
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٦ الى ٦٨]
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠)مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٦٢) يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥)
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨)
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ قراءة العامة بنصب التاء وقرأ ابن عبّاس: وَمَلائِكَتُهُ بالرفع عطفا على محلّ قوله: اللَّهَ قبل دخول إنّ، نظيره قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى «١» وقد مضت هذه المثلة. يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ أي يثنون ويترحّمون عليه ويدعون له. وقال ابن عبّاس: يتبرّكون. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ترحّموا عليه وادعو له وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً وحيّوه بتحية الإسلام.
أخبرنا عبد الله بن حامد، عن المطري، عن علي بن حرب، عن ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الفضل العدل، عن إسماعيل بن محمد الصفّار، عن الحسين بن عروة، عن هشيم بن بشير، عن يزيد بن أبي زياد، وحدّثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدّثني كعب بن عجرة قال: لمّا نزلت إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ... قلنا: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: «قل: اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد» [٢١] «٢».
وأخبرنا عبد الله بن حامد الوزّان، عن مكي بن عبدان، عن عمّار بن رجاء عن ابن عامر، عن عبد الله بن جعفر، عن يزيد بن مهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري قال:
قلنا: يا رسول الله هذا السلام قد علمنا، فكيف الصلاة عليك؟
(٢) مسند أحمد: ١/ ١٦٢، سنن الدارمي: ١/ ٣٠٩.

قال: «قولوا اللهم صلّ على محمّد عبدك ورسولك كما صلّيت على إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم» [٢٢] «١».
وأخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف الفقيه، عن مكي بن عبدان عن محمد بن يحيى قال:
فيما قرأت على ابن نافع، وحدّثني مطرف، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن محمد بن عمرو بن حرم، عن أبيه، عن عمرو بن سليمان الزرقي، أخبرني أبو حميد الساعدي أنّهم قالوا:
يا رسول الله كيف نصلّي عليك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «قولوا: اللهم صلّ على محمّد وأزواجه وذرّيته كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» [٢٣] «٢».
وبإسناده عن مالك عن نعيم، عن عبد الله بن المجمر، عن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري، عن أبي مسعود الأنصاري أنّه قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه ونحن جلوس في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن [سعد] «٣» : أمرنا الله أن نصلّي عليك يا رسول الله، فكيف نصلّي عليك؟ فسكت رسول الله صلّى الله عليه حتّى تمنّينا أنّه لم يسأله، ثمّ قال: «قولوا اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم» [٢٤] «٤».
وأخبرنا عبد الله بن حامد بقراءتي عليه قال: أخبرنا محمّد بن خالد بن الحسن، عن داود ابن سليمان، عن عبد بن حميد قال: أخبرني أبو نعيم عن المسعودي، عن عون، عن أبي فاختة، عن الأسود قال: قال عبد الله: إذا صلّيتم على النبي صلّى الله عليه فأحسنوا الصلاة عليه، فإنّكم لا تدرون لعلّ ذلك يعرض عليه، قالوا: فعلّمنا، قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيّد المرسلين وإمام المتّقين وخاتم النبيّين محمد عبدك ورسولك، إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة، اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأوّلون والآخرون، اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد.
أخبرنا عبد الخالق بن علي قال: أخبرني أبو بكر بن جنب عن يحيى بن أبي طالب عن يزيد بن هارون قال: أخبرني أبو معاوية، عن الحكم بن عبد الله بن الخطّاب، عن أمّ الحسن،
(٢) مسند أحمد: ٥/ ٤٢٤.
(٣) في نسخة أصفهان: عبد الله.
(٤) مسند أحمد: ٥/ ٢٧٤، وسنن الدارمي: ١/ ٣١٠.

عن أبيها قالوا: يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ فقال النبي (عليه السلام) : هذا من العلم المكنون، ولو أنّكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به، إنّ الله تعالى وكّل بي ملكين فلا أذكر عند عبد مسلم فيصلّي عليّ إلّا قال ذانك الملكان: غفر الله لك، وقال الله تعالى وملائكته جوابا لذينك الملكين: آمين، ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلّي عليّ إلّا قال ذانك الملكان، لا غفر الله لك، وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين: آمين.
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ يعني بمعصيتهم إيّاه ومخالفتهم أمره. وقال عكرمة:
هم أصحاب التصاوير الذين يرومون تكوين خلق مثل خلق الله عزّ وجلّ،
وفي بعض الأخبار يقول الله جلّ جلاله: ومن أظلم ممّن أراد أن يخلق مثل خلقي فليخلق حبّة أو ذرّة
، وقال (عليه السلام) : لعن الله المصوّرين «١».
وقال ابن عبّاس: هم اليهود والنصارى والمشركون، فأمّا اليهود فقالوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ وقالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ. وقالت النصارى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وثالِثُ ثَلاثَةٍ. وقال المشركون: الملائكة بنات الله، والأصنام شركاؤه.
قال قتادة: في هذه الآية ما زال أناس من جهلة بني آدم حتى تعاطوا أذى ربّهم، وقيل:
معنى يُؤْذُونَ اللَّهَ يلحدون في أسمائه وصفاته، وقال أهل المعاني: يؤذون أولياء الله مثل قوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «٢»
وقول رسول الله صلّى الله عليه حين قفل من تبوك فبدا له أحد: هذا جبل يحبّنا ونحبّه
، فحذف الأهل، فأراد الله تعالى المبالغة في النهي عن أذى أوليائه فجعل أذاهم أذاه.
وَرَسُولَهُ قال ابن عبّاس: حين شج في وجهه وكسرت رباعيته وقيل له: شاعِرٌ وساحِرٌ ومُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ.
وروى العوفي عنه: أنّها نزلت في الذين طعنوا على النبي (عليه السلام) في نكاحه صفيّة بنت حيي بن أخطب
، وقيل: بترك سنّته ومخالفة شريعته.
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا من غير أن عملوا ما أوجب الله أذاهم فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً.
قال الحسن وقتادة: إيّاكم وأذى المؤمن فإنّه حبيب ربّه، أحبّ الله فأحبّه، وغضب لربّه فغضب الله له، وإنّ الله يحوطه ويؤذي من آذاه. وقال مجاهد: يعني يقفونهم ويرمونهم بغير ما عملوا.
وقال مقاتل: نزلت في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك أنّ ناسا من المنافقين كانوا يؤذونه ويسمعونه.
وقيل: في شأن عائشة.
وقال الضحّاك والسدي والكلبي: نزلت في الزّناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتّبعون النساء إذا تبرّزن بالليل لقضاء حوائجهنّ، فيرون
(٢) سورة يوسف: ٨٢.

المرأة فيدنون منها، فيغمزونها، فإن سكتت اتّبعوها، وإن زجرتهم انتهوا عنها، ولم يكونوا يطلبون إلّا الإماء، ولم يكن يومئذ تعرف الحرّة من الأمة ولأنّ زيّهن كان واحدا، إنّما يخرجن في درع واحد وخمار الحرّة والأمة، فشكون ذلك إلى أزواجهنّ فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه. فأنزل الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ... ثمّ نهى الحرائر أن يتشبهنّ بالإماء، فقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ أي يرخين أرديتهن وملاحفهن فيتقنّعن بها، ويغطّين وجوههن ورؤوسهن ليعلم أنّهنّ حرائر فلا يتعرّض لهنّ ولا يؤذين.
قوله: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لما سلف منهن من ترك السنن رَحِيماً بهنّ إذ سترهنّ وصانهنّ. قال ابن عبّاس وعبيدة: أمر الله النساء المؤمنات أن يغطّين رؤوسهنّ ووجوههنّ بالجلابيب ويبدين عينا واحدة. قال أنس: مرّت جارية بعمر بن الخطّاب متقنّعة فعلاها بالدرّة وقال: يا لكاع أتشبهين بالحرائر؟ ألقي القناع.
قوله عزّ وجلّ: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فجور، يعني الزناة وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ بالكذب والباطل، وذلك أنّ ناسا منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله صلّى الله عليه يوقعون في الناس أنّهم قتلوا وهزموا، وكانوا يقولون: قد أتاكم العدوّ ونحوها.
وقال الكلبي: كانوا يحبّون أن يفشوا الأخبار، وأَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا...
لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ لنولعنّك ونحرشنّك بهم، ونسلطنّك عليهم. ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا أي لا يساكنونك في المدينة إلّا قليلا حتّى يخرجوا منها مَلْعُونِينَ مطرودين، نصب على الحال، وقيل: على الذم أَيْنَما ثُقِفُوا أصيبوا ووجدوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا. قال قتادة:
ذكر لنا أنّ المنافقين أرادوا أن يظهروا لما في قلوبهم من النفاق، فأوعدهم الله في هذه الآية فكتموه.
وأنبأني عبد الله بن حامد الأصفهاني عن عبد الله بن جعفر النساوي، عن محمد بن أيّوب عن عبد الله بن يونس، عن عمرو بن شهر، عن أبان، عن أنس قال: كان بين رجل وبين أبي بكر شيء، فنال الرجل من أبي بكر، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتّى غمر الدّم وجهه، فقال: «ويحكم، ذروا أصحابي وأصهاري، احفظوني فيهم لأنّ عليهم حافظا من الله عزّ وجلّ، ومن لم يحفظني فيهم تخلّى الله منه، ومن تخلّى الله منه يوشك أن يأخذه» [٢٥].
مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا.
سُنَّةَ اللَّهِ أي كسنّة الله فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا. يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً. إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ