آيات من القرآن الكريم

لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الثاني والعشرون من أجزاء القرآن الكريم
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢١ الى ٤٠]
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥)
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢٧) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠)
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (٣١) يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (٣٤) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥)
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٣٧) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠)

صفحة رقم 454

القراآت:
أُسْوَةٌ بضم الهمزة حيث كان: عاصم وعباس. الآخرون: بكسرها نضعف بالنون وكسر العين العذاب بالنصب: ابن كثير وابن عامر، وقرأ أبو عمرو ويزيد ويعقوب بالياء المضمومة والعين مفتوح وبرفع العذاب. الآخرون: مثله ولكن بالألف من المضاعفة ويعمل صالحا يؤتها على التذكير والغيبة: حمزة وعلي وخلف وافق المفضل في ويعمل الباقون: بتأنيث الأول وبالنون في الثاني. وَقَرْنَ بفتح القاف: أبو جعفر ونافع وعاصم غير هبيرة. الباقون: بكسرها. وَلا تَبَرَّجْنَ أَنْ تَبَدَّلَ بتشديد التاءين:
البزي وابن فليح أن يكون على التذكير: عاصم وحمزة وعلي وخلف وهشام. وَخاتَمَ بفتح التاء بمعنى الطابع: عاصم. الباقون: بكسرها.
الوقوف:
كَثِيراً هـ لإبتداء القصة الْأَحْزابَ لا لأن قالُوا جواب «لما» رَسُولُهُ الثاني ز لاحتمال الاستئناف والحال أوجه وَتَسْلِيماً ط عَلَيْهِ ج لابتداء التفصيل مع الفاء يَنْتَظِرُ لا لاحتمال الحال وجانب الابتداء بالنفي أرجح تَبْدِيلًا هـ لا إلا عند أبي حاتم عَلَيْهِمْ ط رَحِيماً هـ لا للآية لاحتمال كون ما بعده صفة أو استئنافا شجرها ط مع الله ط يعدلون هـ حاجِزاً ط مع الله ط لا يعلمون هـ ط خلفاء الأرض هـ ط مع الله ط ما تذكرون هـ ط رحمته ط مع الله ط يشركون ط والأرض ط مع الله ط صادقين هـ إِلَّا اللَّهَ ط يبعثون هـ عمون هـ.
التفسير:
لما فرغ من توبيخ المنافقين حث جمع المكلفين على مواساة الرسول وموازرته كما واساهم بنفسه في الصبر على الجهاد والثبات في مداحض الأقدام. والأسوة القدوة وهو المؤتسى به أي المقتدى به، فالمراد أنه في نفسه قدوة كما تقول في البيضة

صفحة رقم 455

عشرون منا حديدا أي هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد. والمراد أن فيه خصلة هي المواساة بنفسه فمن حقها أن يؤتسى بها وتتبع. قال في الكشاف: قوله لِمَنْ كانَ بدل من قوله لَكُمْ وضعف بأن بدل الكل لا يقع من ضمير المخاطب فالأظهر أنه صفة الأسوة.
والرجاء بمعنى الأمل أو الخوف. وقوله يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ كقولك: رجوت زيدا وفضله أي رجوت فضل زيد، أو أريد يرجو أيام الله واليوم الآخر خصوصا. وقوله وَذَكَرَ معطوف على كانَ وفيه أن المقتدي برسول الله ﷺ هو الذي واظب على ذكر الله وعمل ما يصلح لزاد المعاد. ثم حكى أن ما ظهر من المؤمنين وقت لقاء الأحزاب خلاف حال المنافقين. وقوله هذا إشارة إلى الخطب أو البلاء.
عن ابن عباس: كان النبي ﷺ قال لأصحابه: إن الأحزاب سائرون إليكم تسعا أو عشرا
أي في آخر تسع ليال أو عشر، فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله وقد وقع. وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ في كل ما وعد وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً بمواعيده إلا فساد همهم بقتل نبيهم. وقد عدّ في الكشاف أسماءهم منهم قدار بن سالف عاقر الناقة، وكانوا مفسدين لا يخلطون الإفساد بشيء من الإصلاح ومن جملة وَتَسْلِيماً لقضائه. وقيل: هذا إشارة إلى ما أيقنوا من أن عند الفزع الشديد يكون النصر والجنة كما قال أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا [البقرة: ٢١٤] إلى آخره. كان رجال من الصحابة نذروا أنهم إذا لقوا حربا ثبتوا مع رسول الله ﷺ حتى يستشهدوا، فمدحهم الله تعالى بأنهم صدقوا ما عاهدوا أي صدقوا الله فيما عاهدوه عليه. ويجوز أن يجعل المعاهد عليه مصدوقا على المجاز كأنهم قالوا للمعاهد عليه: سنفي بك فإذا وفوا به صدقوه فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ أي نذره فقاتل حتى قتل كحمزة ومصعب، وقد يقع قضاء النحب عبارة عن الموت لأن كل حي لا بد له من أن يموت فكأنه نذر لازم في رقبته. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الشهادة كعثمان وطلحة وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ما غير كل من الفريقين عهده. وفيه تعريض بمن بدلوا من أهل النفاق ومرضى القلب فكأنه قال: صدق المؤمنون ونكث المنافقون، فكان عاقبة الصادقين الجزاء بالخير بواسطة صدقهم، وعاقبة أصحاب النفاق التعذيب إن شاء الله إلا أن يتوبوا. وإنما استثنى لأنه آمن منهم بعد ذلك ناس وإلى هذا أشار بقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً حيث رحمهم ورزقهم الإيمان، ويجوز أن يراد يعذب المنافقين مع أنه كان غفورا رحيما لكثرة ذنبهم وقوة جرمهم ولو كان دون ذلك لغفر لهم وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم الأحزاب ملتبسين

صفحة رقم 456

بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً أي غير ظافرين بشيء من مطالبهم التي هي عندهم خير من كسر أو أسر أو غنيمة. وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بواسطة ريح الصبا وبإرسال الملائكة كما قصصنا وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهروا الأحزاب مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ والصيصية ما تحصن به ومنه يقال لقرن الثور والظبي ولشوكة الديك التي في ساقه صيصية لأن كلا منها سبب التحصن به.
روي أن جبرائيل عليه السلام أتى رسول الله ﷺ صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب على فرسه الحيزوم والغبار على وجه الفرس وعلى السرج فقال: ما هذا يا جبرائيل؟ فقال: من متابعة قريش: فجعل رسول الله ﷺ يمسح الغبار عن وجه الفرس وعن سرجه فقال: يا رسول الله إن الملائكة لم تضع السلاح إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وأنا عائد إليهم فإن الله داقهم دق البيض على الصفا، وإنهم لكم طعمة. فأذن في الناس ان من كان سامعا مطيعا فلا يصلي العصر إلا في بني قريظة، فما صلى كثير من الناس العصر إلا هناك بعد العشاء الآخرة فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنزلون على حكمي. فأبوا فقال: على حكم سعد بن معاذ فرضوا به، فقال سعد: حكمت فيهم أن تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم، فكبر رسول الله ﷺ وقال:
لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ثم أنزلهم وخندق في سوق المدينة خندقا فقدمهم وضرب أعناقهم وهم ثمانمائة إلى تسعمائة.
وقيل كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير. وإنما قدم مفعول تَقْتُلُونَ لأن القتل وقع على الرجال وكانوا مشهورين، وكان الاعتناء بحالهم أشد ولم يكن في المأسورين هذا الاعتناء بل بقاؤهم هناك بالأسر أشد لأنه لو قال و «فريقا تأسرون» فإذا سمع السامع قوله «وفريقا» ربما ظن أنه يقال بعده يطلقون أو لا يقدرون على أسرهم ولمثل هذا قدم قوله وَأَنْزَلَ على قوله وَقَذَفَ وإن كان قذف الرعب قبل الإنزال وذلك أن الاهتمام والفرح بذكر الإنزال أكثر.
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ التي استوليتم عليها ونزلتم فيها أولا وَدِيارَهُمْ التي كانت في القلاع فسلموها إليكم وَأَمْوالَهُمْ التي كانت في تلك الديار وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها قيل: هي القلاع أنفسها. وعن مقاتل: هي خيبر. وعن قتادة: كنا نحدّث أنها مكة. وعن الحسن:
فارس والروم. وعن عكرمة: كل أرض تفتح إلى يوم القيامة. وعن بعضهم: أراد نساؤهم وهو غريب. ثم أكد الوعد بفتح البلاد بقوله وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً قال أهل النظم: إن مكارم الأخلاق ترجع أصولها إلى أمرين: التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله وإليها الإشارة
بقوله عليه السلام «الصلاة وما ملكت أيمانكم» «١»
ولما أرشد نبيه إلى القسم

(١) رواه ابن ماجة في كتاب الوصايا باب ١. أحمد في مسنده (١/ ٧٨) (٣/ ١١٧).

صفحة رقم 457

الأول بقوله اتَّقِ اللَّهَ أرشده إلى القسم الآخر وبدأ بالزوجات لأنه أولى الناس بالشفقة ولهذا قدّمهنّ في النفقة. لنبن تفسير الآية على مسائل منها: أن التخيير هل كان واجبا على النبي ﷺ أم لا؟ فنقول: التخيير قولا كان واجبا بالاتفاق لأنه إبلاغ الرسالة، وأما التخيير معنى فمبني على أن الأمر للوجوب أم لا. ومنها أن واحدة منهن لو اختارت الفراق هل كان يعتبر اختيارها فراقا؟ والظاهر أنه لا يعتبر فراقا وإنما تبين المختارة نفسها بإبانة من جهة النبي ﷺ لقوله فَتَعالَيْنَ وعلى هذا التقرير فهل كان يجب على النبي ﷺ الطلاق أم لا؟
الظاهر الوجوب، لأن خلف الوعد منه غير جائز بخلاف الحال فينا فإنه لا يلزمنا الوفاء بالوعد شرعا. ومنها أن المختارة بعد البينونة هل كانت تحرم على غيره الظاهر نعم ليكون التخيير ممكنا لها من التمتع بزينة الدنيا. ومنها أن المختارة لله ورسوله هل يحرم طلاقها؟ الظاهر نعم بمعنى أنه لو أتى بالطلاق لعوتب. وفي تقديم اختيار الدنيا إشارة إلى أنه كان لا يلتفت إليهن كما ينبغي اشتغالا بعبادة ربه. وكيفية المتعة وكميتها ذكرناهما في سورة البقرة. والسراح الجميل كقوله أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [الآية: ٢٢٩] وفي ذكر الله والدار الآخرة مع ذكر الرسول ﷺ وفي قوله لِلْمُحْسِناتِ إشارات إلى أن اختيار الرسول ﷺ سبب مرضاة الله وواسطة حيازة سعادات الآخرة، وأنه يوجب وصفهن بالإحسان. والمراد بالأجر العظيم كبره بالذات وحسنه بالصفات ودوامه بحسب الأوقات، فان العظيم لا يطلق إلا على الجسم الطويل العريض العميق الذاهب في الجهات في الامتدادات الثلاثة، وأجر الدنيا في ذاته قليل، وفي صفاته غير خال عن جهات القبح كما في قوله من الضرر والثقل، وكذلك في مشروبه وغيرهما من اللذات ومع ذلك فهو منغص بالانقطاع والزوال.
ويروى أنه حين نزلت الآية بدأ بعائشة وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اختار جميعهن اختيارها فشكر ذلك لهنّ الله فأنزل لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب: ٥٢]
وروى أنه قال لعائشة إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ثم قرأ عليها القرآن فقالت: أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم قالت: لا تخبر أزواجك أني اخترتك فقال: إنما بعثني الله مبلغا ولم يبعثني متعنتا أما حكم التخيير في الطلاق فإذا قال لها: اختاري. فقالت: اخترت نفسي.
أو قال: اختاري نفسك فقالت: اخترت.
لا بد من ذكر النفس في أحد الجانبين. وقعت طلقة بائنة عند أبي حنيفة وأصحابه إذا كان في المجلس أو لم يشتغل بما يدل على الإعراض. واعتبر الشافعي اختيارها على الفور وهي عنده طلقة رجعية وهو مذهب عمر وابن

صفحة رقم 458

مسعود. وعن الحسن وقتادة والزهري: أمرها بيدها في ذلك المجلس وفي غيره. وإذا اختارت زوجها لم يقع شيء بالاتفاق لأن عائشة اختارت رسول الله ﷺ ولم يعد ذلك طلاقا.
وعن علي رضي الله عنه مثله في رواية، وفي أخرى أنه عد ذلك واحدة رجعية إذا اختارته، وإذا اختارت نفسها فواحدة بائنة.
وحين خيرهن النبي ﷺ واخترن الله ورسوله أدبهن الله وهدّدهن على الفاحشة التي هي أصعب على الزوج من كل ما تأتي به زوجته، وأوعدهن بتخفيف العذاب لأن الزنا في نفسه قبيح ومن زوجة النبي أقبح ازدراء بمنصبه، ولأنها تكون قد اختارت حينئذ غير النبي فلا يكون النبي عندها أولى من الغير ولا من نفسها، وفيه إشارة إلى شرفهن فإن الحرة لشرفها كان عذابها ضعف عذاب الأمة. وأيضا نسبة النبي إلى غيره من الرجال نسبة السادة إلى العبيد لكونه أولى بهم من أنفسهم، فكذلك زوجاته اللواتي هن أمهات المؤمنين.
وليس في قوله مَنْ يَأْتِ دلالة على أن الإتيان بالفاحشة منهن ممكن الوقوع فإن الله تعالى صان أزواج الأنبياء من الفاحشة ولكنه في قوة قوله لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: ٦٥] وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ [البقرة: ١٢٠] وقوله مِنْكُنَّ للبيان لا للتبعيض لدخول الكل تحت الإرادة. وقيل: الفاحشة أريد بها كل الكبائر. وقيل: هي عصيانهن رسول الله ﷺ ونشوزهن وطلبهن منه ما يشق عليه. وفي قوله وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً إشارة إلى أن كونهن نساء النبي لا يغني عنهن شيئا، كيف وإنه سبب مضاعفة العذاب؟
وحين بين مضاعفة عقابهن ذكر زيادة ثوابهن في مقابلة ذلك. والقنوت الطاعة، ووصف الرزق بالكرم لأن رزق الدنيا لا يأتي بنفسه في العادة وإنما هو مسخر للغير يمسكه ويرسله إلى الأغيار، ورزق الآخرة بخلاف ذلك. ثم صرح بفضيلة نساء النبي بأنهن لسن كأحد من النساء كقولك: ليس فلان كآحاد الناس أي ليس فيه مجرد كونه إنسانا بل فيه وصف أخص يوجد فيه ولا يوجد في أكثرهم كالعلم أو العقل أو النسب أو الحسب. قال جار الله: أحد في الأصل بمعنى وحد وهو الواحد، ثم وضع في النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث.
والواحد وما وراءه. والمعنى، إذا استقريت أمة النساء جماعة جماعة لم توجد منهن من جماعة واحدة تساويكن في الفضل. وقوله إِنِ اتَّقَيْتُنَّ احتمل أن يتعلق بما قبله وهو ظاهر، واحتمل أن يتعلق بما بعده أي إن كنتن متقيات فلا تجبن بقولكن خاضعا لينا مثل كلام المريبات فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أي ريبة وفجور. وحين منعهن من الفاحشة ومن مقدماتها ومما يجرّ إليها أشار إلى أن ذلك ليس أمرا بالإيذاء والتكبر على الناس بل القول المعروف عند الحاجة هو المأمور به لا غير. ثم أمرهن بلزوم بيوتهن بقوله وَقَرْنَ

صفحة رقم 459

بفتح القاف أمر من القرار بإسقاط أحد حرفي التضعيف كقوله فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة:
٦٥] وأصله «اقررن». من قرأ بكسرها فهو أمر من قر يقر قرارا أو من قر يقر بكسر القاف.
وقيل: المفتوح من قولك قار يقار إذا اجتمع. والتبرج إظهار الزينة كما مر في قوله غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ [النور: ٦٠] وذلك في سورة النور. والجاهلية الأولى هي القديمة التي كانت في أول زمن إبراهيم عليه السلام، أو ما بين آدم ونوح، أو بين إدريس ونوح، أو في زمن داود وسليمان. والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: الأولى جاهلية الكفر، والأخرى الفسق والابتداع في الإسلام. وقيل: إن هذه أولى ليست لها أخرى بل معناه تبرج الجاهلية القديمة، وكانت المرأة تلبس درعا من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال. ثم أمرهن أمرا خاصا بالصلاة والزكاة ثم عاما في جميع الطاعات، ثم علل جميع ذلك بقوله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ فاستعار للذنوب الرجس، وللتقوى الطهر. وإنما أكد إزالة الرجس بالتطهير لأن الرجس قد يزول ولم يطهر المحل بعد وأَهْلَ الْبَيْتِ نصب على النداء أو على المدح وقد مر في آية المباهلة أنهم أهل العباء النبي ﷺ لأنه أصل، وفاطمة رضي الله عنهما والحسن والحسين رضي الله عنهما بالاتفاق. والصحيح أن عليا رضي الله عنه منهم لمعاشرته بنت النبي ﷺ وملازمته إياه.
وورود الآية في شأن أزواج النبي ﷺ يغلب على الظن دخولهن فيهن، والتذكير للتغليب.
فإن الرجال وهم النبي وعلي وأبناؤهم غلبوا على فاطمة وحدها أو مع أمهات المؤمنين. ثم أكد التكاليف المذكورة بأن بيوتهن مهابط الوحي ومنازل الحكم والشرائع الصادرة من مشرع النبوة ومعدن الرسالة. ثم ختم الآية بقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً إيذانا بأن تلك الأوامر والنواهي لطف منه في شأنهن وهو أعلم بالمصطفين من عبيده المخصوصين بتأييده.
يروى أن أم سلمة أو كل أزواج النبي ﷺ قلن: يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكر النساء فنحن نخاف أن لا يقبل منا طاعة فنزلت إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ
وذكر لهن عشر مراتب: الأولى التسليم والانقياد لأمر الله، والثانية الإيمان بكل ما يجب أن يصدّق به فإن المكلف يقول أولا كل ما يقول الشارع فأنا أقبله فهذا إسلام، فإذا قال له شيئا وقبله صدق مقالته وصحح اعتقاده. ثم إن اعتقاده يدعوه إلى الفعل الحسن والعمل الصالح فيقنت ويعبد وهو المرتبة الثالثة، ثم إذا آمن وعمل صالحا كمل غيره ويأمر بالمعروف وينصح أخاه فيصدق في كلامه عند النصيحة وهو المراد بقوله وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ ثم إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يصيبه أذى فيصبر عليه كما قال في قصة لقمان وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ [الآية: ١٧] أي بسببه. ثم إنه إذا كمل في نفسه وكمل غيره قد يفتخر بنفسه

صفحة رقم 460

ويعجب بعبادته فمنعه منه بقوله وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وفيه إشارة إلى الصلاة لأن الخشوع من لوازمها قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ [المؤمنون:
١، ٢] فلذلك أردفها بالصدقة. ثم بالصيام المانع من شهوة البطن فضم إلى ذلك الحفظ من شهوة الفرج التي هي ممنوع منها في الصوم مطلقا وفي غير الصوم مما وراء الأزواج والسراري. ثم ختم الأوصاف بقوله وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً يعني أنهم في جميع الأحوال يذكرون الله يكون إسلامهم وإيمانهم وقنوتهم وصدقهم وصومهم وحفظهم فروجهم لله.
وإنما وصف الذكر بالكثرة في أكثر المواضع فقال في أوائل السورة لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً وقال في الآية وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً ويجيء بعد ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً لأن الإكثار من الأفعال البدنية متعسر يمنع الاشتغال ببعضها من الاشتغال بغيرها بحسب الأغلب، ولكن لا مانع من أن يذكر الله وهو آكل أو شارب أو ماش أو نائم أو مشغول ببعض الصنائع والحرف، على أن جميع الأعمال صحتها أو كمالها بذكر الله تعالى وهي النية. قال علماء العربية: في الآية عطفان: أحدهما عطف الإناث على الذكور، والآخر عطف مجموع الذكور والإناث على مجموع ما قبله. والأول يدل على اشتراك الصنفين في الوصف المذكور وهو الإسلام في الأول والإيمان في الثاني إلى آخر الأوصاف، والثاني من باب عطف الصفة على الصفة فيؤل معناه إلى أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات أعد الله لهم.
وحين انجر الكلام من قصة زيد إلى هاهنا عاد إلى حديثه.
قال الراوي: خطب رسول الله ﷺ زينب بنت حجش وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب على مولاه زيد بن حارثة فأبت وأبى أخوها عبد الله فنزلت وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ الآية. فقالا: رضينا يا رسول الله فأنكحها إياه وساق عنه المهر ستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر.
وقيل: نزلت في أن كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أول من هاجر من النساء وهبت نفسها للنبي ﷺ فقال: قد قبلت، وزوّجها زيدا فسخطت هي وأخوها وقالا: إنما أردنا رسول الله ﷺ فزوّجها عبده.
وقال أهل النظم: إنه تعالى لما أمر نبيه أن يقول لزوجاته إنهن مخيرات فهم منه أن النبي ﷺ لا يريد ضرر الغير فعليه أن يترك حق نفسه لحظ غيره، فذكر في هذه الآية أنه لا ينبغي أن يظن ظانّ أن هوى نفسه متبع، وأن زمام الاختيار بيد الإنسان كما في حق زوجات النبي، بل ليس لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون له اختيار عند حكم الله ورسوله، فأمر الله هو المتبع وقضاء الرسول هو الحق، ومن خالف الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا، لأن المقصود هو الله والهادي هو النبي، فمن ترك المقصد

صفحة رقم 461

وخالف الدليل ضل ضلالا لا يرعوي بعده.
ثم إن رسول الله ﷺ أبصر زينب ذات يوم بعد ما أنكحها زيدا فوقعت في نفسه فقال: سبحان الله مقلب القلوب،
وذلك أنه ﷺ لم يردها أولا، لعله أي لم يلده إلخ تأمل ولو أرادها لاختطبها.
وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لأجل رسول الله ﷺ فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي. فقال: ما لك أرى بك شيء منها؟ قال: لا والله ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها تتكبر عليّ لشرفها. فقال له: أمسك عليك زوجك واتق الله ثم طلقها بعد. فلما اعتدت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أجد أحدا أوثق في نفسي منك اخطب عليّ زينب. قال زيد:
فانطلقت فإذا هي تخمر عجينها فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أن رسول الله ﷺ ذكرها فوليتها ظهري وقلت: يا زينب أبشري إن رسول الله يخطبك. ففرحت وقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي. فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن فتزوّجها رسول الله ﷺ ودخل بها، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها، ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار
ولنرجع إلى ما يتعلق بتفسير الألفاظ. قوله لِلَّذِي يعني زيدا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بالإيمان الذي هو أجل النعم وبتوفيق الأسباب حتى تبناه رسوله وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أي بالإعتاق وبأنواع التربية والاختصاص. وقوله وَاتَّقِ اللَّهَ أي في تطليقها فلا تفارقها. نهي تنزيه لا تحريم، أو أراد اتق فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وإيذاء الزوج. والذي أخفى النبي ﷺ في نفسه هو تعلق قلبه بها أو مودّة مفارقة زيد إياها أو علمه بأن زيدا سيطلقها. وعن عائشة لو كتم رسول الله ﷺ شيئا مما أوحي إليه لكتم هذه الآية، وذلك أن فيه نوع تخالف الظاهر والباطن في الظاهر وليس كذلك في الحقيقة، لأن ميل النفس ليس يتعلق باختيار الآدمي فلا يلام عليه، ولا هو مأمور بإبدائه. والذي أبداه كان مقتضى النصح والإشفاق والخشية والحياء من قالة الناس إن قلب النبي مال إلى زوجة دعيه فبهذا القدر عوتب بقوله وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين. فلعل الأولى بالنبيّ أن يسكت عن إمساكه حذرا من عقاب الله على ترك الأولى كما سكت عن تطليقه حياء من الناس. قال جار الله: الواوات في قوله وَتُخْفِي وَتَخْشَى وَاللَّهُ للحال. ويجوز أن تكون للعطف كأنه قيل: وإذ تجمع بين قولك أمسك وإخفاء خلافه وخشية الناس وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ حتى لا تفعل مثل ذلك.
قوله فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها حاجته ولم يبق له فيها رغبة وطلقها وانقضت عدتها زَوَّجْناكَها نفيا للحرج عن المؤمنين في مثل هذه القضية فإن الشرع كما يستفاد من قول النبي ﷺ يستفاد من فعله أيضا، بل الثاني يؤكد الأول. ألا ترى أنه لما ذكر ما فهم منه حلّ

صفحة رقم 462

الضب ثم لم يأكل بقي في النفوس شيء، وحيث أكل لحم الجمل طاب أكله مع أنه لا يؤكل في بعض الملل وكذلك الأرنب. وقوله إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً يفهم منه نفي الحرج عند قضاء الوطر بالطريق الأولى. عن الخليل: قضاء الوطر بلوغ كل حاجة يكون فيها همة وأراد بها في الآية الشهوة. وقيل: التطليق. فلا إضمار على هذا وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا مكونا لا محالة. ومن جملة أوامره ما جرى من قصة زينب، ثم نزه جانب النبي ﷺ عن قالة الناس بقوله ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ أي قسم وأوجب لَهُ وسُنَّةَ اللَّهِ مصدر مؤكد لما قبله أي سن الله نفي الحرج سنة في الأنبياء الذين خلوا فكان من تحته أزواج كثيرة كداود وسليمان وسيجيء قصتهما في سورة ص. ومعنى قَدَراً مَقْدُوراً قضاء مقضيا هكذا قاله المفسرون ولعل قوله وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا إشارة إلى القضاء، وهذا الأخير إشارة إلى القدر وقد عرفت الفرق بينهما مرارا. وفي قوله وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ تعريض بما صرح به في قوله وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ والحسيب الكافي للمخاوف أو المحاسب على الصغائر والكبائر فيجب أن لا يخشى إلا هو. ثم أكد مضمون الآي المتقدمة وهو أن زيدا لم يكن ابنا له فقال ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ فكان لقائل أن يقول: أما كان أبا للطاهر والطيب والقاسم وإبراهيم فلذلك قيل مِنْ رِجالِكُمْ فخرجوا بهذا القدر من جهتين: إحداهما أن هؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال، وبهذا الوجه يخرج الحسن والحسين أيضا من النفي لأنهما لم يكونا بالغين حينئذ. والأخرى أنه أضاف الرجال إليهم وهؤلاء رجاله لا رجالهم وكذا الحسن والحسين، أو أراد الأب الأقرب. ومعنى الاستدراك في قوله وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ هو إثبات الأبوة من هذه الجهة لأن النبي كالأب لأمته من حيث الشفقة والنصيحة ورعاية حقوق التعظيم معه، وأكد هذا المعنى بقوله وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ لأن النبي إذا علم أن بعده نبيا آخر فقد ترك بعض البيان والإرشاد إليه بخلاف ما لو علم أن ختم النبوة عليه وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ومن جملة معلوماته أنه لا نبي بعد محمد ﷺ ومجيء عيسى عليه السلام في آخر الزمان لا ينافي ذلك لأنه ممن نبىء قبله وهو يجيء على شريعة نبينا مصليا إلى قبلته وكأنه بعض أمته.
التأويل:
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ أي كان في الأول مقدرا لكم متابعة رسول الله ﷺ فتعلقت قدرتنا بإخراج أرواحكم من العدم إلى الوجود عقيب إخراج روح الرسول من العدم إلى الوجود
«أول ما خلق الله نوري أو روحي»
وبحسب القرب إلى روح الرسول والبعد عنه يكون حال الأسوة، وكل ما يجري على الإنسان من بداية عمره إلى نهاية عمره من الأفعال والأقوال والأخلاق والأحوال. فمن كان يرجو الله كان عمله خالصا لوجه

صفحة رقم 463

الله تعالى، ومن كان يرجو اليوم الآخر يكون عمله للفوز بنعيم الحنان. وكل هذه المقامات مشروط بالذكر وهو كلمة «لا اله الا الله محمد رسول الله» نفيا وإثباتا، وهما قدمان للسائرين إلى الله وجناحان للطائرين بالله. وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ المجتمعين على إضلالهم وإهلاكهم من النفس وصفاتها، والدنيا وزينتها، والشيطان واتباعه قالُوا متوكلين على الله هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أن البلاء موكل بالأنبياء والأولياء ثم الأمثل فالأمثل مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ يتصرفون في الموجودات تصرف الذكور في الإناث صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ أن لا يعبدوا غيره في الدنيا والعقبى. فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ فوصل إلى مقصده وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الوصول وهو في السير وهذا حال المتوسطين وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بريح القهر أذهبت على النفوس فأبطلت شهواتها، وعلى الشيطان فردت كيده، وعلى الدنيا فأزالت زينتها. وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ أي أعانوا النفس والشيطان والهوى على القلوب من أهل الكتاب طالبي الرخص لأرباب الطلب المنكرين أحوال أهل القلوب مِنْ صَياصِيهِمْ هي حصون تكبرهم وتجبرهم، وأنزل وقعهم من حصون اعتقاد أرباب الطلب كيلا يقتدوا بهم ولا يغتروا بأقوالهم، وقذف بنور قلوبهم في قلوب النفوس والشياطين الرعب فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وهم النفس وصفاتها والشيطان وأتباعه وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وهم الدنيا وجاهها وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ لتنفقوا في سبيل الله وتجعلوها بذر مزرعة الآخرة وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها يشير إلى مقامات وكمالات لم يبلغوها فيبلغوها باستعمال الدنيا فإن ذلك بعد الوصول لا يضر لأنه يتصرف بالحق للحق. قُلْ لِأَزْواجِكَ فيه إشارة إلى أن حب الدنيا يمنعهن من صحبة النبي ﷺ مع أنهن محال النطفة الإنسانية في عالم الصورة، فكيف لا يضر حب الدنيا لأهل القلوب الذين قلوبهم أرحام النطفة الروحانية الربانية، والأجر العظيم هو لقاء الله العظيم فمن أحب غير الله وإن كان الجنة نقص من الأجر بقدر ذلك إلا محبة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن محبة الجنة بالحظ دون الحق فيها ما تشتهي الأنفس، ومحبة النبي ﷺ بالحق لا الحظ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: ٣١] ومضاعفة العذاب سقوطهن عن قرب الله وعن الجنة كما أن إيتاء الأجر مرتين عبارة عن هذين، وكان من دعاء السري السقطي: اللهم إن كنت تعذبني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب. والرزق الكريم رزق المشاهدات الربانية يا نِساءَ النَّبِيِّ هم الذين أسلموا أرحام قلوبهم لتصرفات ولاية الشيخ ليست أحوالهم كأحوال غيرهم من الخلق إِنِ اتَّقَيْتُنَّ بالله من غيره فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ لشيء من الدارين فإن كثيرا من الصادقين خضعوا بالقول لأرباب الدنيا الذين في قلوبهم مرض حب المال والجاه فاستجروهم ووقعوا في ورطة الهلاك والحجاب. فالقول المعروف وهو المتوسط الذي لا

صفحة رقم 464
غرائب القرآن ورغائب الفرقان
عرض الكتاب
المؤلف
نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري
تحقيق
زكريا عميرات
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية