كما زيدت في جبروت ورحموت في مبالغة الجبر والرحمة وقد أشرنا في تفسير الآية ١٨ الأعراف إلى ما يتعلق بهذا فراجعه. «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» ٨٣ أيها الناس بعد الموت كسائر خلقه لا محيد لكم عنه. أخرج الامام أحمد وأبو داود والنسائي وغير عن معقل بن يسار أن رسول الله ﷺ قال: يس قلب القرآن. وأخر أبو النصر السنجري في الإبانة وحسنه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في القرآن لسورة تدعى العظيمة عند الله ويدعى صاحبها (حافظها الشريف عند الله تعالى، يشفع صاحبها يوم القيامة في أكثر من ربيعة ومضر وهي سورة يس. وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن حسان بن عطية أن رسول ﷺ قال سورة يس تدعى في التوراة المعمّة تعمّ صاحبها بخير الدنيا والآخرة أي تدفع وتدعى المدافعة القاضية تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضى له كل حاجة واخرج الخطيب عن أنس مثله وعن معقل بن يسار قال قال صلى الله عليه وسلم: اقرأوا على موتاكم يس أخرجه أبو داود وغيره. هذا، والله أعلم، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

صفحة رقم 64
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية