آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ

- قَوْله تَعَالَى: فَلَمَّا قضينا عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ مَا دلهم على مَوته إِلَّا دَابَّة الأَرْض تَأْكُل منسأته فَلَمَّا خر تبينت الْجِنّ أَن لَو كَانُوا يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يَخْلُو فِي بَيت الْمُقَدّس السّنة والسنتين والشهر والشهرين وَأَقل من ذَلِك وَأكْثر وَيدخل طَعَامه وَشَرَابه فَأدْخلهُ فِي الْمرة الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَكَانَ بَدْء ذَلِك أَنه لم يكن يَوْمًا يصبح فِيهِ الا نَبتَت فِي بَيت الْمُقَدّس شَجَرَة فيأتيها فيسألها مَا اسْمك فَتَقول: الشَّجَرَة اسْمِي كَذَا وَكَذَا
فَيَقُول لَهَا: لأي شَيْء نبت فَتَقول: نبت لكذا وَكَذَا
فيأمر بهَا فتقطع
فَإِن كَانَت نَبتَت لغرس غرسها وَإِن كَانَت نَبتَت دَوَاء قَالَت: نَبَتُّ دَوَاء لكذا وَكَذَا
فيجعلها لذَلِك حَتَّى نَبتَت شَجَرَة يُقَال لَهَا الخرنوبة قَالَ لَهَا: لأي شَيْء نبت قَالَت: نبت لخراب هَذَا الْمَسْجِد فَقَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: مَا كَانَ الله ليخربه وَأَنا حَيّ أَنْت الَّذِي على وَجهك هلاكي وخراب بَيت الْمُقَدّس فنزعها فغرسها فِي حَائِط لَهُ ثمَّ دخل الْمِحْرَاب فَقَامَ يُصَلِّي مُتكئا على عَصا فَمَاتَ وَلَا تعلم بِهِ الشَّيَاطِين فِي ذَلِك وهم يعْملُونَ لَهُ مَخَافَة أَن يخرج فيعاقبهم
وَكَانَت الشَّيَاطِين حول الْمِحْرَاب يَجْتَمعُونَ وَكَانَ الْمِحْرَاب لَهُ كواً من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَكَانَ الشَّيْطَان المريد الَّذِي يُرِيد أَن يخلع يَقُول: أَلَسْت جليداً إِن دخلت فَخرجت من ذَلِك الْجَانِب فَيدْخل حَتَّى يخرج من الْجَانِب

صفحة رقم 682

الآخر فَدخل شَيْطَان من أُولَئِكَ فَمر وَلم يكن شَيْطَان ينظر إِلَى سُلَيْمَان الا احْتَرَقَ فَمر وَلم يسمع صَوت سُلَيْمَان ثمَّ رَجَعَ فَلم يسمع صَوته ثمَّ عَاد فَلم يسمع ثمَّ رَجَعَ فَوَقع فِي الْبَيْت وَلم يَحْتَرِق وَنظر إِلَى سُلَيْمَان قد سقط مَيتا فَخرج فَأخْبر النَّاس: أَن سُلَيْمَان قد مَاتَ ففتحوا عَنهُ فأخرجوه فوجدوا منسأته - وَهِي الْعَصَا بِلِسَان الْحَبَشَة - قد أكلتها الأرضة وَلم يعلمُوا مُنْذُ كم مَاتَ فوضعوا الأرضة على الْعَصَا فَأكلت مِنْهَا يَوْم وَلَيْلَة ثمَّ حسبوا على نَحْو ذَلِك فوجدوه قد مَاتَ مُنْذُ سنة
وَهِي فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (فَمَكَثُوا يدينون لَهُ من بعد مَوته حولا كَامِلا) فأيقن النَّاس عِنْد ذَلِك أَن الْجِنّ كَانُوا يكذبُون وَلَو أَنهم علمُوا الْغَيْب لعلموا بِمَوْت سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَلما لَبِثُوا فِي الْعَذَاب سنة يعْملُونَ لَهُ وَلَو كنت تشربين أَتَيْنَاك بأطيب الشَّرَاب ولكننا ننقل إِلَيْك الطين وَالْمَاء فهم ينقلون إِلَيْهَا حَيْثُ كَانَت ألم تَرَ إِلَى الطين الَّذِي يكون فِي جَوف الْخشب فَهُوَ مِمَّا يَأْتِيهَا الشَّيَاطِين شكرا لَهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس ﴿دَابَّة الأَرْض تَأْكُل منسأته﴾ عَصَاهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لبث سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام على عَصَاهُ حولا بَعْدَمَا مَاتَ ثمَّ خر على رَأس الْحول فَأخذت الإِنس عَصا مثل عَصَاهُ ودابة مثل دَابَّته فأرسلوها عَلَيْهَا فَأَكَلتهَا فِي سنة
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ (فَلَمَّا خر تبينت الْإِنْس إِن لَو كَانَ الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين سنة) قَالَ سُفْيَان: وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (وهم يدأبون لَهُ حولا)
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن السّني فِي الطِّبّ النَّبَوِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا صلى رأى شَجَرَة نابتة بَين يَدَيْهِ فَيَقُول لَهَا: مَا اسْمك فَتَقول: كَذَا وَكَذَا
فَإِن كَانَت لغرس غرست وَإِن كَانَت لدواء نَبتَت

فصلى ذَات يَوْم فَإِذا شَجَرَة نابتة بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: لَهَا: مَا اسْمك قَالَت: الخرنوب


قَالَ: لأي شَيْء أنتِ قَالَت: لخراب هَذَا الْبَيْت فَقَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ عَم عَن الْجِنّ موتِي

صفحة رقم 683

حَتَّى يعلم الإِنس
أَن الْجِنّ لَا يعلمُونَ الْغَيْب فَأخذ عَصا فتوكأ عَلَيْهَا وَقَبضه الله وَهُوَ متكىء فَمَكثَ حينا مَيتا وَالْجِنّ تعْمل فَأَكَلتهَا الأرضة فَسَقَطت فَعَلمُوا عِنْد ذَلِك بِمَوْتِهِ فتبينت الإِنس
أَن الْجِنّ لَو كَانُوا يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا حولا فِي الْعَذَاب المهين
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقْرَأها كَذَلِك فَشَكَرت الْجِنّ الأرضة فأينما كَانَت يأتونها بِالْمَاءِ
وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
مَوْقُوفا
وَأخرج الديلمي عَن زيد بن أَرقم
مَرْفُوعا
يَقُول الله أَنِّي تفضلت على عبَادي بِثَلَاث
ألقيت الدَّابَّة على الْحبَّة وَلَوْلَا ذَلِك لكنزتها الْمُلُوك كَمَا يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة
وألقيت النتن على الْجَسَد وَلَوْلَا ذَلِك لم يدْفن حبيب حَبِيبه وأسليت الحزين وَلَوْلَا ذَلِك لذهب التسلي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت الْجِنّ تخبر الإِنس أَنهم يعلمُونَ من الْغَيْب أَشْيَاء وَأَنَّهُمْ يعلمُونَ مَا فِي غَد فابتلوا بِمَوْت سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَمَاتَ فَلبث سنة على عَصَاهُ وهم لَا يَشْعُرُونَ بِمَوْتِهِ وهم مسخرون تِلْكَ السّنة ويعملون دائبين ﴿فَلَمَّا خر تبينت الْجِنّ﴾ وَفِي بعض الْقِرَاءَة (فَلَمَّا خر تبينت الْإِنْس إِن لَو كَانَ الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين) وَقد لَبِثُوا يدأبون ويعملون لَهُ حولا بعد مَوته
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق قيس بن سعد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت الإِنس تَقول فِي زمن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: أَن الْجِنّ تعلم الْغَيْب فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مكث قَائِما على عَصَاهُ مَيتا حولا وَالْجِنّ تعْمل بقيامه (فَلَمَّا خر تبينت الْإِنْس إِن لَو كَانَ الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين) كَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَذَلِك يَقْرَأها قَالَ قيس بن سعد رَضِي الله عَنهُ: وَهِي قِرَاءَة أُبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ كَذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لملك الْمَوْت: إِذا أمرت بِي فاعلمني فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا سُلَيْمَان قد أمرت بك قد بقيت لَك سويعة فَدَعَا الشَّيَاطِين فبنوا عَلَيْهِ صرحاً من قَوَارِير لَيْسَ عَلَيْهِ بَاب فَقَامَ يُصَلِّي فاتكأ على عَصَاهُ فَدخل عَلَيْهِ ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام فَقبض

صفحة رقم 684

روحه وَهُوَ متكىء على عَصَاهُ وَلم يصنع ذَلِك فِرَارًا من الْمَوْت قَالَ: وَالْجِنّ تعْمل بَين يَدَيْهِ وَيَنْظُرُونَ يحسبون أَنه حَيّ فَبعث الله ﴿دَابَّة الأَرْض﴾ دَابَّة تَأْكُل العيدان يُقَال لَهَا: القادح فَدخلت فِيهَا فَأَكَلتهَا حَتَّى إِذا أكلت جَوف الْعَصَا ضعفت وَثقل عَلَيْهَا فَخر مَيتا فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك الْجِنّ انْفَضُّوا وذهبوا
فَذَلِك قَوْله ﴿مَا دلهم على مَوته إِلَّا دَابَّة الأَرْض تَأْكُل منسأته﴾
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما رد الله الْخَاتم إِلَيْهِ لم يصلِّ صَلَاة الصُّبْح يَوْمًا إِلَّا نظر وَرَاءه فَإِذا هُوَ بشجرة خضراء تهتز فَيَقُول: يَا شَجَرَة أما يأكلنك جن وَلَا إنس وَلَا طير وَلَا هوَام وَلَا بهائم فَتَقول: إِنِّي لم أجعَل رزقا لشَيْء وَلَكِن دَوَاء من كَذَا
ودواء من كَذَا
فَقَامَ الإِنس وَالْجِنّ يقطعونها ويجعلونها فِي الدَّوَاء فصلى الصُّبْح ذَات يَوْم والتفت فَإِذا بشجرة وَرَاءه قَالَ: مَا أَنْت يَا شَجَرَة قَالَت: أَنا الخرنوبة قَالَ: وَالله مَا الخرنوبة إِلَّا خراب بَيت الْمُقَدّس وَالله لَا يخرب مَا كنت حَيا وَلَكِنِّي أَمُوت فَدَعَا بحنوط فتحنط وتكفن ثمَّ جلس على كرسيه ثمَّ جمع كفيه على طرف عَصَاهُ ثمَّ جعلهَا تَحت ذقنه وَمَات فَمَكثَ الْجِنّ سنة يحسبون أَنه حَيّ وَكَانَت لَا ترفع أبصارها إِلَيْهِ وَبعث الله الارضة فَأكلت طرف الْعَصَا فَخر منكباً على وَجهه فَعلمت الْجِنّ أَنه قد مَاتَ
فَذَلِك قَوْله ﴿تبينت الْجِنّ﴾ وَلَقَد كَانَت الْجِنّ تعلم أَنَّهَا لَا تعلم الْغَيْب وَلَكِن فِي الْقِرَاءَة الأولى (تبينت الإِنس أَن لَو كَانَت الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بلغت نصف الْعَصَا فتركوها فِي النّصْف الْبَاقِي فَأَكَلتهَا فِي حول فَقَالُوا: مَاتَ عَام أول
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مكث سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام حولا على عَصَاهُ مُتكئا حَتَّى أكلتها الأرضة فَخرَّ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿إِلَّا دَابَّة الأَرْض تَأْكُل منسأته﴾ قَالَ: عَصَاهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأرضة أكلت عَصَاهُ حَتَّى خرَّ

صفحة رقم 685

وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ ﴿تَأْكُل منسأته﴾ قَالَ: الْعَصَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن المنسأة قَالَ: هِيَ الْعَصَا وَأنْشد فِيهَا شعرًا قَالَه عبد الْمطلب: أَمن أجل حَبل لَا أبالك صدته بمنسأة قد جر حبلك أحبلا وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: المنسأة الْعَصَا بِلِسَان الْحَبَشَة

صفحة رقم 686
الدر المنثور في التأويل بالمأثور
عرض الكتاب
المؤلف
جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي
الناشر
دار الفكر - بيروت
سنة النشر
1432 - 2011
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية