
هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي ﷺ، بأنهن إذا اتقين الله عزَّ وجلَّ كما أمرهن، فإنه لا يشبهن أحد من النساء ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة، ثم قال تعالى :﴿ فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول ﴾ قال السدي : يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال، ولهذا قال تعالى :﴿ فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ أي دغل، ﴿ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾ قال ابن زيد : قولاً حسناً جميلاً معروفاً في الخير، ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها، وقوله تعالى :﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ أي إلزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية، الصلاة في المسجد بشرطه، كما قال رسول الله ﷺ :« لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهنَّ تفِلات »، وفي رواية :« وبيوتهن خير لهن » وروى الحافظ البزار عن أنس رضي الله عنه قال :« جئن النساء إلى رسول الله ﷺ فقلن : يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى، فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى؟ فقال رسول الله ﷺ :» من قعدت أو كلمة نحوها منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى « وعن النبي ﷺ قال :» إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها «، وفي الحديث :» صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها «، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى ﴾ قال مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية، وقال قتادة : كانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهى الله تعالى عن ذلك، وقال مقاتل : التبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدوا ذلك كله منها وذلك التبرج، ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج.
وقوله تعالى :﴿ وَأَقِمْنَ الصلاة وَآتِينَ الزكاة وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ ﴾ نهاهن أولاً عن الشر ثم أمرهن بالخير من إقامة الصلاة وهي عبادة الله وحده، وإيتاء الزكاة وهي الإحسان إلى المخلوقين، ﴿ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ ﴾، وهذا من باب عطف العام على الخاص، وقوله تعالى :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ نص في دخول أزواج النبي ﷺ في أهل البيت ههنا، لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولاً واحداً، روى ابن جرير عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ نزلت في نساء النبي ﷺ خاصة، وليس المراد أنهن المراد فقط دون غيرهن، فقد روى ابن أبي حاتم عن العوام بن حوشب رضي الله عنه عن ابن عم له قال :

« دخلت مع أبي على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن علي رضي الله عنه، فقالت رضي الله عنها : تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله ﷺ، وكانت تحته ابنته وأحب النا إلي؟ لقد رأيت رسول الله ﷺ دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي الله عنهم فألقى عليهم ثوباً فقال :» اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً « قالت : فدنوت منهم فقلت : يا رسول الله وأنا من أهل بيتك؟ فقال ﷺ :» تنحي فإنك على خير « ».
ورى مسلم في « صحيحه » عن يزيد بن حبان قال :« انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن سلمة إلى ( زيد بن أرقم ) رضي الله عنه، فلما جلسنا إليه قال له الحصين : لقد لقيت يا زيداً خيراً كثيراً، رأيت رسول الله ﷺ وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله ﷺ قال : يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله ﷺ، فما حدثتكم فاقبلوا وما لا، فلا تكلفوا فيه، ثم قال : قام فينا رسول الله صلىلله عليه وسلم يوماً خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال :» أما بعد ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستسمكوا به « فحث على كتاب الله عزَّ وجلَّ ورغب فيه، ثم قال :» وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي « فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال : نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال : ومن هم؟ هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس رضي الله عنهم، قال : كل هؤلاء حرم الصدقة بعده؟ قال : نعم ». والذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه سلم داخلات في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ فإن سياق الكلام معهن، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله :﴿ واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله والحكمة ﴾ أي واعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى على رسوله ﷺ في بيوتكن من الكتاب والسنّة، واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما أولاهن بهذه النعمة، فإنه لم ينزل على رسول الله ﷺ الوحي في فراش امرأة سواها، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه، فناسب أن تخصص بهذه المزية، وأن تفرد بهذه المرتبة العلية، ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية كما تقدم في الحديث :

« وأهل بيتي أحق »، وهذا يشبه ما ثبت في « صحيح مسلم » « أن رسول الله ﷺ لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يقوم فقال :» هو مسجدي هذا «، فهذا من هذا القبيل، فإن الآية إنما نزلت في مسجد قباء، كما ورد في الأحاديث الأخر، ولكن إذا كان ذاك أُسس على التقوى من أول يوم فمسجد رسول الله ﷺ أولى بتسميته لذلك والله أعلم. وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ﴾ أي بلطفه بكن بلغتن هذه المنزلة، وبخربته تتلى فيها آيات الله والحكمة، فاشكرن الله تعالى على ذلك واحمدنه ﴿ إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ﴾ أي ذا لطف بكن إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آيات الله والحكمة وهي ( السنة ) خبيراً بكن إذا اختاركن لرسوله أزواجاً؟
صفحة رقم 2030