آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ
[غافر: ٧- ٩] الآية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦)
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ أي يحيّون يوم لقائه، بالموت أو الخروج من القبر أو دخول الجنة، بسلام تبشيرا بالسلامة من كل مكروه وآفة، والإضافة إما من إضافة المصدر إلى المفعول، والمحيي لهم، إما الله جلّ جلاله، لقوله سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨]، تعظيما لهم وتفضلا منه عليهم، كما تفضل عليهم بصنوف الإكرام، وإما الملائكة لآية وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: ٢٣- ٢٤]، أو من إضافة المصدر لفاعله.
أي تحية بعضهم بعضا بالسلام. وقد يستدل له بآية دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ [يونس: ١٠]، وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً يعني الجنة وما حوته، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً أي على من بعثت إليهم بالبلاغ وَمُبَشِّراً أي بالثواب لمن آمن وَنَذِيراً أي من النار لمن كفر وَداعِياً إِلَى اللَّهِ إلى دينه وطاعته والإقرار بوحدانيته بِإِذْنِهِ أي بأمره ووحيه وَسِراجاً مُنِيراً أي يستضاء به في ظلمات الجهل والغواية، ويهتدى بأنواره إلى مناهج الرشد والهداية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٤٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٤٩)
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً أي ثوابا عظيما وأجرا جزيلا وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ أي فيما يرجفون به ويعيبون من جاهليتهم

صفحة رقم 91

وعوائدهم، بإلانة الجانب في التبليغ، والمسامحة في الإنذار والتمهل في الصدع بالحق وَدَعْ أَذاهُمْ أي إيصال الضرر إليهم، مجازاة لفعلهم. بل اعف واصفح. أو معناه: دع ما يؤذونك به بسبب صدعك إياهم. فالمصدر مضاف إلى الفاعل على الأول، وإلى المفعول على الثاني وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي موكولا إليه، وكفيلا فيما وعدك من النصر، ودحر ذوي الكفر يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ أي تزوجتموهن ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ أي تجامعوهن فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها أي تستوفون عددها من إحصاء أقراء، ولا أشهر تحصونها عليهن فَمَتِّعُوهُنَّ أي أعطوهن ما يستمتعن به من عرض أو عين مال وَسَرِّحُوهُنَّ أي خلّوا سبيلهن بإخراجهن من منازلكم. إذ ليس لكم عليهن عدّة سَراحاً جَمِيلًا أي من غير ضرار ولا منع حق.
تنبيه:
قال ابن كثير: هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة. منها إطلاق النكاح على العقد وحده. وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منه. وقد اختلفوا في النكاح: هل هو حقيقة في العقد وحده، أو في الوطء، أو فيهما؟ على ثلاثة أقوال. واستعمال القرآن، إنما هو في العقد والوطء بعده، إلا في هذه الآية. فإنه استعمل في العقد وحده لقوله تعالى إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وفيها دلالة لإباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها. وقوله تعالى الْمُؤْمِناتِ خرج مخرج الغالب. إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك، بالاتفاق. وقد استدل ابن عباس رضي الله عنهما، وابن المسيّب والحسن البصريّ وزين العابدين، وجماعة من السلف بهذه الآية، على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح، لقوله تعالى إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ فعقب النكاح بالطلاق. فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله. وهذا مذهب الشافعيّ وأحمد وطائفة كثيرة من السلف والخلف. وأيّده ما
روي مرفوعا «١»
(لا طلاق لابن آدم فيما لا يملك) رواه أحمد وأبو داود والترمذيّ وابن ماجة.
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن. وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.
وهكذا
روى ابن ماجة «٢» عن عليّ والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا طلاق قبل النكاح».

(١) أخرجه أبو داود في: الطلاق، ٧- باب في الطلاق قبل النكاح، حديث ٢١٩٠.
(٢) أخرجه في: الطلاق، ٧- باب لا طلاق قبل النكاح، حديث ٢٠٤٩ و ٢٠٤٨.

صفحة رقم 92

وقوله تعالى: فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها هذا أمر مجمع عليه بين العلماء، أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها، لا عدة عليها. فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت. ولا يستثنى من هذا إلا المتوفى زوجها. فإنها تعتدّ منه أربعة أشهر وعشرا. وإن لم يكن دخل بها، بالإجماع أيضا. وقوله تعالى: فَمَتِّعُوهُنَّ المتعة هاهنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى، أو المتعة الخاصة إن لم يكن قد سمى لها. قال تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ [البقرة: ٢٣٧]، وقال عزّ وجلّ: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً، وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:
٢٣٦].
وعن ابن عباس: إن كان سمّى لها صداقا، فليس لها إلا النصف. وإن لم يكن سمّى لها صداقا، فأمتعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل. انتهى.
وعليه، فالآية في المفوضة التي لم يسمّ لها. وقيل: الآية عامة. وعليه، فقيل الأمر للوجوب، وأنه يجب مع نصف المهر المتعة أيضا. ومنهم من قال للاستحباب، فيستحب أن يمتعها مع الصداق بشيء.
لطيفة:
قال الرازيّ: وجه تعلق الآية بما قبلها، هو أن الله تعالى في هذه السورة، ذكر مكارم الأخلاق، وأدّب نبيّه على ما ذكرناه. لكن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بما أمر به نبيّه المرسل، فكلما ذكر للنبيّ مكرمة، وعلّمه أدبا، ذكر للمؤمنين ما يناسبه.
فكما بدأ الله في تأديب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذكر ما يتعلق بجانب الله، بقوله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب: ١]، وثنّى بما يتعلق بجانب العامة بقوله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً [الأحزاب: ٤٥]، كذلك بدأ في إرشاد المؤمنين بما يتعلق بجانب الله فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الأحزاب: ٤١]، ثم ثنّى بما يتعلق بجانب من تحت أيديهم بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثم، كما ثلث في تأديب النبيّ بجانب الأمة، ثلث في حق المؤمنين بما يتعلق بجانب نبيّهم، فقال بعد هذا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [الأحزاب: ٥٣]، وبقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ. انتهى.

صفحة رقم 93
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية