آيات من القرآن الكريم

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

والثاني: أنه الذي مات على كبيرة ولم يَتُب منها، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثالث: أنه الكافر، رواه عمرو بن دينار عن ابن عباس.
(١١٩٢) وقد رواه ابن عمر مرفوعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم. فعلى هذا يكون الاصطفاء لجملة من أُنزل عليه الكتاب، كما قال: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ «١» أي: لَشَرف لكم، وكم من مُكْرَم لم يَقبل الكرامة! والرابع: أنه المنافق، حكي عن الحسن. وقد روي عن الحسن أنه قال: الظالم: الذي ترجح سيئاته على حسناته، والمقتصد: الذي قد استوت حسناته وسيِّئاته، والسابق: من رَجَحت حسناتُه.
وروي عن عثمان بن عفان أنه تلا هذه الآية، فقال: سابقُنا أهل جهادنا، ومقتصدِنا أهل حَضَرنا، وظالمُنا أهل بدونا.
قوله تعالى: وَمِنْهُمْ سابِقٌ وقرأ أبو المتوكل والجحدري وابن السميفع: «سَبَّاقٌ» مثل: فَعَّال بِالْخَيْراتِ أي: بالأعمال الصالحة إِلى الجنة، أو إِلى الرَّحمة بِإِذْنِ اللَّهِ أي: بارادته وأمره ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ يعني إِيراثهم الكتاب.
ثم أخبر بثوابهم، فجمعهم في دخول الجنة فقال: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها قرأ أبو عمرو وحده:
«يُدْخَلُونَها» بضم الياء وفتحها الباقون، وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: وَلُؤْلُؤاً بالنصب. وروى أبو بكر عن عاصم أنه كان يهمز الواو الثانية ولا يهمز الأولى وفي رواية أخرى أنه كان يهمز الأولى ولا يهمز الثانية. والآية مفسرة في سورة الحج «٢». قال كعب: تحاكت مناكبُهم وربِّ الكعبة، ثم أُعطوا الفضل بأعمالهم.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣٤ الى ٣٩]
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨)
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩)
ثم أخبر عمَّا يقولون عند دخولها، وهو قوله تعالى: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ الحَزَن والحُزْن واحد، كالبَخَل والبُخْل. وفي المراد بهذا الحزن خمسة أقوال «٣» : أحدها: أنه الحزن

باطل، أخرجه ابن مردويه كما في «الدر» ٥/ ٤٧٤ عن عمر مرفوعا، وتفرد ابن مردويه به دليل وهنه، ويخالفه ما تقدم من أحاديث، فهو متن باطل.
__________
(١) الزخرف: ٤٤.
(٢) الحج: ٢٣. [.....]
(٣) قال الطبري في «تفسيره» ١٠/ ٤١٦: وأولى الأقوال عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين أكرمهم بما أكرمهم به أنهم قالوا حين دخلوا الجنة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ وخوف دخول النار من الحزن، والجزع من الموت من الحزن، والجزع من الحاجة إلى المطعم من الحزن ولم يخصص الله إذ أخبر عنهم أنهم حمدوه على إذهابه الحزن عنهم نوعا دون نوع.

صفحة رقم 512

لطول المقام في المحشر.
(١١٩٣) روى أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «أمَّا السابق، فيدخل الجنة بغير حساب، وأما المقتصِد، فيحاسَب حساباً يسيراً، وأما الظَّالم لنفسه، فانه حزين في ذلك المقام»، فهو الحزن والغم، وذلك قوله تعالى: «الحمد لله الذي أذهب عنّا الحَزَن».
(١١٩٤) والثاني: أنه الجوع، رواه أبو الدرداء أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا يصح، وبه قال شمر بن عطية. وفي لفظ عن شمر أنه قال: الحزن: هَمُّ الخُبز، وكذلك روي عن سعيد بن جبير أنه قال: الحزن: هَمُّ الخُبز في الدنيا.
والثالث: أنه حزن النار، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس. والرابع: حزنهم في الدنيا على ذُنوب سلفت منهم، رواه عكرمة عن ابن عباس. والخامس: حزن الموت، قاله عطية.
والآية عامَّة في هذه الأقوال وغيرها، ومن القبيح تخصيص هذا الحزن بالخبز وما يشبهه، وإِنما حزنوا على ذُنوبهم وما يوجبه الخوف.
قوله تعالى: الَّذِي أَحَلَّنا أي: أنزلنا دارَ الْمُقامَةِ قال الفراء: المُقامة هي الإِقامة، والمَقامة:
المجلس، بالفتح لا غير، قال الشاعر:

يَوْمَانِ يَوْمُ مَقامَاتٍ وأنْدِيَةٍ وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلى الأعْدَاءِ تأْوِيبِ «١»
قوله تعالى: مِنْ فَضْلِهِ قال الزجاج: أي: بتفضُّله، لا بأعمالنا. والنَّصَبُ: التَّعَب.
واللُّغوب: الإِعياء من التَّعب. ومعنى لُغُوبٌ: شيء يُلْغِب أي: لا نتكلّف شيئاً نُعَنّى منه.
قوله تعالى: لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا أي: لا يهلكون فيستريحوا ممَّا هُمْ فيه، ومثله: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ «٢». قوله تعالى: كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وقرأ أبو عمرو: «يجزى» بالياء «كلّ»
أخرجه أحمد ٥/ ١٩٤ و ٦/ ٤٤٤ من طريق وكيع عن سفيان به. وأخرجه الحاكم ٢/ ٤٢٦ ومن طريقه البيهقي في «البعث» ٦٢ من طريق جرير عن الأعمش به. وأخرجه أحمد ٥/ ١٩٨ من طريق أنس بن عياض الليثي عن موسى بن عقبة عن علي بن عبد الله الأزدي عن أبي الدرداء به. وقال الهيثمي في «المجمع» ٧/ ٩٥- (١٢٢٩٠) : رواه الطبراني، وأحمد باختصار إلا أنه قال عن ثابت أو أبي ثابت... وثابت بن عبيد ومن قبله من رجال الصحيح، وفي إسناد الطبراني رجل غير مسمى. وقد فصّل الحاكم في اختلاف طرق هذا الحديث، وقال: إذا كثرت الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلا. وللحديث شواهد منها الضعيف، وانظر «فتح القدير» ٢٠٦٦ و ٢٠٦٧.
حديث حسن أو شبه حسن بطرقه وشواهده دون لفظ «فإنه حزين » فهذا ضعيف، ليس له شواهد.
لم أره مسندا، وأمارة الوضع لائحة عليه، فإنه من بدع التأويل، واكتفى المصنف رحمه الله بقوله: لا يصح.
وورد من كلام شمر بن عطية أحد علماء التفسير، أخرجه ابن أبي حاتم كما في «الدر» ٤/ ٤٧٦.
- والصحيح عموم الآية في كل ما يحزن الإنسان من مصائب وهموم ونصب، وهو الذي اختاره المصنف.
__________
(١) البيت لسلامة بن جندل كما في «اللسان» - أوب-.
(٢) القصص: ٥١.

صفحة رقم 513
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية