سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها سبحان علم للتسبيح الذي هو التبعيد عن السوء اعتقادا وقولا اى اعتقاد البعد عنه والحكم به فان العلم كما يكون علما للاشخاص كزيد وعمرو وللاجناس كاسامة يكون للمعانى ايضا لكن علم الأعيان لا يضاف وهذا لا يجوز بغير اضافة كما فى الآية أقيم مقام المصدر وبين مفعوله بإضافته اليه والمراد بالأزواج الأصناف والأنواع جمع زوج بالفارسية [جفت] خلاف الفرد ويقال للانواع ازواج لان كل نوع زوج بقسميه. وفى سبحان استعظام ما ذكر فى حيز الصلة من بدائع آثار قدرته وروائع نعمائه الموجبة للشكر وتخصيص العبادة به والتعجب من إخلال الكفرة بذلك والحالة هذه فان التنزيه لا ينافى التعجب. والمعنى اسبح الذي أوجد الأصناف والأنواع سبحانه اى انزهه عما لا يليق به عقدا وعملا تنزيها خاصا به حقيقا بشأنه فهو حكم منه تعالى بتنزهه وبراءته عن كل ما لا يليق به كما فعله الكفار من الشرك وما تركوه من الشكر وتلقين للمؤمنين ان يقولوه ويعتقدوا مضمونه ولا يخلوا به ولا يغفلوا عنه وقال بعضهم سبحان مصدر كغفران أريد به التنزه التام والتباعد الكلى عن السوء على ان تكون الجملة اخبار من الله بالتنزه والمعنى تنزه تعالى بذاته عن كل لا ما يليق به تنزها خاصا ومن هو خالق الأصناف والأنواع كيف يجوز ان يشرك به ما لا يخلق شيأ بل هو مخلوق عاجز قال ابن الشيخ والتنزيه يتناول التنزيه بالقلب وهو الاعتقاد الجازم وباللسان مع ذلك الاعتقاد وهو الذكر الحسن وبالأركان معهما جميعا وهو العمل الصالح والاول هو الأصل والثاني ثمرة الاول والثالث ثمرة الثاني وذلك لان الإنسان إذا اعتقد شيأ ظهر من قلبه على لسانه وإذا قال ظهر صدقه فى مقاله من افعال جوارحه فاللسان ترجمان الجنان والأركان ترجمان اللسان مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ بيان للازواج والمراد كل ما ينبت فيها من الأشياء المذكورة وغيرها وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ اى خلق الأزواج من أنفسهم اى الذكر والأنثى وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ اى والأزواج مما لا يطلعهم على خصوصياته لعدم قدرتهم على الإحاطة بها ولما انه لم يتعلق بها شىء من مصالحهم الدينية والدنيوية قال القرطبي اى من اصناف خلقه فى البر والبحر والسماء والأرض ثم يجوز ان يكون ما يخلقه لا يعلمه البشر ويعلمه الملائكة ويجوز ان لا يعلمه مخلوق يقال دواب البحر والبر الف صنف لا يعلم الناس أكثرها قال فى بحر العلوم ويجوز ان يكون المعنى مما لا يدركون كنهه مما خلق من الأشياء من الثواب والعقاب كما قال عليه السلام (اربع لا تدرك غايتها شرور النفس وخداع إبليس وثواب اهل الجنة وعقاب اهل النار) ومنه الروح فانه ما بلغنا ان الله تعالى اطلع أحدا على حقيقة الروح وفى الآية اشارة الى انه ما من مخلوق الا وقد خلق شفعا إذ الفردية من أخص أوصاف الربوبية كما قال عبد العزيز المكي رحمه الله خلق الأزواج كلها ثم قال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ليستدل بذلك ان خالق الأشياء منزه عن الزوج والى ان فى كل شىء دليلا على وجوده تعالى ووحدته وكمال قدرته قال فى كشف الاسرار [هر يكى بر هستى الله كواه وبر يكانكىء وى نشان نه كواهى دهنده را خرد نه نشان دهنده را زبان]
صفحة رقم 395
الباصرة فاذا كان الشمس الظاهرة المتناهية لا يدرك عكسها بالاستعدادات السابقة والتدبيرات اللاحقة فما ظنك بشمس عالم الاحدية الالهية الربوبية الغير المتناهية وان نسبتها اليه فى الانارة والاضاءة والظهور والإظهار ودفع أنوار العظمة ليست الا كذرّة فى الآفاق والسبع الطباق او كقطرة بالنسبة الى البحار الزاخرة او كجزء لا يتجزأ بالنسبة الى الدنيا والآخرة سبحان الله وله المثل الأعلى فى الأرض والسماء فاذا عرفت هذا المثال عرفت حال القلب مع شمس الربوبية وانعكاس نورها فيه: قال الشيخ المغربي قدس سره
نخست ديده طلب كن پس آنگهى ديدار
از آنكه يار كند جلوه بر أولو الابصار
ترا كه چشم نباشد چهـ حاصل از شاهد
ترا كه كوش نباشد چهـ سود از كفتار
اگر چهـ آينه دارى از براى رخش
ولى چهـ سود كه دارى هميشه آينه تار
بيا بصيقل توحيد ز آينه بزدآى
غبار شرك كه تا پاك كردد از ژنكار
وقال ايضا
كجا شود بحقيقت عيان جمال حقيقت
اگر مظاهر وآينه مجاز نباشد
مجوى در دل ما غير دوست ز آنكه نيابى
از آنكه در دل محمود جز أياز نباشد
به پيش عقل مكو قصهاى عشق كه آنرا
قبول مى نكند آنكه عشقباز نباشد
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها هو ابلغ من لا ينبغى للشمس كما ان أنت لا تكذب بتقديم المسند اليه آكد من لا تكذب أنت لاشتمال الاول على تكرر الاسناد. ففى ذكر حرف النفي مع الشمس دون الفعل دلالة على ان الشمس مسخرة لا يتيسر لها الا ما أريد بها وقدر لها وينبغى من الانفعال وثلاثيه بغى يبغى بمعنى طلب تجاوز الاقتصار فيما يتحرى تجاوزه او لم يتجاوز واما استعمال انبغى ماضيا فقليل قال فى كشف الاسرار يقال بغيت الشيء فانبغى لى اى استسهلته فتسهل لى وطلبته فتيسر لى والمعنى لا الشمس يصح لها ويتسهل: وبالفارسية [نه آفتاب سزد مرورا وشايد] أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ فى سرعة سيره فان القمر اسرع سيرا حيث يقطع فلكه ويدور فى منازله الثماني والعشرين فى شهر واحد بخلاف الشمس فانها ابطأ منه حيث لا تقطع فلكها ولا تدور فى تلك المنازل المقسومة على الاثني عشر برجا الا فى سنة فيكون مقام الشمس فى كل منزلة ثلاثة عشر يوما فهى لا تدرك القمر فى سرعة سيره فانه تعالى جعل سيرها ابطأ من سير القمر واسرع من سير زحل وهو كوكب السماء السابعة وذلك لان الشمس كاملة النور فلو كانت بطيئة السير لدامت زمانا كثيرا فى مسامتة شىء واحد فتحرقه ولو كانت سريعة السير لما حصل لها لبث فى بقعة واحدة بقدر ما يخرج النبات من الأرض والأوراق والثمار من الأشجار وبقدر ما ينضج الثمار والحبوب ويجف فلو أدركت القمر فى سرعة سيره لكان فى شهر واحد صيف وشتاء فيختل بذلك احكام الفصول وتكوّن النبات وتعيش الحيوان ويجوز ان يكون المعنى ليس للشمس ان تدرك القمر فى آثاره ومنافعه مع قوة نورها وإشراقها فان لكل واحد منهما آثارا ومنافع تخصه وليس للآخر ان يدركه فيها كما قالوا الثمرة تنضجها الشمس ويلونها القمر ويعطيها الطعم الكوكب وقالوا ان سهيلا
صفحة رقم 401
وهو كوكب يمنىّ يعطى الحجر اللون الأحمر فيصير عقيقا. ويجوز ان يكون معنى ان تدرك القمر اى فى مكانه فان القمر فى السماء الدنيا والشمس فى السماء الرابعة فهى لا تدركه فى مكانه ولا يجتمعان فى موضع اولا تدركه فى سلطانه اى نوره الذي هو برهان لوجوده فان نوره انما يكون بالليل فليس للشمس ان تجامعه فى وقت من اوقات ظهور سلطانه بان تطلع بالليل فتطمس نوره فسلطان القمر بالليل وسلطان الشمس بالنهار ولو أدركت الشمس القمر لذهب ضوءه وبطل سلطانه ودخل النهار على الليل وفى بعض التصاوير لا ينبغى للشمس ان تدرك سلطان القمر فتراه ناقصا وذلك ان الله تعالى لما قبض نور القمر سأله القمر ان لا ترى الشمس نقصانه وقال بعض الكبار جعل الله شهورنا قمرية ولم يجعلها شمسية تنبيها من الله تعالى للعارفين من عباده ان آية القمر بمحوه عن العالم الظاهر لمن اعتبر فى قوله تعالى وتدبر (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) اى فى علو المرتبة والشرف فكان ذلك تقوية لكتم آياتهم التي أعطاها للمحمديين العربيين وأجراها وأخفاها فيهم يعنى ان آيات المحمديين ليست بظاهرة فى ظواهرهم غالبا كآية القمر وستظهر كراماتهم فى الآخرة التي هى آثار ما فى بواطنهم من العلوم والكشوف والحقائق والخوارق وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ اى ولا الليل يسبق النهار فيعجزه من ان ينتهى اليه ويجيء الليل بعده ولكن الليل يعاقب النهار ويناوبه وقيل المراد بهما آيتاهما وهما النيران وبالسبق سبق القمر الى سلطان الشمس فى محو نورها فيكون عكسا للاول فالمعنى لا يصح للقمر ايضا ان يطلع فى وقت ظهور سلطان الشمس وضوئها بحيث يغلب نورها ويصير الزمان كله ليلا فهما يسيران الدهر ولا يدخل أحدهما على الآخر ولا يجتمعان إلا عند ابطال الله هذا التدبير ونقض هذا التأليف وتطلع الشمس من مغربها ويجتمع معها القمر كما قال تعالى (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) وذلك من اشراط الساعة فان قلت إذا كان هذا عكس ما ذكر قبله كان المناسب ان يقال ولا الليل مدرك النهار قلت إيراد السبق مكان الإدراك لانه الملائم لسرعة سيره وفيه اشارة الى انه كما لا يصير القمر شمسا والشمس قمرا فكذلك قمر القلب بتوجهه الى شمس شهود الحق يتنور بنورها
كما قال تعالى (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) ولكنه لا يصير الرب تعالى عبدا ولا العبد ربا فان للرب الربوبية وللعبد العبودية تعالى الله عما يقول اصحاب الحلول وارباب الفضول وَكُلٌّ اى وكلهم على ان التنوين عوض عن المضاف اليه الذي هو الضمير العائد الى الشمس والقمر والجمع باعتبار التكاثر العارض لهما بتكاثر مطلعهما فان اختلاف الأحوال يوجب تعددا ما فى الذات او الى الكواكب فان ذكرهما مشعر بها فِي فَلَكٍ مخصوص معين من الافلاك السبعة وفى بحر العلوم فى جنس الفلك كقولهم كساهم الأمير حلة يريدون كساهم هذا الجنس والفلك مجرى الكواكب ومسيرها وتسميته بذلك لكونه كالفلك كما فى المفردات والجار متعلق يَسْبَحُونَ السبح المر السريع فى الماء او فى الهواء واستعير لمر النجوم فى الفلك كما فى المفردات وقال فى كشف الاسرار السبح الانبساط فى السير كالسباحة فى الماء وكل من انبسط فى شىء فقط سبح فيه والمعنى يسيرون بانبساط