آيات من القرآن الكريم

فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ

عليه، ومأجور ببنيانه، كحفظ بنيته، وستر عورته.
قال صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه الترمذي والحاكم عن عثمان: «ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء»
أي الوعاء.
٧- دل قوله تعالى: وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ على أن نعيم الآخرة لا ينافي نعمة الدنيا، بل الصالحون قد يحصل لهم في الدنيا النعم، مع القطع بحصول النعيم لهم في العقبى، بناء على وعد الله تعالى.
وخيرية الرزق في أمور ذكرها الرازي: أحدها- ألا يؤخر عن وقت الحاجة، والثاني- ألا ينقص عن قدر الحاجة، والثالث- ألا ينكده بالحساب، والرابع- ألا يكدره بطلب الثواب «١».
تقريع الكفار يوم القيامة أمام معبوداتهم
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٤٠ الى ٤٢]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢)
البلاغة:
أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ تقريع وتوبيخ للمشركين، والخطاب للملائكة.
نَفْعاً وضَرًّا بينهما طباق.

(١) تفسير الرازي: ٢٥/ ٢٦٣

صفحة رقم 200

المفردات اللغوية:
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ أي يحشر للحساب العابد والمعبود، والمستكبر والمستضعف، وقرئ:
نحشرهم أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ هذا تقريع للمشركين، وتوبيخ لكل من عبد غير الله عز وجل، وإقناط لهم عما يتوقعون من شفاعتهم. والخطاب للملائكة لأنهم أشرف شركائهم، والصالحون للخطاب منهم.
قالُوا أي الملائكة سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ أي تنزيها لك عن الشريك، أنت الذي نتولاه ونطيعه ونعبده من دونهم، ولا موالاة بيننا وبينهم، وما كنا معبودين لهم على الحقيقة بَلْ للإضراب والانتقال كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ الشياطين، وهم إبليس وجنوده، فإنهم كانوا يطيعونهم في عبادتهم إيانا أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ أي أكثر المشركين مصدقون بالجن فيما يلقونه إليهم من الوساوس والأكاذيب، ومنها أمرهم بعبادة الأصنام، فالضمير الأول للمشركين والثاني للجن.
قال تعالى: فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا أي لا يملك المعبودون للعابدين شفاعة ونجاة، ولا عذابا وهلاكا لأن الأمر يوم القيامة كله لله، والدار دار جزاء، والله هو المجازي وحده وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم وكفروا بعبادة غير الله تُكَذِّبُونَ في الدنيا.
المناسبة:
لما بيّن الله تعالى أن حال النبي صلّى الله عليه وسلّم كحال من تقدمه من الأنبياء، وحال قومه كحال من تقدم من الكفار، وبيّن لهم خطأ اعتمادهم على كثرة الأموال والأولاد، بيّن ما يكون من حالهم يوم القيامة من التقريع والتوبيخ، بسؤال الملائكة: أهم كانوا يعبدونكم؟ إهانة لهم. ثم بيّن أنهم كانوا ينقادون لأمر الجن، وأن ما كانوا يعبدونه لا ينفعهم.
التفسير والبيان:
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ؟
أي ويوم يحشر الله تعالى العابدين والمعبودين، والمستكبرين والمستضعفين جميعا، ثم يسأل الملائكة الذين كان المشركون يزعمون أنهم يعبدون الأنداد التي هي على صورهم، ليقربوهم إلى الله زلفى: أأنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم؟ وهذا السؤال يراد

صفحة رقم 201

به تقريع المشركين يوم القيامة أمام الخلائق، على طريقة: إياك أعني واسمعي يا جارة.
وهذا شبيه بقوله تعالى: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ [الفرقان ٢٥/ ١٧] وشبيه بسؤال عيسى عليه السلام: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ: اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قالَ: سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ [المائدة ٥/ ١١٦]. والله يعلم أن الملائكة وعيسى أبرياء من هذه التهمة، وإنما السؤال والجواب للتقريع والتوبيخ والتعيير.
قالُوا: سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ، بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ أي قالت الملائكة: تنزيها لك يا رب عن الشريك، نحن عبيدك، ونبرأ إليك من هؤلاء، وأنت الذي نتولاه ونطيعه ونعبده من دونهم، ما اتخذناهم عابدين، ولا موالاة بيننا وبينهم، بل إنهم كانوا يعبدون الشياطين وهم إبليس وجنوده، فهم الذين زينوا لهم عبادة الأوثان وأضلوهم، وأكثر المشركين مصدقون الجن فيما يلقونه إليهم من الوساوس والأكاذيب، ومنها أمرهم بعبادة الأصنام، كما قالت تبارك وتعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً، وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً، لَعَنَهُ اللَّهُ [النساء ٤/ ١١٧- ١١٨].
ثم أعلن الله تعالى إفلاسهم وتبدد آمالهم بشفاعة الآلهة المزعومة، زيادة في إيلامهم وحسرتهم، فقال:
فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا أي في يوم القيامة هذا لن يتحقق لكم نفع ممن كنتم ترجون نفعه من الأوثان والأنداد التي ادخرتم عبادتها لشدائدكم وكربكم، ولن تكون لكم شفاعة وقدرة على النجاة، كما لن يكون بيدكم العذاب والهلاك، وإنما المجازي هو الله وحده.
وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا: ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ أي

صفحة رقم 202

ونقول للذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله وهم المشركون تأنيبا وتوبيخا: ذوقوا عذاب جهنم الذي كنتم تكذبون بوقوعه في الدنيا، فأنتم الآن في أعماق النار.
وهذا تأكيد لبيان حالهم في الظلم وعقابهم على الإثم.
فقه الحياة أو الأحكام:
تدل الآيات على ما يأتي:
١- الحشر والحساب حق، والله يحشر جميع الخلائق، لكن يكون للكفار حشر وموقف خاص، فالله تعالى يحشر العابدين والمعبودين أي يجمعهم للحساب مع بعضهم، ثم يسأل الملائكة الذين يزعمون أنهم يعبدون الأنداد التي هي على صورهم، فيقول تقريعا وتوبيخا للكفار على عبادتهم غير الله: أهؤلاء كانوا يعبدونكم؟
٢- يتبرأ الملائكة من هذه التهمة قائلين: سبحانك، أي تنزيها لك يا رب عن الشريك، أنت ربنا الذي نتولاه ونطيعه ونعبده ونخلص في العبادة له، وإنما يعبد هؤلاء الشياطين ويطيعونهم، لأنهم زينوا لهم عبادة الأوثان وأضلوهم.
وجاء في التفاسير: أن بني مليح من خزاعة كانوا يعبدون الجن، ويزعمون أن الجن تتراءى لهم، وأنهم ملائكة، وأنهم بنات الله. وهو قوله: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات ٣٧/ ١٥٨].
٣- أيأس الله تعالى الكفار من شفاعة أحد من آلهتهم المزعومة، وأخبر بأنه في يوم القيامة لا يملك المعبودون للعابدين شفاعة ونجاة، ولا عذابا وهلاكا، وإنما المالك المجازي وحده هو الله تعالى.
٤- يعاين الكفار جهنم، ويقذفون فيها، فيقال لهم تقريعا وتوبيخا:

صفحة رقم 203
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية