آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ

منه. فصدق عليهم ظنه. فإن قيل في آية أخرى: إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ [النحل: ١٠٠] وهاهنا يقول: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ قيل له: أراد بالسلطان هناك الحجة يعني: إنما حجته على الذين يتولونه. وهاهنا أراد به الملك والقهر يعني: لم يكن له عليهم ملك يقهرهم به. ويقال: معنى الآيتين واحد. لأن هناك قال: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سلطان على الذين آمنوا. وهاهنا قال: وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سلطان يعني: حجة على فريق من المؤمنين إلا بالتزيين والوسوسة منه.
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ يعني: نميز من يصدق بالبعث ممن هو في شك. يعني: من قيام الساعة. وقال القتبي: علم الله نوعان: أحدهما علم ما يكون من إيمان المؤمنين. وكفر الكافرين من قبل أن يكون. وهذا علم لا يجب به حجة، ولا عقوبة، والآخر علم الأمور الظاهرة. فيحق به القول، ويقع بوقوعها الجزاء. يعني: ما سلطانه عليهم إلا لنعلم إيمان المؤمنين ظاهراً موجوداً، وكفر الكافرين ظاهراً موجوداً. وكذلك قوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ [آل عمران: ١٤٢] الآية.
ثم قال عز وجل: وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ يعني: عالماً بالشك واليقين. ويقال:
عالم بقولهم. ويقال: عالم بما يكون منهم قبل كونه. ويقال: حفيظ يحفظ أعمالهم ليجازيهم.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)
ثم قال عز وجل: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ يعني: قل لكفار مكة ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أنهم آلهة فيكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم من الجوع. يعني:
الأصنام. ويقال: الملائكة- عليهم السلام-. لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ يعني: نملة صغيرة فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ يعني: إذا كان حالهم هذا، فمن أين جعلوا لهم الشركة في العبادة.
ثم قال: وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ يعني: في خلق السموات والأرض من عون.
ويقال: ما لهم فيها من نصيب وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ يعني: معين من الملائكة الذين يعبدونهم.
ثم ذكر أن الملائكة لا يملكون شيئاً من الشفاعة فقال عز وجل: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ

صفحة رقم 88

عِنْدَهُ
يعني: لا تنفع لأحد لا نبياً ولا ملكاً إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أن يشفع لأحد من أهل التوحيد. قرأ نافع وابن كثير وابن عامر في إحدى الروايتين، إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ بالنصب.
يعني: حتى يأذن الله عز وجل له. قرأ الباقون. بالضم على فعل ما لم يسم فاعله. ومعناه:
مثل الأول.
ثم أخبر عن خوف الملائكة أنهم إذا سمعوا الوحي خرّوا سجداً من مخافة الله عز وجل، وكيف يعبدون من هذه حاله وكذلك قوله: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وذلك أن أهل السموات لم يكونوا سمعوا صوت الوحي بين عيسى ومحمد- عليهما السلام-، فسمعوا صوتاً كوقع الحديد على الصفا فخروا سجداً مخافة القيامة وذلك صوت الوحي. ويقال: صوت نزول جبريل- عليه السلام- فخروا سجداً مخافة القيامة فهبط جبريل- عليه السلام- على أهل كل سماء فذلك قوله: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. وذكر عن بعض أهل اللغة أنه قال: إذا كانت حتى موصولة بإذا تكون بمعنى لما، تقع موقع الابتداء كقوله عز وجل: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) [الحجر: ١٤] كقوله: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ [الأنبياء: ٩٦] حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [سبأ: ٢٣] يعني: لما فزع عن قلوبهم. ومعناه:
انجلاء الفزع عن قلوبهم، فقاموا عن السجود، وسأل بعضهم بعضاً قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ يعني: ماذا قال جبريل- عليه السلام- عن ربكم قالُوا الْحَقَّ يعني: الوحي.
قال: حدّثنا الفقيه أبو الليث رحمه الله. قال: حدّثنا الخليل بن أحمد. قال: حدّثنا الدبيلي. قال: حدّثنا أبو عبد الله. قال: حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إذَا قَضَى الله فِي السَّمَاءِ أمْراً ضَرَبَتِ المَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خَضَعَاناً لِقَوْلِهِ، وَسُمِعَ لذلك صَوْتٌ كَأنَّهَا سلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ الَّذِي قَالَ: فَسِيحي الشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ. فَإِذَا سَمِعَ الأَعْلَى مِنْهُمُ الْكَلِمَةَ، رَمَى بِهَا إلَى الذي تَحْتَهُ وَرُبَّما أدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أنْ يَنْبِذَهَا وَرُبَّمَا نَبَذَهَا قَبْلَ أنْ تُدْرِكَهُ، فَيَنْبِذَهَا، بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الأرْضِ، فَتُلْقَى عَلَى لِسَانِ الْكَاهِنِ وَالسَّاحِرِ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ، فَيُصَدِّقُ فَيَقُولُ، ألَيْسَ قَدْ أخْبَرَ بِكَذَا وَكَذَا، وَكَانَ حَقّاً وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ». قرأ ابن عامر حَتَّى إِذا فُزِّعَ بنصب الفاء والزاي يعني: كشف الله الفزع. وقرأ الباقون: بضم الفاء على معنى ما لم يسم فاعله. وقرأ الحسن حَتَّى إِذا فُزِّعَ بالواو والغين يعني: فرغ الفزع عن قلوبهم. وقراءة العامة بالزاي أي خفف عنها الفزع. وقال مجاهد: معناه حتى إذا كشف عنها الغطاء يوم القيامة ثم قال: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ يعني: هو أعلى وأعظم وأجلّ من أن يوصف له شريك.

صفحة رقم 89
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية