
فَإِنَّ الْعِلْمَ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ يَظْهَرُ بِهَا كُلُّ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَعَلِمَ اللَّهُ فِي الْأَزَلِ أَنَّ الْعَالَمَ سَيُوجَدُ، فَإِذَا وُجِدَ عَلِمَهُ مَوْجُودًا بِذَلِكَ الْعِلْمِ، وَإِذَا عُدِمَ يَعْلَمُهُ مَعْدُومًا بِذَلِكَ، مِثَالُهُ: أَنَّ الْمِرْآةَ الْمَصْقُولَةَ فِيهَا الصَّفَاءُ/ فَيَظْهَرُ فِيهَا صُورَةُ زَيْدٍ إِنْ قَابَلَهَا، ثُمَّ إِذَا قَابَلَهَا عَمْرٌو يَظْهَرُ فِيهَا صُورَتُهُ، وَالْمِرْآةُ لَمْ تَتَغَيَّرْ فِي ذَاتِهَا وَلَا تَبَدَّلَتْ فِي صفاتها، إنما التغير في الخارجات فكذلك هاهنا قَوْلُهُ: إِلَّا لِنَعْلَمَ أَيْ لِيَقَعَ فِي الْعِلْمِ صُدُورُ الْكُفْرِ مِنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَكَانَ قَبْلَهُ فِيهِ أَنَّهُ سَيَكْفُرُ زَيْدٌ وَيُؤْمِنُ عَمْرٌو.
وَقَوْلُهُ: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَإِنَّمَا هُوَ آيَةٌ، وَعَلَامَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ لِتَبْيِينِ مَا هُوَ فِي عِلْمِهِ السَّابِقِ، وَقَوْلُهُ: وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَيِ اللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى مَنْعِ إِبْلِيسَ عَنْهُمْ عَالِمٌ بِمَا سَيَقَعُ، فَالْحِفْظُ يَدْخُلُ فِي مَفْهُومِهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ، إِذِ الْجَاهِلُ بِالشَّيْءِ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ ولا العاجز. ثم قال تعالى:
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)
لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَ الشَّاكِرِينَ وَحَالَ الْكَافِرِينَ وَذَكَّرَهُمْ بِمَنْ مَضَى عَادَ إِلَى خِطَابِهِمْ وَقَالَ لرسوله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِيَكْشِفُوا عَنْكُمُ الضُّرَّ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا بِقَوْلِهِ: لَا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذَاهِبَ الْمُفْضِيَةَ إِلَى الشِّرْكِ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاءَ وَالسَّمَاوِيَّاتِ وَجَعَلَ الْأَرْضَ وَالْأَرْضِيَّاتِ فِي حُكْمِهِمْ، وَنَحْنُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِيَّاتِ فَنَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ وَالْمَلَائِكَةَ الَّتِي فِي السَّمَاءِ فَهُمْ آلِهَتُنَا وَاللَّهُ إِلَهُهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إبطال قولهم: إنهم لا يملكون في السموات شَيْئًا كَمَا اعْتَرَفْتُمْ، قَالَ وَلَا فِي الْأَرْضِ عَلَى خِلَافِ مَا زَعَمْتُمْ وَثَانِيهَا: قَوْلُ مَنْ يقول السموات مِنَ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِبْدَادِ وَالْأَرْضِيَّاتُ مِنْهُ وَلَكِنْ بِوَاسِطَةِ الْكَوَاكِبِ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَنَاصِرَ وَالتَّرْكِيبَاتِ الَّتِي فِيهَا بِالِاتِّصَالَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَالطَّوَالِعِ فَجَعَلُوا لِغَيْرِ اللَّهِ مَعَهُ شِرْكًا فِي الْأَرْضِ وَالْأَوَّلُونَ جَعَلُوا الْأَرْضَ لِغَيْرِهِ وَالسَّمَاءَ لَهُ، فَقَالَ فِي إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ: وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ أَيِ الْأَرْضُ كَالسَّمَاءِ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ فِيهَا نَصِيبٌ وَثَالِثُهَا: قَوْلُ مَنْ قَالَ: التَّرْكِيبَاتُ وَالْحَوَادِثُ كُلُّهَا مِنَ/ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ فَوَّضَ ذَلِكَ إِلَى الْكَوَاكِبِ، وَفِعْلُ الْمَأْذُونِ يُنْسَبُ إِلَى الْآذِنِ وَيُسْلَبُ عَنِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، مِثَالُهُ إِذَا قَالَ مَلِكٌ لِمَمْلُوكِهِ اضْرِبْ فُلَانًا فَضَرَبَهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ الْمَلِكُ ضَرَبَهُ وَيَصِحُّ عُرْفًا قَوْلُ الْقَائِلِ مَا ضَرَبَ فُلَانٌ فُلَانًا، وَإِنَّمَا الْمَلِكُ أَمَرَ بِضَرْبِهِ فَضُرِبَ، فَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا السَّمَاوِيَّاتِ مُعَيَّنَاتٍ لِلَّهِ فَقَالَ تَعَالَى فِي إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ: وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ مَا فَوَّضَ إِلَى شَيْءٍ شَيْئًا، بَلْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ وَرَقِيبٌ وَرَابِعُهَا: قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّا نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ الَّتِي هِيَ صُوَرُ الْمَلَائِكَةِ لِيَشْفَعُوا لَنَا فَقَالَ تَعَالَى فِي إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ فَلَا فَائِدَةَ لِعِبَادَتِكُمْ غَيْرَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَأْذَنُ فِي الشَّفَاعَةِ لِمَنْ يَعْبُدُ غَيْرَهُ فَبِطَلَبِكُمُ الشَّفَاعَةَ تُفَوِّتُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمُ الشَّفَاعَةَ وَقَوْلُهُ: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ أَيْ أُزِيلَ الْفَزَعُ عَنْهُمْ، يُقَالُ قُرِّدَ الْبَعِيرُ إِذَا أُخِذَ مِنْهُ الْقُرَادُ

وَيُقَالُ لِهَذَا تَشْدِيدُ السَّلْبِ، وَفِي قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: الْفَزَعُ الذي عند الوحي فإن الله عند ما يوحي يفزع من في السموات، ثُمَّ يُزِيلُ اللَّهُ عَنْهُمُ الْفَزَعَ فَيَقُولُونَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَاذَا قَالَ اللَّهُ؟ فَيَقُولُ قَالَ الْحَقَّ أَيِ الْوَحْيَ وَثَانِيهَا: الْفَزَعُ الَّذِي مِنَ السَّاعَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَوْحَى إلى محمد عليه السلام فزع من في السموات مِنَ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ إِرْسَالَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَلَمَّا زَالَ عَنْهُمْ ذَلِكَ الْفَزَعُ قَالُوا مَاذَا قَالَ اللَّهُ قَالَ جِبْرِيلُ الْحَقَّ أَيِ الْوَحْيَ وَثَالِثُهَا: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُزِيلُ الْفَزَعَ وَقْتَ الْمَوْتِ عَنِ الْقُلُوبِ فَيَعْتَرِفُ كُلُّ أَحَدٍ بِأَنَّ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْحَقُّ فَيَنْفَعُ ذَلِكَ الْقَوْلُ مَنْ سَبَقَ ذَلِكَ مِنْهُ، ثُمَّ يَقْبِضُ رُوحَهُ عَلَى الْإِيمَانِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَضُرُّ ذَلِكَ الْقَوْلُ مَنْ سَبَقَ مِنْهُ خِلَافُهُ فَيَقْبِضُ رُوحَهُ عَلَى الْكُفْرِ الْمُتَّفَقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى: إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَنَقُولُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلِينَ قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى غَايَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لِأَنَّهُ بَيَّنَهُ بِالْوَحْيِ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ قُلْ لِفُلَانٍ لِلْإِنْذَارِ حَتَّى يَسْمَعَ الْمُخَاطَبُ مَا يَقُولُهُ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ مَا يَجِبُ قَوْلُهُ فَلَمَّا قَالَ: قُلْ فزع من في السموات، ثُمَّ أُزِيلُ عَنْهُ الْفَزَعُ، وَعَلَى الثَّالِثِ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: زَعَمْتُمْ أَيْ زَعَمْتُمُ الْكُفْرَ إِلَى غَايَةِ التَّفْزِيعِ، ثُمَّ تَرَكْتُمْ مَا زَعَمْتُمْ وَقُلْتُمْ قَالَ الْحَقَّ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَاعِلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا مَاذَا هُوَ الْمَلَائِكَةُ السَّائِلُونَ مِنْ جِبْرِيلَ، وَعَلَى الثَّالِثِ الْكُفَّارُ السَّائِلُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْفَاعِلُ فِي قَوْلِهِ: الْحَقَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَعَلَى الثَّالِثِ هُمُ الْمُشْرِكُونَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْمَوْجُودُ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ وُجُودُهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ عَدَمٌ كَانَ حَقًّا مُطْلَقًا لَا يَرْتَفِعُ بِالْبَاطِلِ الَّذِي هُوَ الْعَدَمُ وَالْكَلَامُ الَّذِي يَكُونُ صِدْقًا يُسَمَّى حَقًّا، لِأَنَّ الْكَلَامَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ فِي الْخَارِجِ بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا فِي الذِّهْنِ، وَالَّذِي فِي الذِّهْنِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا فِي الْخَارِجِ فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ جَاءَ زَيْدٌ يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ تَعَلُّقُهُ بِمَا فِي ذِهْنِ الْقَائِلِ وَذِهْنُ الْقَائِلِ تَعَلُّقُهُ بِمَا فِي الْخَارِجِ لَكِنْ لِلصِّدْقِ مُتَعَلِّقٌ يَكُونُ فِي الْخَارِجِ فَيَصِيرُ لَهُ وُجُودٌ مُسْتَمِرٌّ وَلِلْكَذِبِ مُتَعَلِّقٌ لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ، وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ فِي الذِّهْنِ فَيَكُونُ كَالْمَعْدُومِ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَكُونُ صَادِرَةً/ عَنْ مُعَانِدٍ كَاذِبٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ فِي الذِّهْنِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْخَارِجِ فَيَكُونُ اعْتِقَادًا بَاطِلًا جَهْلًا أَوْ ظَنًّا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِمُتَعَلِّقِهِ مُتَعَلِّقٌ يَزُولُ ذَلِكَ الْكَلَامُ وَيَبْطُلُ، وَكَلَامُ اللَّهِ لَا بُطْلَانَ لَهُ فِي أَوَّلِ الأمر كما يكون كلام الكاذب المعاند ولا يأتيه الباطل كَمَا يَكُونُ كَلَامُ الظَّانِّ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان: ٣٠] أَنَّ الْحَقَّ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ كَامِلٌ لَا نَقْصَ فِيهِ فَيَقْبَلُ نِسْبَةَ الْعَدَمِ، وَفَوْقَ الْكَامِلِينَ لِأَنَّ كُلَّ كَامِلٍ فَوْقَهُ كَامِلٌ فَقَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ فَوْقَ الْكَامِلِينَ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهَذَا يُبْطِلُ الْقَوْلَ بِكَوْنِهِ جِسْمًا وَفِي حَيِّزٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي حَيِّزٍ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ بِأَنَّهُ مُشَارٌ إِلَيْهِ وَهُوَ مَقْطَعُ الْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لَوْ لَمْ تَقَعْ إِلَيْهِ لَمَا كَانَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هو، وإذا وقعت الإشارة إليه فقد تناهب الْإِشَارَةُ عِنْدَهُ، وَفِي كُلِّ مَوْقِعٍ تَقِفُ الْإِشَارَةُ بِقَدْرِ الْعَقْلِ عَلَى أَنْ يَفْرِضَ الْبُعْدَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ لَوْ كَانَ بَيْنَ مَأْخَذِ الْإِشَارَةِ وَالْمُشَارِ إِلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْبُعْدِ لَكَانَ هَذَا الْمُشَارُ إِلَيْهِ أَعْلَى فَيَصِيرُ عَلِيًّا بِالْإِضَافَةِ لَا مُطْلَقًا وَهُوَ عَلِيٌّ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ جِسْمًا لَكَانَ لَهُ مِقْدَارٌ، وَكُلُّ مِقْدَارٍ يُمْكِنُ أَنْ يُفْرَضَ أَكْبَرُ مِنْهُ فَيَكُونَ كَبِيرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ لَا مُطْلَقًا وَهُوَ كَبِيرٌ مطلقا.