
الدعاة إلى الكفر أو البدعة وأتباعهم من الطغاة، وَأَمَّا رَحْمَتُهُ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ فَآمَنَهُمْ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَأَمَرَ مَلَائِكَتَهُ يَتَلَقَّوْنَهُمْ بِالْبِشَارَةِ بِالْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لمحبته لهم ورأفته بهم.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نفر من أصحابه رضي الله عنهم، وَصَبِيٍّ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّهُ الْقَوْمَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يُوطَأَ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَتَقُولُ: ابْنَيِ، ابْنِي، وَسَعَتْ فَأَخَذَتْهُ، فَقَالَ الْقَوْمُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ، قَالَ فَخَفَّضَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقال «لا، والله لَا يُلْقِي حَبِيبَهُ فِي النَّارِ» إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَكِنْ فِي صَحِيحِ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ «٢» عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً مِنَ السَّبْيِ قَدْ أَخَذَتْ صَبِيًّا لَهَا فَأَلْصَقَتْهُ إِلَى صَدْرِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ تُلْقِي وَلَدَهَا فِي النَّارِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ؟» قالوا: لا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فو الله لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» وَقَوْلُهُ تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- تَحِيَّتُهُمْ، أَيْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ أَيْ يَوْمَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ كما قال عز وجل: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨] وَزَعَمَ قَتَادَةُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّلَامِ يَوْمَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، واختاره ابن جرير. [قلت] وقد يستدل له بِقَوْلِهِ تَعَالَى: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: ١٠]. وقوله تعالى: وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً يَعْنِي الْجَنَّةَ وَمَا فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح والملاذ والمناظر، مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خطر على قلب بشر.
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٤٥ الى ٤٨]
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٤٨)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا فليح بن سليمان، حدثنا هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ الله عنهما، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ، قَالَ: أَجَلْ والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في
(٢) كتاب الأدب باب ١٨، وأخرجه مسلم في التوبة حديث ٢٢.
(٣) المسند ٢/ ١٧٤.

الْقُرْآنِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَسْتَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، ولكن يعفو ويصفح وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «١» فِي الْبُيُوعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ بِهِ. وَرَوَاهُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قِيلَ ابْنِ رَجَاءٍ، وَقِيلَ ابْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ هِلَالٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجَشُونِ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبُيُوعِ: وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ هِلَالٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقال وهب بن منبه: إن الله تعالى أَوْحَى إِلَى نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ شَعْيَاءُ: أَنْ قُمْ فِي قَوْمِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنِّي مَنْطِقٌ لِسَانَكَ بِوَحْيٍ وَأَبْعَثُ أميا من الأميين، أبعثه لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، لَوْ يَمُرُّ إِلَى جَنْبِ سِرَاجٍ لَمْ يُطْفِئْهُ مِنْ سَكِينَتِهِ، وَلَوْ يَمْشِي عَلَى الْقَصَبِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ، أَبْعَثُهُ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لَا يَقُولُ الْخَنَا، أَفْتَحُ بِهِ أَعْيُنًا كُمْهًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا، أُسَدِّدُهُ لِكُلِّ أَمْرٍ جَمِيلٍ وَأَهَبُ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ، وَأَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ، وَالْبِرَّ شِعَارَهُ، وَالتَّقْوَى ضَمِيرَهُ، وَالْحِكْمَةَ مَنْطِقَهُ، وَالصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْعَفْوَ وَالْمَعْرُوفَ خُلُقَهُ، وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ، وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ وَالْهُدَى إِمَامَهُ، وَالْإِسْلَامَ مِلَّتَهُ، وَأَحْمَدَ اسْمَهُ أَهْدِي بِهِ بَعْدَ الضلال، وَأُعَلِّمُ بِهِ بَعْدَ الْجَهَالَةِ، وَأَرْفَعُ بِهِ بَعْدَ الْخَمَالَةِ، وَأُعْرَفُ بِهِ بَعْدَ النُّكْرَةِ، وَأُكْثِّرُ بِهِ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَأُغْنِي بِهِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ، وَأَجْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَأُؤَلِّفُ بِهِ بَيْنَ أُمَمٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَقُلُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَهْوَاءٍ مُتَشَتَّتَةٍ، وَأَسْتَنْقِذُ بِهِ فِئَامًا مِنَ النَّاسِ عَظِيمَةً مِنَ الْهَلَكَةِ، وَأَجْعَلُ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، مُوَحِّدِينَ مُؤْمِنِينَ مُخْلِصِينَ مُصَدِّقِينَ لِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلِي، أُلْهِمُهُمُ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، وَالثَّنَاءَ وَالتَّكْبِيرَ وَالتَّوْحِيدَ، فِي مَسَاجِدِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ وَمَضَاجِعِهِمْ ومنقلبهم ومثواهم يصلون لي قيانا وَقُعُودًا وَيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صُفُوفًا وَزُحُوفًا، وَيُخْرِجُونَ مِنْ دِيَارِهِمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي أُلُوفًا، يُطَهِّرُونَ الْوُجُوهَ وَالْأَطْرَافَ وَيَشُدُّونَ الثِّيَابَ فِي الْأَنْصَافِ، قُرْبَانُهُمْ دِمَاؤُهُمْ، وَأَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ، رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ لُيُوثٌ بِالنَّهَارِ، وَأَجْعَلُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ السَّابِقِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ، أُمَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَهْدُونَ بالحق وبه يعدلون، وأعز مَنْ نَصَرَهُمْ وَأُؤَيِّدُ مَنْ دَعَا لَهُمْ، وَأَجْعَلُ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، أَوْ بَغَى عَلَيْهِمْ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَ شَيْئًا مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ، أَجْعَلُهُمْ وَرَثَةً لِنَبِيِّهِمْ، وَالدَّاعِيَةَ إِلَى رَبِّهِمْ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ويؤتون