آيات من القرآن الكريم

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا
ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ

أبدا.. وفائدة هذا الكلام توجيه الأنظار لهم، ولفت العقول إلى باطلهم لعلكم تتفكرون! بل ما يعد الظالمون من رؤسائهم وقادتهم وشياطينهم ما يعد الظالمون غيرهم من أتباعهم، فهم ظالمون أيضا لأنفسهم، ما يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا بقولهم:
لا بعث ولا حساب، وإن كان فالآلهة تشفع لنا وسترد عنكم العذاب، ونحن سادة في الدنيا فسنكون كذلك في الآخرة، أليس هذا كله غرورا في غرور؟
وكيف يكون شيء من هذا؟ ولله الأمر وحده من قبل ومن بعد، وهو الذي رفع السماء وبسط الأرض، ويمنعها من السقوط والزوال إلى الأبد، ولئن حكم عليها بالزوال فما أحد من الموجودين بقادر على إمساكهما ومنعهما من الزوال، إنه كان حليما بخلقه غفورا لسيئاتهم.
فانظروا أيها المشركون أين أنتم؟
حقيقة هؤلاء المشركين [سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٤٢ الى ٤٥]
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (٤٣) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥)

صفحة رقم 170

المفردات:
جَهْدَ أَيْمانِهِمْ: طاقتها وغايتها نُفُوراً: إعراضا وتباعدا عن الهدى يَحِيقُ: يحيط يَنْظُرُونَ: ينتظرون لِيُعْجِزَهُ: ليسبقه ويفوته.
بلغ قريشا قبل مبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم، فقالوا: لعن الله اليهود والنصارى أتتهم رسلهم فكذبوهم، فو الله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم، فلما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذبوه.
المعنى:
وأقسموا بالله جاهدين بالغين طاقة جهدهم، وغاية أيمانهم، وذلك لأنهم كانوا يحلفون بآبائهم وأصنامهم، فإذا اشتد عليهم الحال، وأرادوا تحقيق الحق حلفوا وأقسموا بالله جهد أيمانهم وطاقتها، لئن جاءهم نذير من أنفسهم، ونبي من العرب- وكانوا يتمنون ذلك لأن الأنبياء كانت من بنى إسرائيل- ليكونن أهدى من كل الأمم، وليؤمننّ به مسرعين.
فلما جاءهم نذير من العرب، ورسول من أشرف قبائلهم ما زادهم النذير إلا نفورا وإعراضا عن الحق الذي جاء، حالة كونهم مستكبرين في الأرض وحاسدين وباغين، وماكرين مكر السوء على الضعاف والأتباع وحرصا على دنيا كاذبة، وعرض زائل ولا يحيق المكر السيّئ إلا بأهله، وقد وقعوا في شر أعمالهم، وباءوا بالخسران المبين في الدنيا والآخرة.

صفحة رقم 171

فهل ينتظرون بأعمالهم إلا سنة الأولين، وسنة الله فيهم العذاب لتكذيب رسلهم بعد سوق الآيات الناطقة بصدقهم، فكفار مكة لا ينتظرون بعد تكذيبهم النبي إلا العذاب كما نزل بمن سبقهم من الكفار، وتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولا تحويلا.
أقعدوا ولم يسيروا في الأرض فينظروا حين ينتقلون إلى الشام والعراق واليمن كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ممن كذب رسله واتبع نفسه وهواه؟ وقد كانوا أشد منهم قوة، وأكثر أموالا وأولادا، فما أغنت عنهم في شيء، وما كان الله ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، وكيف يعجزه أحد، وهو الخالق البارئ العالم المحيط بكل شيء. وانظر إلى تذييل الآية وختامها بقوله: إنه عليم قدير.
وبعد هذا يبين الله أنه الرحمن الرحيم بخلقه وهو الغفور الستار بعباده، ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا من المعاصي ما ترك على ظهر الأرض من دابة انتقاما وجزاء لما يصنعون، ولكن اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة الربانية أن يؤخرهم إلى أجل مسمى عنده هو أعلم به، إكراما للنبي صلّى الله عليه وسلّم وتشريفا له ولأمته، ولعلهم يتوبون، ويثوبون إلى رشدهم، فإذا جاء أجلهم لا ستأخرون ساعة ولا يستقدمون بل سيفارقون الدنيا، ويحاسبون على أعمالهم إن كانت خيرا فخير، وإن كانت شرا فجزاؤهم شر، ولا غرابة فإن الله كان بعباده خبيرا بصيرا. فبادروا أيها الناس بالتوبة والرجوع إلى الله وأسرعوا فأنتم لا تدرون انتهاء الأجل، فربّ ليلة نبيتها لا نصبح معها، بل ربّ نفس خرج لا يعود، ولا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم، وهو بالعباد خبير بصير.

صفحة رقم 172
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية