آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ

استبعاد الكفار قيام الساعة واستهزاؤهم بالرسول صلّى الله عليه وسلّم والاستدلال على البعث
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٧ الى ٩]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)
الإعراب:
إِذا مُزِّقْتُمْ العامل في إِذا فعل دلّ عليه قوله تعالى: إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ وتقديره: إذا مزّقتم كلّ ممزّق بعثتم. وتقديم الظرف للدلالة على البعد.
البلاغة:
هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ الاستفهام للسخرية والاستهزاء، ومرادهم الاستهزاء بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولم يذكروا اسمه تجهيلا له.
المفردات اللغوية:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: قال بعض الكفار لبعض على جهة التعجيب هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يعنون محمدا صلّى الله عليه وسلّم. يُنَبِّئُكُمْ يخبركم أنكم إِذا مُزِّقْتُمْ قطّعتم قطعا صغيرة. كُلَّ مُمَزَّقٍ أي كل تمزيق، أي تقطيع. إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي إنكم تنشؤون وتخلقون خلقا جديدا بعد التمزيق والتفريق بحيث تصير ترابا. قالوا ذلك استهزاء.
أَفْتَرى الهمزة للاستفهام، واستغني بها عن همزة الوصل، والافتراء: اختلاق الكذب.

صفحة رقم 143

جِنَّةٌ جنون وزوال عقل يوهمه ذلك ويجعله يتخيل البعث. بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ المشتملة على البعث والعذاب فيها فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ عن الحق والصواب في الدنيا، والعذاب في الآخرة. والمقصود الردّ من الله عليهم لإثبات ما هو أفظع من القسمين وهو الضلال والعذاب.
أَفَلَمْ يَرَوْا ينظروا. إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ما فوقهم وما تحتهم. نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ نغيبهم فيها. كِسَفاً قطعا جمع كسفة. إِنَّ فِي ذلِكَ المرئي. لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ المنيب: الراجع إلى ربه المطيع له، والمعنى: إن فيما رأوا لدلالة على قدرة الله على البعث وما يشاء.
المناسبة:
بعد الإخبار عن إنكار الكفرة الساعة، والرّد عليهم، وبيان جزائهم وجزاء المؤمنين بها، ذكر الله تعالى مقال الكافرين في شأن الساعة على سبيل التعجب والتهكم والاستهزاء، ووصفهم لمحمد صلّى الله عليه وسلّم بأنه مفتر أو مجنون، ثم أقام الدليل على البعث بقدرته على خلق السموات والأرض، ثم هددهم بالعذاب الشديد، لعلهم يرجعون عن كفرهم.
التفسير والبيان:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ، إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي قال بعض الكفار لبعض على سبيل التعجب والاستهزاء والتهكم: هل ندلكم على شخص اسمه محمد يخبركم بنبإ غريب وهو أنكم إذا بليتم وصرتم ترابا وصارت أجسادكم في الأرض متفرقة موزعة قطعا قطعا، تعودون بعدئذ أحياء كما كنتم مرة أخرى.
ونظير الآية: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا، وَنَسِيَ خَلْقَهُ، قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس ٣٦/ ٧٨].

صفحة رقم 144

أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أي إن حاله لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون قد تعمّد الافتراء على الله كذبا أنه قد أوحى إليه ذلك، أي أنه كاذب فيما قاله، أو أن به جنونا جعله لا يعقل ما يقول، ويتوهم البعث ويتخيله.
فردّ الله عليهم بإثبات ما هو أخطر وأشنع من الأمرين فقال:
بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ أي ليس الأمر كما زعموا، ولا كما ذهبوا إليه، بل إن محمدا صلّى الله عليه وسلّم هو الصادق الرشيد الذي جاء بالحق، وهم الكذبة الجهلة الأغبياء المنكرون للآخرة، الذين كفروا، فصاروا بسبب ذلك في العذاب الدائم في الآخرة، وهم اليوم في الدنيا في الضلال البعيد عن الحق غاية البعد.
ثم نبههم تعالى على قدرته في خلق السموات والأرض، فهو القادر على البعث، فقال:
أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ، أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ أي وبخهم لعدم التفكر والتدبر في خلق السماء والأرض، فقال لهم: أفلم ينظروا خلفهم وأمامهم إلى العجائب الدالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته، فإنهم يرون السماء ناطقة بوجود القادر، والأرض كذلك تنطق بمثل ما تشير به السماء من الدلالة، فلو نظروا إليهما لعلموا أن خالقهما قادر على تعجيل العذاب لهم، فإن نرد نخسف بهم الأرض، كما خسفنا بقارون، أو نسقط عليهم قطعا من السماء، كما أسقطنا على أصحاب الأيكة.
والمراد: لو شئنا لفعلنا بهم ذلك بظلمهم وقدرتنا عليهم، ولكن نؤخر العقاب عنهم لحلمنا وعفونا.

صفحة رقم 145

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أي إن في النظر إلى خلق السموات والأرض لدلالة لكل عبد فطن لبيب رجّاع إلى الله، على قدرة الله تعالى على بعث الأجساد ووقوع المعاد لأن من قدر على خلق هذه السموات في ارتفاعها واتساعها، وهذه الأرض في انخفاضها وطولها وعرضها، قادر على إعادة الأجسام كما كانت، كما قال تعالى: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [غافر ٤٠/ ٥٧]، وقال سبحانه: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ بَلى [يس ٣٦/ ٨١].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يلي:
١- لم يكتف المشركون بإعلان إنكارهم البعث والقيامة، وإنما تغالوا في ذلك فأخذوا يقولون قولا يقصد به الطعن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والتعجب منه والهزء والسخرية من إخباره بالبعث، وجعلوا ذلك أداة ضحك وتلهي، واستغربوا أن الناس إذا فرقوا كل تفريق في أجزاء التراب، كيف يمكن إعادة الحياة لهم؟! ٢- وقال المشركون: إن محمدا في إخباره بالبعث لا يخلو إما أن يكون كاذبا مفتريا على الله، وإما أنه مجنون.
٣- ردّ الله عليهم ردّا يثبت عليهم ما هو أشنع من التهمتين السابقتين: وهو أنهم بسبب إنكارهم البعث واقعون في الآخرة في العذاب الشديد، واليوم في الضلال البعيد عن الصواب، حين صاروا إلى تعجيز الإله، ونسبة الافتراء إلى من أيّده الله بالمعجزات.
٤- ثم أقام الله تعالى عليهم الدليل على صحة البعث، فأعلمهم أن الذي قدر على خلق السموات والأرض وما فيهن قادر على البعث، وعلى تعجيل العقوبة لهم، ومنها الخسف والكسف، كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة.

صفحة رقم 146
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية