
في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بِهِمْ أن يُقتلوا حَيْثُما ثقِفُوا.
* * *
وقوله: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧)
الاختيار " السبيلا " بألف، وأن يوقف عليها، لأن أواخر الآي
وفواصلها يجري فيها ما يجري في أَوَاخِر الأبياتِ من الشِعْر.
والفَوَاصِل، لأنه خوطب العربُ بما يعقلون في الكلام المؤلفِ فَيُدَلُّ
بالوقف في هذه الأشياء وزيادة الحروف فيها، - نحو: الظنونا.
والسبيلا، والرسولا - أن الكلام قد تم وانقطع، وأن ما بعده مستأنف.
* * *
وقوله: (رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (٦٨)
(وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا)
ويقرأ (كثيرًا) ومعناهما قريب.
* * *
وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (٦٩)
أي لا تؤذوا النبي - عليه السلام - كما آذى أَصحاب موسى
مُوسَى، عليه السلام، فينزلَ بكم ما نزل بهم.
وكان أذاهم لموسى فيما جاء في التفسير أَنهم عابُوه بشيء في
بدنه فاغتسَل يوماً ووضع ثوبه على حجر فذهب الحجر بثوبه فاتبعه
موسى فرآه بنو إسرائيل ولم يروا ذلك العيب الذي آذوه بذكره.
(وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا).
كفمَة اللَّه تكليماً وبرأه من العيب الذي رموه به بآية معجزة.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢)

روي عن ابن عَبَّاس وسَعِيدِ بن جبير أنهما قالا: الأمانة ههنا
الفرائض التي افترضها اللَّه على عبادة، وقال ابن عُمَر: عرضت على
آدمَ الطاعةُ والمعصيةُ وعرف ثوابَ الطاعة. وعقابَ المعصية.
وحقيقة هذه الآية - واللَّه أعلم، وهو موافق للتفسير - أن اللَّه عزَّ وجلَّ ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمن السَّمَاوَاتِ والأرضَ
والجبالَ على طاعته والخضوع له، فأعلمنا الله أنه قال:
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١).
وأعلمنا أن من الحجارة ما يَهْبِطُ من خشية اللَّه وأن الشمس والقمرَ والنجومَ والملائكةَ وكثيراً من الناس يسجدون للَّهِ.
فأعلمنا اللَّه أن السَّمَاوَات والأرض والجبال لم تحتمل الأمانة، أي
أَدَّتْها، وكل من خان الأمانة فقد احتملها، وكذلك كل من أَثِمَ فقد
احتمل الإثم، قال اللَّه عزَّ جل: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ). فأَعلم اللَّه أن من باء بالإثم يسمَّى حاملا للإثْمِ.
فالسَّمَاوَات والأرض والجبال أَبَيْنَ أن يحملن الأمانة وأدَّينَها.
وَأَدَاؤها طاعة اللَّه فيمَا أَمَر به، والعَمَلُ به وترك المَعْصِيَةِ.
وحَمَلَها الإنْسانُ، قال الحَسَنُ: الكافر والمنافق حَمَلا الأمانة ولم
يطيعا.
فهذا المعنى والله أعلم.
ومن أطاع من الأنبياء والصديقين والمؤمنين فلا قال كان ظلوماً جَهُولًا، وتصديق ذلك ما يتلو هذه الآية
من قوله: (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٣)