آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ

ثم قال: وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ في هذا تفضيل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لأنه قد ذكر جملة الأنبياء- عليهم السلام- ثم خصّه بالذكر قبلهم، وكان آخرهم خروجاً. ثم ذكر نوحاً لأنه كان أولهم.
ثم ذكر إبراهيم وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ- صلوات الله عليهم- لأن كل واحد منهم كان على أثر بعض.
فقال: وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ثم قال: وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً يعني: عهداً وثيقاً أن يعبدوا الله تعالى، ويدعوا الخلق إلى عبادة الله عز وجل، وأن يبشروا كل واحد منهم بمن بعده.
ثم قال عز وجل: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ يعني: أخذ عليهم الميثاق لكي يسأل الصادقين عن صدقهم. يعني: يسأل المرسلين عن تبليغ الرسالة. ويسأل الوفيّين عن وفائهم.
وروي في الخبر: أنه يسأل القلم يوم القيامة. فيقول له: ما فعلت بأمانتي؟ فيقول: يا رب سلمتها إلى اللوح. ثم جعل القلم يرتعد مخافة أن لا يصدقه اللوح. فيسأل اللوح بأن القلم قد أدى الأمانة، وأنه قد سلم إلى إسرافيل. فيقول لإسرافيل: ما فعلت بأمانتي التي سلمها إليك اللوح؟ فيقول: سلمتها إلى جبريل. فيقول لجبريل- عليه السلام-: ما فعلت بأمانتي. فيقول:
سلمتها إلى أنبيائك. فيسأل الأنبياء- عليهم السلام- فيقولون: قد سلمناها إلى خلقك، فذلك قوله تعالى: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً يعني: الذين كذبوا الرسل.
قوله عز وجل:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يعني: احفظوا منة الله عليكم بالنصرة.
إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ يعني: الأحزاب. وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، صالح بني قريظة وبني النضير على أن لا يكونوا عليه، ولا معه. فنقضت بنو النضير عهودهم، وأجلاهم النبيّ صلّى الله عليه وسلم منها، وذكر قصتهم في سورة الحشر.
ثم إنّ بني قريظة جددوا العهد مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم. ثم أنَّ حييَّ بْنَ أخْطَبَ ركب، وخرج إلى مكة. فقال لأبي سفيان بن حرب: إن قومي مع بني قريظة وهم سبعمائة وخمسون مقاتلاً.
فحثّه على الخروج إلى قتال رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ثم خرج من مكة إلى غطفان وحثهم على ذلك.
ثم خرج إلى كنانة وحثهم على ذلك. فخرج أبو سفيان مع جماعة من أهل مكة. وخرج غطفان وبنو كنانة حتى نزلوا قريباً من المدينة مع مقدار خمسة عشر ألف رجل. ويقال: ثمانية

صفحة رقم 46

عشر ألف رجل. ثم جاء حيي بن أخطب إلى بني قريظة. فجاء إلى باب كعب بن الأشرف.
وهو رئيس بني قريظة. فاستأذن عليه. فقال لجاريته: انظري من هذا؟ فعرفته الجارية فقالت:
هذا حيي بن أخطب. فقال: لا تأذني له عليّ. فإنه مسؤوم إنه قد سأم قومه. يريد أن يسأمنا زيادة. فقالت له الجارية: ليس هاهنا فقال حيي بن أخطب بلى هو ثم ولكن عنده قدر جيش لا يحب أن يشركه فيها أحد. فقال كعب: أحفظني أخزاه الله. يعني: أغضبني ائذني له في الدخول. فدخل عليه. فقال له: يجيئُك مليكك، قد جئتك بعارض برد جئتك بقريش بأجمعها، وكنانة بأجمعها، وغطفان بأجمعها. لا يذهب هذا الفوز حتى يقتل محمد. فانقض الحلف بينك وبين محمد. فقال له كعب بن الأشرف: إن العارض ليسبب بنفحاته شيئاً. ثم يرجع وأنا في بحر لجي، لا أقدر على أن أريم داري ومالي. والله ما رأينا جاراً قط خيراً من محمد ما خفر لنا بذمة، ولا هتك لنا ستراً ولا آذانا، وإنما أخشى أن لا يقتل محمد، وترجع أنت وأقتل أنا. فقال لكم ما في التوراة إن لم يقتل محمداً في هذا الغور، لأدخلنّ معكم حصنكم، فيصيبني ما أصابكم. فنقض الحلف، وشقّ الصحيفة، فقدم بنعيم بن مسعود المدينة، وكان تاجراً يقدم من مكة. فقال: يا محمد شعرت أن بني قريظة نقضوا الحلف الذي كان بينك وبينهم. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «لَعَلَّنَا نَحْنُ أَمَرْنَاهُمْ بذلك». فقال عمر: إن كنت أمرتهم بذلك، وإن كنت تأمرهم بذلك، فقتالهم علينا هيّن. فقال: «مَا أَنا بِكَذَّابٍ، ولكن الحَرْبَ خُدْعَةٌ». ونعيم لم يسلم ذلك اليوم. فبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلم سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وسعد بن عبادة إلى كعب بن الأشرف، يناشدوه الله الحلف الذي كان بينهم. وأن يرجعوا إلى ما كانوا عليه من قبل. فأبى كعب بن الأشرف، وجرى بينهم كلام. وسبّ سعد بن معاذ.
فقال أسيد بن حضير: أتسب سيدك معاذاً يا عدو الله؟ ما هو لك بكفؤ. فقال سعد بن معاذ:
اللهم لا تميتني حتى أشفي نفسي منهم. فرجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فحدثوه الحديث.
فانطلق نعيم بن مسعود إلى أبي سفيان. فقال: يا أبا سفيان والله ما كذب محمد قط كذبة. أخبرني بأنه أمر بنقض الحلف بينه وبين بني قريظة. فقال سلمان الفارسي: إنا كنا يا رسول الله بأرض فارس إذا تخوفنا الجنود، خندقنا على أنفسنا. فهل لك أن تخندق خندقاً؟
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع أهل المدينة، وخندق وأخذ المعول بيده، فضرب لكي يقتدي الناس. فضرب ضربةً فأبرق برقة، حتى ظهر ضوء بضربته.
ثم ضرب ضربة أخرى فأبرق برقة، ثم ضرب الثالثة فقال سلمان: لقد رأيت أمراً عجيباً.
لقد رَأَيْتَ ذلك. قال: نعم. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «لَقَدْ رَأَيْتُ بِالأُولَى قُصُورَ الشَّامِ، وَبِالثَّانِيَةِ قُصُورَ كِسْرَى وَبِالثَّالِثَةِ قُصُورَ اليَمَنِ. فهذه فُتُوحٌ يَفْتَحُ الله عَلَيْكُمْ». فقال ناس من المنافقين: يعدنا أن تفتح الشام، وأرض فارس، واليمن. وما يستطيع أحد منا أن يذهب إلى الخلاء. ما يعدنا إلا غروراً.

صفحة رقم 47

فمكث الجنود حول المدينة بضعة عشرة ليلة، فأرسل عيينة بن حصن الفزاري، والحارث بن عوف إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم إنك إن أعطيتنا تمر المدينة هذه السنة، نرجع عنك بغطفان وكنانة، ونخلي بينك وبين قومك فتقاتلهم. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «لا». فقال: فنصف ذلك التمر. قال: «نعم». وكان عند النبيّ صلّى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وهو سيد الأوس، وسعد بن عبادة وهو سيد الخزرج. فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عيينة، والحارث بن عوف لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: اكتب لنا كتاباً. فدعى بصحيفة ليكتب بينهم. فقال سعد بن معاذ وسعد بن عبادة: يا رسول الله أوحي إليك في هذا شيء. فقال: «لا ولكنني رَأَيْتُ العَرَبَ رَمَتْكُمْ مِنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَقُلْتُ أَرُدُّ هؤلاء وَأُقَاتِلُ هؤلاء» فقالا: ما رجون بهذا منها في الجاهلية قط أن يأخذوا منا تمرة واحدة إلا بشراء وقرًى. فحين زادنا الله بك، وأمدنا بك، وأكرمنا بك، نعطيهم الدنية. لا نعطيهم شيئاً إلا بالسيف. فشق النبيّ صلّى الله عليه وسلم الصحيفة قال: «اذْهَبُوا فَلا نُعْطِيكُمْ شَيْئاً إلاَّ بِالسَّيْفِ».
فلما كان يوم الجمعة أرسل أبو سفيان إلى حييّ بن أخطب أن استعدَّ غداً إلى القتال فقد طال المقام هاهنا وقل لقومك يعدوا. فلما جاء بني قريظة الرسول، فقالوا: غداً يوم السبت لا نقاتل فيه. فقال أبو سفيان: نحن نؤخر القتال إلى يوم الأحد. هاتوا لنا رهوناً أبناءكم نثلج إليهم أي: نطمئن بذلك.
فجاء رسول أبي سفيان إلى بني قريظة، وقد أمسوا، فقالوا: هذه الليلة لا يدخل علينا أحد، ولا يخرج من عندنا أحد. فوقع في نفس أبي سفيان من قول نعيم بن مسعود أنه خوان حق، وأن نقض العهد كان مكراً منهم.
فلما كانت الليلة ورسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه عند الخندق فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلث الليل ثم قال: «من رجل ينظر ما يَفْعَلُ القَوْمُ أَدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ». فما تحرك منهم أحد. ثم صلى الثلث الثاني فقال: «من رجل ينظر ما يفعل القوم» فما تحرك منهم أحد ثم صلى ساعة، ثم هتف مرة أخرى، فما تحرك منهم إنسان. فقال: «يَا حُذَيْفَةُ» فجاء حذيفة. فقال: «أَمَا سَمِعْتَ كَلامِي مُنْذُ اللَّيْلَة». قال: بلى. ولكن بي من الجوع والقر- يعني: البرد- لم أقدر على أن أجيبك. قال:
«اذْهَبْ فَانْظُرْ ما فَعَلَ القَوْمُ، وَلاَ تَرْمِي بِسَهْمٍ، وَلاَ بِحَجَرٍ، وَلاَ تَطْعَنْ بِرمْحٍ، وَلاَ تَضْرِبْ بِسَيْفٍ». فقال: يا رسول الله إني لا أخشى أن يقتلوني، إني لميت. ولكن أخشى أن يمثلوا بي. فقال: «لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ». فلما قال هذا، قال حذيفة: آمنت وعرفت أنه لا بأس علي.
فلما ولى حذيفة، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ». فدخل حذيفة رضي الله عنه في عسكر قريش، فإذا هم يصطلون يعني:
مجتمعين على نار لهم. فجلس حذيفة في حلقة منهم. فقال: أتدرون ما يريد الناس غداً؟
قالوا: ماذا يريدون؟ قال: يقولون: يعني: أهل العساكر- أين قريش؟ أين سادات الناس

صفحة رقم 48
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية