آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ

وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢)
لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣)
شرح الكلمات:
يا أيها الذين آمنوا: أي يا من صدقوا بالله ورسوله ولقاء الله وما جاء به رسول الله.
لا تكونوا كالذين آذوا موسى: أي لا تكونوا مع نبيكم كما كان بنو إسرائيل مع موسى إذ آذوه بقولهم إنه ما يمنعه من الاغتسال معنا إلا أنه آدر.
فبرأه الله مما قالوا: أي أراهم أنه لم يكن به أدرة وهي انتفاخ إحدى الخصيتين.
وكان عند الله وجيها: أي ذا جاهٍ عظيم عند الله فلا يخيّب له مسعى ولا يرد له مطلباً.
وقولوا قولا سديداً: أي صدقاً صائباً.
يصلح لكم أعمالكم: أي الدينية والدنيوية إذ على الصدق والموافقة للشرع نجاح الأعمال والفوز بثمارها.
فقد فاز فوزاً عظيماً: أي نال غاية مطلوبه وهو النجاة من النار ودخول الجنة.
إنا عرضنا الأمانة: أي ما ائتمن عليه الإنسان من سائر التكاليف الشرعية وما ائتمنه عليه أخوه من حفظ مال أو قول أو عرض أو عمل.
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها: أي رفضن الالتزام بها وخفن عاقبة تضييعها.
وحملها الإنسان: أي آدم وذريته.
إنه كان ظلوماً جهولاً: أي لأنه كان ظلوماً أي كثير الظلم لنفسه جهولاً بالعواقب.

صفحة رقم 297

ليعذب الله المنافقين: أي وتحملها الإنسان قضاء وقدراً ليرتب الله تعالى على ذلك عذاب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات فيغفر لهم ويرحمهم وكان الله غفوراً رحيماً.
معنى الآيات:
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ينادي الله تعالى مؤمني هذه الأمة ناهياً لهم عن أذى نبيهم بأدنى أذى، وأن لا يكونوا كبني إسرائيل الذين آذوا موسى في غير موطن ومن ذلك ما ذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه في قوله من رواية مسلم (١) "أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده فقالوا: ما منعه أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب يوماً يغتسل فوضع ثوبه (٢) على حجر وأخذ يغتسل وإذا بالحجر يهرب بالثوب فيجري موسى وراءه حتى وقف به على جمع من بني إسرائيل فرأوا أنه ليس به أدرة ولا برص كما قالوا فهذا معنى فبرأه الله مما قالوا، وكان عند الله وجيها أي ذا جاه عظيم.
ومما حصل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذى أذاه في اتهام زوجه بالفاحشة من قبل أصحاب الإفك وقول بعضهم له وقد قسم مالا هذه قسمة ما أريد به وجه الله.
وقول بعضهم أعدل فينا يا رسول الله فقال له ويحك إذا لم أعدل أنا فمن يعدل؟
وكان يقول يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر!! هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٦٩) أما الآية الثانية (٧٠) فقد نادى تعالى عباده المؤمنين الذين نهاهم عن أذية نبيهم وأن لا يكونوا في ذلك كقوم موسى بن عمران ناداهم ليأمرهم بأمرين الأول بتقواه عز وجل إذ قال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي صدقوا الله ورسوله. ﴿اتَّقُوا اللهَ﴾ أي خافوا عقابه. فأدوا فرائضه واجتنبوا محارمه. والثاني بالتزام القول الحق الصائب (٣) السديد، ورتب على الأمرين صلاح أعمالهم ومغفرة ذنوبهم إذ قول الحق والتزام الصدق مما يجعل الأقوال والأعمال مثمرة نافعة، فتثمر زكاة النفس وطهارة الروح. ثم أخبرهم مبشراً إياهم بقوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ في الأمر والنهي فقد فاز فوزاً عظيماً وهي سعادة الدارين: النجاة من كل مخوف والظفر بكل محبوب مرغوب ومن

١ - رواه البخاري بمعناه أيضاً.
٢ - قال أهل العلم في وضع موسى ثوبه على الحجر ودخوله الماء عرياناً دليل على جواز مثل هذا الصنيع وهو كذلك، وهذا الجواز لا يتنافى الاستحباب إذ التستر مستحب بلا خلاف.
٣ - القول السديد هو لا إله إلا الله وهو القصد الحق وهو الذي يوافق ظاهره باطنه، وهو ما أريد به وجه الله دون سواه فالقول السديد الصائب يشمل كل هذا الذي ذكر.

صفحة رقم 298

ذلك النجاة من النار ودخول الجنة. هذا ما تضمنه قوله تعالى ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ وقوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ﴾ يخبر تعالى منبهاً محذراً فيقول: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ﴾ (١) وهي شاملة للتكاليف الشرعية كلها ولكل ما ائتمن عليه الإنسان من شيء يحفظه لمن ائتمنه عليه حتى يرده إليه عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال بعد أن خلق الله لها عقلاً ونطقاً ففهمت الخطاب وردت الجواب فأبت تحملها بثوابها وأشفقت وخافت من تبعتها، وعرضت على الإنسان آدم فحملها بتبعتها من ثواب وعقاب لأنه كان ظلوماً لنفسه يوردها موارد السوء جهولاً بعواقب الأمور. هذا ما دلت عليه الآية الرابعة (٧٢) وهي قوله تعالى ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً (٢) جَهُولاً﴾. وقوله تعالى ﴿لِيُعَذِّبَ (٣) اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ (٤) وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ أي بتبعة النفاق والشرك، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات أي تمّ عرضُ الأمانة وقبولُ آدم لها ليؤول الأمر إلى أن يكفر بعض أفراد الإنسان فيعذبوا بكفرهم الذي نجم عن تضييع الأمانة، ويؤمن بعض آخر فيفرط بعض التفريط ويتوب الله عليه فيغفر له ويدخله الجنة وكان الله غفوراً رحيماً ومن آثار ذلك أن تاب الله على المؤمنين والمؤمنات وغفر لهم ورحمهم بإدخالهم الجنة فسبحان الله المدبر الحكيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب تقوى الله عز وجل بفعل الأوامر واجتناب المناهي.
٢- صلاح الأعمال لتثمر للعاملين الزكاة للنفس، وطيب الحياة متوقف على التزام الصدق في

١ - روى معمر عن الحسن أن الأمانة عرضت على السموات والأرض والجبال قالت وما فيها؟ قيل لها إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فقالت لا قال مجاهد فلما خلق الله آدم عرضها عليه قال وما هي؟ قال إن أحسنت أجرتُك وإن أسأت عذبتك قال فقد تحملتها يا رب. قال مجاهد فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر.
٢ - فكان الإنسان فريقين فريق ظلوم وفريق راشد عالم.
٣ - ليعذب اللام متعلقة بحمل أي حملها ليعذب العاصي ويثاب المطيع فهي لام التعليل وتعذيبهم نتيجة إضاعتهم الأمانة، ورحمة المؤمنين والمؤمنات نتيجة محافظتهم على الأمانة برعايتهم لها وسر ذلك أن التكاليف عملها يزكي النفس ويطهرها فتتأهل للجنة، وعدم عملها بتركها يسبب خبث النفس وهو يؤهل للنار وعذابها.
٤ - ذكر المنافقات والمشركات لأن المقام كمقام الإشهاد يتطلب ذكر الشاهد إقامة للحجة وإظهاراً للعدالة ولأن الجزاء العادل يتطلب التنصيص على من يقضى له أو عليه.

صفحة رقم 299

القول والعمل وهو القول السديد المنافي للكذب والانحراف في القول والعمل
٣- طاعة الله ورسوله سبيل الفوز والفلاح في الدين
٤- وجوب رعاية الأمانة وأدائها، ولم يخل احد من أمانة
٥- وصف الإنسان بالظلم والجهل وبالكفر والمهانة والضعف ف آيات أخرى يستلزم طلب علاج لهذه الصفات وعلاجها جاء مبيناً في سورة المعارج في قوله ﴿إِلا الْمُصَلِّينَ﴾ إلي قوله ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾

صفحة رقم 300
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية