آيات من القرآن الكريم

وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ

مقاتل: أغنياؤها وجبابرتها (١). وقال أبو إسحاق: أو (٢) الترفه وهم رؤساؤها (٣). ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ وهو التوحيد ﴿كَافِرُونَ﴾.
٣٥ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا﴾ قال ابن عباس: يعني مشركي [مكة] (٤)، افتخروا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى المؤمنين بأموالهم وأولادهم، وظنوا أن الله تعالى إنما خولهم بالمال والولد الكرامة لهم عنده فقالوا: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ أي: أن الله قد أحسن إلينا بالمال والولد فلا يعذبنا، فقال ابن عباس (٥): أنكروا البعث والقيامة، فقال الله تعالى لنبيه:
٣٦ - ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ يعني: أن بسط الرزق وتضييقه من الله تعالى يفعله ابتلاء وامتحانًا، وليس شيء منه يدل على ما في العواقب، فلا البسط يدل على رضا الله، ولا التضييق يدل على سخطه.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يعني: أهل مكة. ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك حيث ظنوا أن أموالهم وأولادهم دليل على كرامة لهم عند الله.
٣٧ - ثم صرح بهذا المعنى فقال: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ﴾ قال الفراء: (جعل التي جامعة للأموال والأولاد؛ لأن الأولاد يقع عليها التي وكذلك الأموال، فصلح أن يقع عليهما جميعًا التي، ولو قيل بالتي أو بالذين جاز، كما تقول: أما العسكر والإبل فقد أقبلا، ولو قيل: بالذين،

(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ أ.
(٢) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: أولوا، كما في "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج.
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٥
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٥) لم أقف عليه. وانظر: "تفسير القرطبي" ١٤/ ٣٠٥، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٥٢.

صفحة رقم 371

يذهب إلى تذكير الأولاد وتغليب بني آدم لجاز، ولو قال: لو وجهت التي إلى الأموال واكتفيت بها من ذكر الأولاد لصلح، كما قال الأسدي (١):

نحن بما عندك وأنت بما عندك راض والرأي مختلف (٢) (٣)
واختار أبو (٤) إسحاق هذا القول فقال: (المعنى: وما أموالكم بالتي تقربكم، ولا أولادكم بالذين يقربونكم، ولكنه حذف اختصارًا وإيجازًا) (٥).
قوله تعالى: ﴿تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى﴾ قال ابن عباس: يريد قربي (٦).
(١) هو: أبو حسان المراد بن سعيد بن حبيب الفقعسي، نسبته إلى فقعس من بني أسد ابن خزيمة، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، كثير الشعر، وكان مفرط القصر ضئيلا.
انظر: "الشعر والشعراء" ص ٤٤٠، "معجم الشعراء" ص ٤٠٨.
والبيت من المنسرح، وهو من الأبيات المختلف في نسبتها، فقد نسبها المؤلف -رحمه الله- للأسدي، ينما نسبه سيبويه في "الكتاب" ١/ ٧٥ لقيس بن الخطيم، وأورده ابن هشام في "مغني اللبيب" ٢/ ٦٢٢ غير منسوب لأحد، وكذا في "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري ص ٦٧٧، وفي "المقتضب" ٣/ ١١٢، ٤/ ٧٣. وقال الاْستاذ: محمد عبد الخالق عظيمة محقق كتاب "المعتصب" ٤/ ٧٣: والبيت نسبه إلى قيس بن الخطيم سيبويه، وكذلك فعل الأعلم وصاحب "معاهد التصيص" ١/ ١٨٩. و"صحح البغدادي في الخزانة" ٢/ ١٨٩ نسبة الشعر إلى عمرو بن امرئ القيس. والقصيدة التي فيها هذا الشاهد في ديوان قيس بن الخطيم، طبع بغداد، ص ٨١. أهـ.
(٢) في (ب): (يختلف).
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٣.
(٤) في (ب): (ابن)، وهو تصحيف.
(٥) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٥
(٦) لم أقف عليه عن ابن عباس. وقد نسبه إلى مجاهد: "الطبري" ٢٢/ ١٠٠، "الماودي"، ٤/ ٤٥٣، الطبرسي في "مجمع البيان" ٨/ ٦١٥.

صفحة رقم 372

وقال مقاتل: يعني قربة (١).
قال الأخفش: زلفى هاهنا اسم المصدر، كأنه أراد بالتي تقربكم عند تقربنا (٢).
وذكرنا معنى الإزلاف عند قوله: ﴿وَأَزْلَفْنَا﴾ (٣) ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الشعراء: ٩٠]، وقوله ﴿إِلَّا مَنْ آمَنَ﴾ (٤) قال الفراء: إن شئت أوقعت التقريب على من، أي: لا تقرب الأموال إلا من كان مطيعًا (٥). ونحو هذا قال الزجاج، قال: موضع من نصب بالاستثناء على البدل من الكاف والميم، على معنى: ما تقرب الأموال إلا من آمن وعمل بها في طاعة (٦).
وعلى هذا يجب أن يكون الخطاب في قوله: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ﴾ للمؤمنين والكافرين. والوجه أن يكون قوله: إلا من، استثناء منقطعًا، على تقدير: لكن من آمن وعمل صالحًا. وعلى هذا يدل تفسير ابن عباس، [فإنه] (٧) قال في قوله: إلا من آمن وعمل صالحًا [يريد] أن عمله

(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ أ.
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٤٤٥، وعبارة الأخفش: بالتي تقربكم عندنا إزلافًا.
(٣) سورة الشعراء: الآية ٦٤. وموضعها بياض في (ب). وقال في هذا الموضع من "البسيط": وقال أبو عبيدة: أزلفنا جمعنا، قال: ومن ذلك سميت مزدلفة جمعا. ثم قال: والزلف الفازل والمراقي؛ لأنها تدني المسافر والراقي إلى حيث يقصده، ومنه قوله: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
(٤) موضع (إلا) بياض في (ب).
(٥) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٣.
(٦) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٥.
(٧) ما بين المعقوفين بياض في (ب).

صفحة رقم 373

وإيمانه يقر [بأنه] مني (١). ولم يفسر بان أمواله وأولاده تقربه حتى يكون مستثنى من الخطاب الأول.
وقوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا﴾ قال ابن عباس: يريد يضعف الله لهم حسناتهم (٢).
وقال مقاتل: يجزي بالحسنة الواحدة عشرًا فصاعدًا (٣) وقال أبو إسحاق: (جزاء الضعف هاهنا عشر حسنات، تأويله: فأولئك لهم جزاء الضعف الذي قد أعلمناكم مقداره، وهو من قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠]) (٤).
وقال ابن قتيبة: لم يرد أنهم يجازون على الواحدة بواحدة مثله ولا [اثنين] (٥)، كيف هذا والله يقول: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠] ولكنه أراد لهم جزاء الضعف، أي: التضعيف، وجزاء التضعيف الزيادة، أي: لهم جزاء الزيادة. قال: ويجوز أن يجعل الضعف في معنى الجميع (٦)، أي: جزاء الأضعاف، ونحوه ﴿عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ﴾ [ص: ٦١]) (٧). وقد مر تفسير الضعف عند قوله: ﴿عَذَابًا ضِعْفًا﴾ (٨)، وتأويل

(١) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٣٢.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠/ أ.
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٥.
(٥) ما بين المعقوفين غير واضح في جميع النسخ، والتصحيح من تفسير غريب القرآن لابن قتيبة.
(٦) في (ب): (الجمع).
(٧) "تفسير غريب القرآن" ص ٣٥٧ - ٣٥٨.
(٨) سورة الأعراف: الآية ٣٨.

صفحة رقم 374

قوله: ﴿جَزَاءُ الضِّعْفِ﴾ وهو أن يجازي بالواحد (١) عشر إلى ما زاد، فمعنى إضافة الجزاء إلى الضعف وهو الجزاء، كإضافة الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظ، ويضمر المضاف إليه زيادة معنى نحو: حق اليقين، وصلاة الأولى. ﴿بِمَا عَمِلُوا﴾ أي: من الخير في الدنيا.
﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ يعني: غرف الجنة آمنون من الموت. قاله مقاتل (٢).
وقال ابن عباس: يريد غرفا من ياقوت ودر وزبرجد آمنون من الموت والعذاب (٣).
(وقرأ حمزة: في الغرفة، على واحدة؛ لقوله: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا﴾ [الفرقان: ٧٥]. فكما أن الغرفة، يراد بها الكثرة والجمع، كذلك قوله ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ يراد بها الكثرة واسم الجنس، وحجة الجمع قوله: ﴿لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ﴾ [الزمر: ٢٠]، وقوله: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا﴾ [العنكبوت: ٥٨]. وكما أن غرفا جمع كذلك الغرفات ينبغي أن تجمع، والجمع بالألف والتاء قد تكون للكثرة كقوله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥]، وقول آخر:
لنا الجفنات الغر (٤)

(١) في (ب): (بالواحدة).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ أ.
(٣) انظر: "القرطبي" ١٤/ ٣٠٦.
(٤) جزء من بيت، وتمامه:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
والبيت من الطويل، وهو لحسان بن ثابت في "ديوانه" ص ١٣١، "الكتاب" =

صفحة رقم 375
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية