
﴿٣٧ - ٤٠﴾ ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾.
أي: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ﴾ على نفوذ مشيئة الله، وكمال قدرته، وإحيائه الموتى بعد موتهم. ﴿اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ أي: نزيل الضياء العظيم الذي طبق الأرض، فنبدله بالظلمة، ونحلها محله ﴿فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ وكذلك نزيل هذه الظلمة، التي عمتهم وشملتهم، فتطلع الشمس، فتضيء الأقطار، وينتشر الخلق لمعاشهم ومصالحهم، ولهذا قال: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ -[٦٩٦]-[أي: دائما تجري لمستقر لها] قدره الله لها، لا تتعداه، ولا تقصر عنه، وليس لها تصرف في نفسها، ولا استعصاء على قدرة الله تعالى. ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ﴾ الذي بعزته دبر هذه المخلوقات العظيمة، بأكمل تدبير، وأحسن نظام. ﴿الْعَلِيم﴾ الذي بعلمه، جعلها مصالح لعباده، ومنافع في دينهم ودنياهم.
﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ ينزل بها، كل ليلة ينزل منها واحدة، ﴿حَتَّى﴾ يصغر جدا، فيعود ﴿كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ أي: عرجون النخلة، الذي من قدمه نش وصغر حجمه وانحنى، ثم بعد ذلك، ما زال يزيد شيئا فشيئا، حتى يتم [نوره] ويتسق ضياؤه.
﴿وَكُلٌّ﴾ من الشمس والقمر، والليل والنهار، قدره [الله] تقديرا لا يتعداه، وكل له سلطان ووقت، إذا وجد عدم الآخر، ولهذا قال: ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ أي: في سلطانه الذي هو الليل، فلا يمكن أن توجد الشمس في الليل، ﴿وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ فيدخل عليه قبل انقضاء سلطانه، ﴿وَكُلٌّ﴾ من الشمس والقمر والنجوم ﴿فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ أي: يترددون على الدوام، فكل هذا دليل ظاهر، وبرهان باهر، على عظمة الخالق، وعظمة أوصافه، خصوصا وصف القدرة والحكمة والعلم في هذا الموضع.