
وقال صاحب النظم: القول هاهنا: إيماء (١) إلى القدر مقتصًا من قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة: ١٣] هذا كلامه. والمعنى أن قوله: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ﴾ إشارة إلى الإرادة الأزلية السابقة بكفرهم، وإذا سبقت الإرادة بكفرهم فمتى يؤمنون؟ وهو قوله ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
قال الزجاج: بكفرهم وعنادهم أضلهم ومنعهم الهدى فهم لا يؤمنون (٢). [قال الزجاج: بكفرهم وعنادهم فهم لا يؤمنون] (٣).
٨ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾ في هذه الآية والتي بعدها مذهبان: أحدهما: مذهب المفسرين، وهو أن الآية نزلت في أبي جهل، قصد النبي -صلى الله عليه وسلم- بحجر ليدمغه وهو يصلي، فيبست يده إلى عنقه حتى عاد إلى أصحابه، فذلك قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾. وهذا قول مقاتل والكلبي (٤). والثاني: مذهب أهل المعاني: وهو أن هذا على طريق المثل ولم يكن هناك غل (٥)، أراد:
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٧٨.
(٣) ما بين المعقوفين تكرار، وهو في جميع النسخ.
(٤) انظر: "الطبري" ٢٢/ ١٥٢، "بحر العلوم" ٣/ ٩٤، "الماوردي" ٥/ ٧، "البغوي" ٤/ ٦، "زاد المسير" ٧/ ٦، وأصل الحديث في البخاري "كتاب التفسير"، تفسير سورة إقرأ عند قوله تعالى: ﴿كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾ ٤/ ١٨٩٦ رقم الحديث (٤٦٧٥) من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال الحافظ ابن حجر في "تخريج أحاديث الكشاف" ٣/ ١٦١: رواه أبو نعيم في "دلائل النبوة" قال: وهو في أوائل سيرة ابن هشام من قول ابن إسحاق في كلام طويل.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧٢، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤٧٥، "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٠.

منعناهم عن الإيمان بموانع، وهذا قول أبي عبيدة (١).
وقال الفراء: معناه إنا حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله (٢). وكان هذا الوجه أوضح؛ لقوله فيما بعد: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ الآية.
﴿فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ﴾ قال الفراء: (هي كناية عن الإيمان ولم يذكر، وذلك أن الغل لا يكون إلا في اليمين والعنق، جامعًا لليمين والعنق فكفى ذكر أحدهما عن صاحبه كما قال: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾ [البقرة: ١٨٢] فضم الورثة إلى الوصي ولم يذكروا؛ لأن الصلح بما بقى من الوصي والورثة، ومثله قول الشاعر:
وما أدري إذا يممت وجهًا | أريد الخير أيهما يليني (٣) |
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٢٧٣.
(٣) البيت من الوافر، وهو للمثقب العبدي في نونيته، في "ديوانه" ص ٢١٢، "الخزانة" ١١/ ٨٠، وبلا نسبة في: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٧٢، "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٤/ ٢٧٩.
(٤) هكذا جاء في النسخ، وما بين المعقوفين يظهر أنه زائد؛ لأنه ليس في "معاني القرآن" للفراء، ولا معنى له كذلك.
(٥) "معاني القرآن" ٢/ ٣٧٢ - ٣٧٣.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٨٠.

وقوله: ﴿فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾. قال الفراء: المقمح: الغاض بصره بعد رفع رأسه. (١) (٢) هذا قول.
ونحو ذلك قال أبو إسحاق (٣). ومعنى الإقماح في اللغة: رفع الرأس وغض البصر، يقا ل: أقمح البعير رأسه وقمح.
قال أبو عبيد: يقمح البعير قمح قموحًا إذا رفع رأسه ولم يشرب الماء (٤).
وقال الأصمعي: بعير قامح، إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب، وجمعه قماح (٥). وأنشد الفراء وجميع أهل اللغة قول بشر (٦) يصف سفينة:
ونحن على جوانبها قعود | نغض (٧) الطرف كالإبل القماح |
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٣٧٣.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٧٩.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٨١ (قمح)، "اللسان" ٢/ ٥٦٦ (قمح).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٨١ (قمح)، "اللسان" ٢/ ٥٦٦ (قمح).
(٦) هو: بشر بن أبي خازم عمرو بن عوف الأسدي، أبو نوفل، شاعر جاهلي فحل، عدَّه ابن سلام في الطبقة الثانية من طبقات فحول أهل الجاهلية، وهو من شجعان أهل نجد، مات سنة ٢٢ قبل الهجرة.
انظر: "الشعر والشعراء" ١/ ١٩٠، "طبقات فحول الشعراء" ١/ ٩٧، "الخزانة" ٢/ ٢٦٢.
والبيت من الوافر، وهو في: "ديوان بشر" ص ٤٨، "لسان العرب" ٢/ ٥٦٦. (قمح)، "تاج العروس" ٧/ ٦٣ (قمح)، "تهذيب اللغة" ٤/ ٨١ (قمح)، "أساس البلاغة" ص ٣٧٧ (قمح).
(٧) في (أ): (يفض)، وهو خطأ.