آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ

يقول تعالى مخبراً عن نعمته وفضله وإحسانه، إلى عباده المؤمنين في صرفه أعداءهم وهزمه إياهم، عام تألبوا عليهم وتحزبوا، وذلك عام الخندق، وكان سبب قدوم الأحزاب أن نفراً من أشراف يهود بني النضير، الذين كانوا قد أجلاهم رسول الله ﷺ من المدينة إلى خيبر، منهم ( سلام بن أبي الحقيق ) و ( سلام بن مشكم ) و ( كنانة بن الربيع ) خرجوا إلى مكة، فاجتمعوا بأشراف قريش، وألبوهم على حرب النبي ﷺ، ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة، فأجابوهم إلى ذلك، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضاً، وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها وقائدهم ( أبو سفيان ) صخر بن حرب، وعلى غطفان عيينة بن حصن بن بدر، والجميع قريب من عشرة آلاف، فلما سمع رسول الله ﷺ بمسيرهم أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة مما يلي الشرق، وذلك بإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه، فعمل المسلمون فيه واجتهدوا ونقل معهم رسول الله ﷺ التراب و حفر، وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريباً من أحد، ونزلت طائفة منهم في أعالي أرض المدينة، كما قال الله تعالى :﴿ إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾، وخرج رسول الله ﷺ ومن معه من المسلمين وهم نحو من ثلاثة آلاف، فأسندوا ظهروهم إلى سلع ووجوههم نحو العدو، والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم، يحجب الخيالة والرجالة أن تصل إليهم وجعل النساء والذراري في آطام المدينة، وكانت بنو قريظة وهم طائفة من اليهود لهم حصن شرقي المدينة، ولهم عنهد من النبي ﷺ وذمة، وهم قريب من ثمانمائة مقاتل، فذهب إليهم ( حيي بن أخطب ) فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد، ومالأوا الأحزاب على رسول الله ﷺ، فعظم الخطب واشتد الأمر، وضاق الحال، كما قال الله تبارك وتعالى :﴿ هُنَالِكَ ابتلي المؤمنون وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾ [ الأحزاب : ١١ ] ومكثوا محاصرين للنبي ﷺ وأصحابه قريباً من شهر، إلاّ أنهم لا يصلون إليهم، ولم يقع بينهم قتال، ثم أرسل الله عزَّ وجلَّ الأحزاب ريحاً شديدة الهبوب قوية حتى لم يبقى لهم خيمة ولا شيء، ولا توقد لهم نار ولا يقر لهم قرار، حتى ارتحلوا خائبين خاسرين، كما قال الله عزَّ وجلَّ :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً ﴾ قال مجاهد : وهي الصَّبا : ويؤيده الحديث الشريف :« نصرت بالصَّبا وأهلكت عاد بالدبور ».
وقوله تعالى :﴿ وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ هم الملائكة زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرغب والخوف، فكان رئيس كل قبيلة يقول : يا بني فلان إليّ فيجتمعون إليه فيقول : النجاء لما ألقى الله عزَّ وجلَّ في قلوبهم من الرغب، روى مسلم في « صحيحه » عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كنا عند حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال له رجل :

صفحة رقم 2012

« لو أدركت رسول الله ﷺ قاتلت معه وأبليت، فقال له حذيفة : أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله ﷺ ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقر، فقال رسول الله ﷺ :» ألا رجل يأتي بخبر القوم يكون معي يوم القيامة « فلم يجبه منّا أحد، ثم الثانية مثله، ثم قال ﷺ :» يا حذيفة قم فأتنا بخبر من القوم « فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم فقال :» ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم عليّ «، قال فمضيت كأنما أمشي في حمّام حتى أتيتهم، فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهماً في كيد قوسي وأردت أن أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله ﷺ : لا تذعرهم عليّ ولو رميته لأصبته، قال : فرجعت كأنما أمشي في حمّام فأتيت رسول الله ﷺ، ثم أصابني البرد حيثن فرغت وقررت، فأخبرت رسول الله ﷺ وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائماً حتى الصبح، فما أن أصبحت قال رسول الله ﷺ :» قم يا نومان « ».
وأخرج الحاكم والبيهقي في « الدلائل » عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال :« ذكر حذيفة رضي الله عنه مشاهدهم مع رسول الله ﷺ، فقال جلساؤه : أما والله لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا، فقال حذيفة : لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعوداً وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة لليهود أسفل منها نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا قط أشد ظلمة ولا أشد ريحاً في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا أصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون النبي ﷺ ويقولون : أن بيوتنا عورة وما هي بعورة، فما يستأذنه أحد منهم إلاّ أذن له، ويأذن لهم فيتسللون ونحن ثلثمائة أو نحو ذلك إذا استقبلنا رسول الله ﷺ رجلاً رجلاً، حتى أتى علي وما عليَّ جنة من العدو ولا من البرد إلاّ مرط لامرأتي ما يجاوز ركبتي، قال فأتاني ﷺ، وأنا جاث على ركتبي فقال :: من ذها؟ » فقلت : حذيفة، قال :« حذيفة؟ » فتقاصرت الأرض فقلت : بلى يا رسول الله كراهية أن اقوم فقمت، فقال :« إنه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم : قال : وأنا من أشد الناس فزعاً وأشدهم قراً قال : فخرجت فقال رسول الله ﷺ :» اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته «، قال : فوالله ما خلق الله تعالى فزعاً ولا قراً في جوفي إلاّ خرج من جوفي، فما أجد فيه شيئاً، قال : فلما وليت قال ﷺ :» يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئاً حتى تأتيني « قال : فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد، فإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويسمح خاصرته ويقول : الرحيل الرحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فانتزعت سهماً من كنانتي أبيض الريش، فأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء الناء، فذكرت قول رسول الله ﷺ :» لا تحدثن فيهم شيئاً حتى تأتيني «، قال : فأمسكت ورددت سهمي إلى كنانتي ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت المعسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون : يا آل عامر الرحيل الرحيل لا مقام لكم، وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً، فوالله إني لأسم صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم بها، ثم خرجت نحو النبي ﷺ، فلما انتصفت في الطريق أو نحواً من ذلك، إذا أنا بنحو من عشرين فارساً أو نحو ذلك معتمين فقالوا : أخبر صابحك أن الله تعالى كفاه القوم، فرجعت إلى رسول الله ﷺ وهو مشتمل في شملة يصلي فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر وجعلت أقرقف، فأوما إلي رسول الله ﷺ بيده وهو يصلي، فدنوت منه، فأسبل علي شملة، كان رسول الله ﷺ إذا حزبه أمر صلى، فأخبرته خبر القوم وأخبرته أني تركتهم يرتحلون »

صفحة رقم 2013

، وأنزل الله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ﴾ ولأبي داود : وكان رسول الله ﷺ إذا حزبه أمر صلى؛ وقوله تعالى :﴿ إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ ﴾ أي الأحزاب ﴿ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ تقدم عن حذيفة رضي الله عنه أ، هم بنو قريظة، ﴿ وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر ﴾ أي من شدة الخوف والفزع، ﴿ وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا ﴾ ظن بعض من كان مع رسول الله ﷺ أن الدائرة على المؤمنين، وقال محمد بن إسحاق : ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق، حتى قال ( معتب بن قشير ) كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط، وقال الحسن في قوله عزَّ وجلَّ :﴿ وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا ﴾ ظنون مختلفة ظن المنافقون أن محمداً ﷺ وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق وأنه سيظهر على الدين كله ولو كره المشركون، وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال، « قلنا يوم الخندق : يا رسول الله هل من شيء نقول، فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال ﷺ :» نعم، قولوا : اللهم اتسر عوراتنا وآمن روعاتنا « » قال : فضرب وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم بالريح.

صفحة رقم 2014
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية