
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الْحِجْرِ: ٢]، وَهَكَذَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي حَالَتِهِمْ (١) هَذِهِ أَنَّهُمْ يَوَدُّونَ أَنْ لَوْ كَانُوا أَطَاعُوا اللَّهَ، وَأَطَاعُوا الرَّسُولَ فِي الدُّنْيَا.
﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا﴾. وَقَالَ طَاوُسٌ: سَادَتَنَا: يَعْنِي الْأَشْرَافَ، وَكُبَرَاءَنَا: يَعْنِي الْعُلَمَاءَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
أَيِ: اتَّبَعْنَا السَّادَةَ وَهُمُ الْأُمَرَاءُ وَالْكُبَرَاءُ مِنَ الْمَشْيَخَةِ، وَخَالَفْنَا الرُّسُلَ وَاعْتَقَدْنَا أَنَّ عِنْدَهُمْ شَيْئًا، وَأَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَإِذَا هُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ.
﴿رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ أَيْ: بِكُفْرِهِمْ وَإِغْوَائِهِمْ إِيَّانَا، ﴿وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ (٢). قَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. وَقَرَأَ آخَرُونَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَهُمَا قَرِيبَا الْمَعْنَى، كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ، إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (٣)، يُروى "كَبِيرًا" وَ"كَثِيرًا"، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنًى صَحِيحٍ.
وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْمَعَ الدَّاعِي بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فِي دُعَائِهِ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا تَارَةً، وَهَذَا تَارَةً، كَمَا أَنَّ الْقَارِئَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ أَيَّتُهُمَا قَرَأَ فَحَسَن، وَلَيْسَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ضِرَار بْنُ صُرَد، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ [مُحَمَّدِ بْنِ] (٤) عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ (٥)، فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرِو بْنِ غَزيَّة، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ عِنْدَ اللِّقَاءِ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا لِرَبِّنَا إِذَا لَقِينَاهُ: ﴿رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ ؟ (٦).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (٦٩) ﴾.
قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ (٧) هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ [وَمُحَمَّدٍ] (٨) وَخِلَاسِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ (٩).
(٢) في ت: "كثيرا كبيرا أو كلاهما" وفي ف، أ: "كبيرا".
(٣) صحيح البخاري رقم (٨٣٤) وصحيح مسلم برقم (٢٧٠٥).
(٤) زيادة من المعجم الكبير للطبراني.
(٥) في ت: "وروى أبو القاسم الطبراني بإسناده عن أبي رافع".
(٦) المعجم الكبير (٣/٢٢٣).
(٧) في ت: "روى البخاري عند تفسيره".
(٨) زيادة من ت، أ، والبخاري.
(٩) صحيح البخاري برقم (٤٧٩٩).

هَكَذَا أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ هَاهُنَا مُخْتَصَرًا جِدًّا، وَقَدْ رَوَاهُ فِي أَحَادِيثِ "الْأَنْبِيَاءِ" بِهَذَا السَّنَدِ بِعَيْنِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ رَجُلًا حَيِيا سِتِّيرا، لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيء اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: مَا يَتَسَتَّرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ، إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أدْرَة وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَرَادَ أَنْ يُبرئَه مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَخَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ، فَخَلَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَرٍ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فلمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثُوبِي حَجَر، ثُوبِي حَجَر، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُريانا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الْحَجَرُ، فَأَخَذَ ثوبَه فَلَبِسَهُ، وطَفقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا -قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾.
وَهَذَا سِيَاقٌ حَسَنٌ مُطَوَّلٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ دُونَ مُسْلِمٍ (١)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رُوحٌ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَخِلَاسٌ، وَمُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيا ستِّيرا، لَا يَكَادُ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيء اسْتِحْيَاءً مِنْهُ" (٢).
ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُطَوَّلًا وَرَوَاهُ فِي تَفْسِيرِهِ (٣). عَنْ رَوْحٍ، عَنْ عَوْفٍ، بِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ هَذَا (٤). وَهَكَذَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَان الْأَعْمَشِ، عَنْ المنْهَال بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾ قَالَ: قَالَ قَوْمُهُ لَهُ: إِنَّكَ آدَرُ. فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ، فَخَرَجَتِ الصَّخْرَةُ تَشْتَدُّ بِثِيَابِهِ، وَخَرَجَ يَتْبَعُهَا عُرْيَانَا حَتَّى انْتَهَتْ بِهِ مَجَالِسُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: فَرَأَوْهُ لَيْسَ بِآدَرَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَوَاءً.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الْآدَمِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، رَجُلًا حَيِيا، وَإِنَّهُ أَتَى -أَحْسَبُهُ قَالَ: الْمَاءَ -لِيَغْتَسِلَ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ، وَكَانَ لَا يَكَادُ تَبْدُو عَوْرَتُهُ، فَقَالَ (٥) بَنُو إِسْرَائِيلَ: إِنَّ مُوسَى آدَرُ -أَوْ: بِهِ آفَةٌ، يَعْنُونَ: أَنَّهُ لَا يضع ثيابه -
(٢) المسند (٣/٥١٤).
(٣) في أ: "ورواه عنه في تفسيره".
(٤) تفسير الطبري (٢٢/٣٦).
(٥) في ف، أ: "فقالت".

فَاحْتَمَلَتِ الصَّخْرَةُ ثِيَابَهُ حَتَّى صَارَتْ بِحِذَاءِ مَجَالِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَظَرُوا إِلَى مُوسَى كَأَحْسَنِ الرِّجَالِ، أَوْ كَمَا قَالَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ (١).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (٢) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾ قَالَ: صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ الْجَبَلَ، فَمَاتَ هَارُونُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْتَ قَتَلْتَهُ، كَانَ أَلْيَنَ لَنَا مِنْكَ وَأَشَدَّ حَيَاءً. فَآذَوْهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلَتْهُ، فَمَرُّوا (٣) بِهِ عَلَى مَجَالِسَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَكَلَّمَتْ بِمَوْتِهِ، فَمَا عَرَفَ مَوْضِعَ قَبْرِهِ إِلَّا الرَّخَم، وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ أَصَمَّ أَبْكَمَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الطُّوسِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، بِهِ (٤).
ثُمَّ قَالَ: وَجَائِزٌ أَنَّ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْأَذَى، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ، فَلَا قَوْلَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
قُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مُرَادًا، وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (٥) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقيق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ مَنَّ الْأَنْصَارِ: إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ (٦) مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَمَا لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قُلْتَ. قَالَ: فَذَكَرَ (٧) ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاحمرَّ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: "رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى، فَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرِ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (٨) مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ، بِهِ (٩).
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، سَمِعْتُ إِسْرَائِيلَ بْنَ يُونُسَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ (١٠) -مَوْلَى الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ زَائِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: "لَا يبلِّغني أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا [سَلِيمُ الصَّدْرِ] " (١١). فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالٌ فَقَسَمَهُ، قَالَ: فَمَرَرْتُ بِرَجُلَيْنِ وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: وَاللَّهِ مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِقِسْمَتِهِ وَجْهَ الله ولا الدار الآخرة. قال: فَتَثَبَّتُ حَتَّى سَمِعْتُ (١٢) مَا قَالَا ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قُلْتَ لَنَا: "لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَصْحَابِي شَيْئًا"، وَإِنِّي مَرَرْتُ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَهُمَا يَقُولَانِ كَذَا وَكَذَا. فَاحْمَرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشَقَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "دَعْنَا مِنْكَ، لَقَدْ أُوذِيَ موسى بأكثر من هذا، فصبر" (١٣).
(٢) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
(٣) في أ: "فمرت".
(٤) تفسير الطبري (٢٢/٣٧).
(٥) في ت: "وروى".
(٦) في أ: "لقسمة".
(٧) في ت، أ: "فذكرت".
(٨) في ت: "أخرجه البخاري ومسلم".
(٩) المسند (١/٣٨٠) وصحيح البخاري برقم (٣٤٠٥) وصحيح مسلم برقم (١٠٦٢).
(١٠) في أ: "هشام".
(١١) زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
(١٢) في أ: "فقلت حين سمعت".
(١٣) المسند (١/٣٩٥).