آيات من القرآن الكريم

وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

إِنْ كَذَبَتْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدْ صَدَرَ الذَّنْبُ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالْمُذْنِبُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ ظُهُورِ الْأُمُورِ، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُذْنِبًا فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ صَدَقَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدْ صَدَرَ مِنْهَا الذَّنْبُ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا كَمَنْ قَالَ لِفَاسِقٍ: إِنْ كَذَبْتَ فِي نَهَارِ هَذَا الْيَوْمِ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَقَالَ الْفَاسِقُ: كَذَبْتُ فِي نَهَارِ هَذَا الْيَوْمِ عَتَقَ الْعَبْدُ، لِأَنَّهُ إِنْ صَدَقَ فِي قَوْلِهِ كَذَبْتُ فِي نَهَارِ هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَوَجَبَ الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَذَبَ فِي قَوْلِهِ كَذَبْتُ فَقَدْ كَذَبَ فِي نَهَارِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَوُجِدَ الشَّرْطُ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَذَبْتُ فِي نَهَارِ الْيَوْمِ الَّذِي عَلَّقْتَ عِتْقَ عَبْدِكَ عَلَى كَذِبِي فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْخَتْمُ لَازِمٌ الْكُفَّارَ فِي الدُّنْيَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَفِي الْآخِرَةِ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، فَفِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ الْخَتْمُ عَلَى قُلُوبِهِمْ كَانَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ [التَّوْبَةِ: ٣٠] فَلَمَّا خُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ أَيْضًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ بِأَعْضَائِهِمْ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْأَعْضَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ الْقَلْبُ وَالْفَمُ تَعَيَّنَ الجوارح والأركان. ثم قال تعالى:
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٦٦ الى ٦٧]
وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧)
قَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ وَهُوَ الطَّرِيقَةُ الْوُسْطَى، وَاللَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْمُجَبِّرَةُ ذَكَرَ عَقِيبَهُ مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْقَدَرِيَّةُ وَبِالْعَكْسِ، وهاهنا/ كَذَلِكَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [يس: ٦٥] وقال: اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [يس: ٦٤] وَكَانَ ذَلِكَ مُتَمَسَّكَ الْقَدَرِيَّةِ حَيْثُ أَسْنَدَ اللَّهُ الْكُفْرَ وَالْكَسْبَ إِلَيْهِمْ وَأَحَالَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ عَلَيْهِمْ، ذَكَرَ عَقِيبَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُفْرَهُمْ وَكَسْبَهُمْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُعْمِي الْبَصِيرَةَ وَيُضْعِفُ الْقُوَّةَ الْعَقْلِيَّةَ، وَعَمَى الْبَصِيرَةِ بِإِرَادَةِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ، إِذَا شَاءَ أَعْمَى الْبَصَائِرَ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَطَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمُ الْمُبْصِرَةِ، وَسَلَبَ الْقُوَّةَ الْعَقْلِيَّةَ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ، كَمَا أَنَّ سَلْبَ الْقُوَّةِ الْجِسْمِيَّةِ بِمَشِيئَتِهِ، حَتَّى لَوْ شَاءَ لَمَسَخَ الْمُكَلَّفَ عَلَى مَكَانَتِهِ وَأَقَامَهُ بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُضِيِّ وَالرُّجُوعِ، فَإِعْمَاءُ الْبَصَائِرِ عِنْدَهُ كَإِعْمَاءِ الْأَبْصَارِ، وَسَلْبُ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ كَسَلْبِ الْقُوَّةِ الْجِسْمِيَّةِ، فَقَالَ: وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَوْ شَاءَ وَأَرَادَ إِعْمَاءَ بَصَائِرِهِمْ فَضَلُّوا، وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ طَمْسَ أَعْيُنِهِمْ لَمَا اهْتَدَوْا إِلَى طَرِيقَتِهِمُ الظَّاهِرَةِ، وَشَاءَ وَاخْتَارَ سَلْبَ قُوَّةِ عُقُولِهِمْ فَزَلُّوا، وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ سَلْبَ قُوَّةِ أَجْسَامِهِمْ وَمَسَخَهُمْ لَمَا قَدَرُوا عَلَى تَقَدُّمٍ وَلَا تَأَخُّرٍ. وَفِي الْآيَتَيْنِ أَبْحَاثٌ لَفْظِيَّةٌ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: فِي قَوْلِهِ: فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ حَذْفُ حَرْفِ إِلَى وَاتِّصَالُ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ حَرْفٍ وَأَصْلُهُ فَاسْتَبَقُوا إِلَى الصِّرَاطِ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِبَاقِ الِابْتِدَارَ فَأَعْمَلَهُ إِعْمَالَ الِابْتِدَارِ الثَّالِثُ: أَنْ يَجْعَلَ الصِّرَاطَ مُسْتَبِقًا لَا مُسْتَبَقًا إِلَيْهِ، يُقَالُ اسْتَبَقْنَا فَسَبَقْتُهُمْ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُبَالَغَةً فِي الِاهْتِدَاءِ إِلَى الطَّرِيقِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ الصِّرَاطُ الَّذِي هُوَ مَعَهُمْ لَيْسُوا طَالِبِينَ لَهُ قَاصِدِينَ إِيَّاهُ، وَإِنَّمَا هُمْ عَلَيْهِ إِذَا طَمَسَ اللَّهُ عَلَى أَعْيُنِهِمْ لَا يُبْصِرُونَهُ، فَكَيْفَ إِنْ لَمْ يَكُونُوا على الصراط.
البحث الثاني: قدم الطمس والإعماء عَلَى الْمَسْخِ وَالْإِعْجَازِ لِيَكُونَ الْكَلَامُ مُدَرَّجًا، كَأَنَّهُ قَالَ إِنْ أَعْمَاهُمْ لَمْ يَرَوُا الطَّرِيقَ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْأَعْمَى قَدْ يَهْتَدِي إِلَى الطَّرِيقِ بأمارات عقلية

صفحة رقم 303
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية