وروى البخاري عن قيس بن حازم قال رايت يد طلحة شلاء وقى بها النبىّ ﷺ يوم أحد- وروى الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم من حديث الزبير مرفوعا أوجب طلحة.
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ فى العهود بِصِدْقِهِمْ اى جزاء صدقهم او بسبب صدقهم وهو الوفاء بالعهد وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ ان يموتوا على الكفر والنفاق فيعذبهم أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ان تابوا وأخلصوا دينهم لله قوله لِيَجْزِيَ متعلق بقوله صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ تعليل للمنطوق والمعرض به كانّ المنافقين قصدوا بالتبديل التعذيب كما قصد المخلصون بالوفاء الثواب إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) لمن تاب.
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا اى الأحزاب من قريش وغطفان بِغَيْظِهِمْ اى كائنين بغيظهم متغيظين لعدم نيلهم بما أرادوا لَمْ يَنالُوا خَيْراً اى ظفرا ولا مالا حال بعد حال يتداخل او يعاقب وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بالريح والملئكة وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا فى ملكه على احداث ما يريده عَزِيزاً (٢٥) فى انتقامه.
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ اى عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله ﷺ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وهم بنوا قريظة مِنْ صَياصِيهِمْ اى من حصونهم جمع صيصة وهى ما يحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبى وشوكة الديك والحائك صئصة وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ اى الخوف فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وهم الرجال فعند ابن إسحاق انهم كانوا ست مائة وبه جزم ابو عمرو فى ترجمة سعد بن معاذ وعند ابن عائذ من مرسل قتادة كانوا سبع مائة وقال السهيلي المكثر يقول انهم ما بين ثمان مائة الى تسع مائة وفى حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح انهم كانوا اربع مائة مقاتل فيحتمل فى طريق الجمع ان يقال ان الباقين كانوا اتباعا وقد حكى ابن إسحاق انه قيل انهم كانوا تسع مائة وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وهم النساء والذراري وكانوا سبع مائة وخمسين وقيل تسع مائة وذكر فى سبيل الرشاد ان السبي كان الفا من النساء والصبيان.
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ مزارعهم وَدِيارَهُمْ حصونهم وَأَمْوالَهُمْ من النقود والأجناس والمواشي وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها بعد قال مقاتل وابن زيد يعنى خيبر وقال قتادة كنا نحدث انها مكة وقال الحسن فارس والروم وقال عكرمة
كل ارض يفتح الى يوم القيامة وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢٧) فيقدر على ذلك (قصة غزوة بنى قريظة) قال محمد بن عمر عن شيوخه لما انصرف المشركون عن الخندق خاف بنوا قريظة خوفا شديدا وروى احمد والشيخان مختصرا والبيهقي والحاكم وصححه مطولا عن عائشة وابو نعيم والبيهقي من وجه اخر عنها وابن عابد عن حميد بن هلال وابن جرير عن ابن ابى اوفى والبيهقي عن عروة وابن سعد عن الماجشون وعن يزيد بن الأصم ومحمد بن عمر عن شيوخه ان رسول الله ﷺ والمسلمين لمّا رجعوا عن الخندق مجهودين وضعوا السلاح ودخل رسول الله ﷺ بيت عائشة ودعا بماء فاخذ يغسل رأسه وذكر البغوي انه ﷺ كان عند زينب بنت جحش وهى تغسل رأسه وقد غسلت شقه- قالت عائشة فسلّم علينا رجل ونحن فى البيت قال محمد بن عمر وقف موضع الجنائز فنادى عذيرك «١» من محارب فقام رسول الله ﷺ فزعا فوثب وثبة شديدة فخرج اليه فقمت فى اثره انظر من خلل الباب فاذا هو دحية الكلبي فيما كنت ارى وهو ينفض الغبار عن رأسه (فقال ابن إسحاق معتجرا بعمامة) «الاعتجار لف العمامة دون التلحي- منه رح» فقال يا رسول الله ما اسرع ما حللتم عذيرك من محارب عفا الله عنك قد وضعتم السلاح ما وضعت الملئكة منذ نزل بك العدوّ وفى لفظ منذ أربعين ليلة وما رجعنا الان الا من طلب القوم حتى بلغنا حمراء الأسد يعنى الأحزاب وقد هزمهم ان الله يأمرك بقتال بنى قريظة وانا عامد إليهم بمن معى من الملائكة لا زلزل بهم الحصون فاخرج بالناس- قال حميد بن هلال فقال رسول الله ﷺ ان فى أصحابي جهدا فلو انظرتهم أياما فقال انتهض إليهم فو الله لادقنهم كدق البيض على الصفا «الحجارة- منه رح» ثم لاضغضفنّها- «اى لاحركن- منه رح» قالت عائشة فلمّا دخل رسول الله ﷺ قلت من ذاك الرجل الذي كنت تكلمه قال ورايته قلت نعم قال بمن تشبهينه قلت بدحية الكلبي قال ذاك جبرئيل أمرني ان امضى الى بنى قريظة- قال حميد فادبر جبرئيل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار فى زقاق بنى غنم من الأنصار قال انس فيما رواه البخاري كانّى انظر الى الغبار ساطعا وقال قتادة فيما رواه ابن عابدان رسول الله ﷺ بعث يومئذ مناديا ينادى «يعنى يار كبان خيل اركبوا- منه رح» يا خيل الله اركبي وامر بلالا فاذّن
فى الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر الا ببني قريظة- وروى الشيخان عن ابن عمر والبيهقي عن عائشة وابن عقبة والطبراني عن كعب بن مالك ان رسول الله ﷺ قال لاصحابه عزمت عليكم ان لا تصلوا صلوة العصر- ووقع فى مسلم فى حديث ابن عمر صلوة الظهر الا ببني قريظة فادرك بعضهم صلوة العصر وفى لفظ صلوة الظهر فى الطريق فقال بعضهم لا نصليها حتى نأتى بنى قريظة انا لفى عزيمة رسول الله ﷺ وما علينا من اثم فصلوا العصر ببني قريظة حين وصلوها بعد غروب الشمس وقال بعضهم بل نصلى لم يرد منا ان ندع الصلاة فصلوا فذكر ذلك لرسول الله ﷺ فلم يعنف واحدا من الفريقين.
(فائدة) وجه الجمع بين حديث صلوة الظهر وصلوة العصر ان طائفة منهم راحت بعد طائفة قيل للطائفة الاولى لا يصلين الظهر الا ببني قريظة وقيل للطائفة الاخرى لا يصلين العصر- وقيل فى وجه الجمع انه ﷺ قال لاهل القوة او لمن كان منزله قريبا لا يصلين أحد الظهر وقال لغيرهم أحد العصر.
(مسئلة) هذا الحديث يدل على ان المجتهد لا اثم عليه ان اخطأ حيث لم يعنف رسول الله ﷺ على أحد من الفريقين من صلّى فى الطريق ومن لم يصل- قال فى زاد المعاد ما حاصله ان كلّا من الفريقين مأجور بقصده الا ان من صلّى فى الطريق جاز الفضيلتين فضيلة امتثال الأمر فى الاسراع فى المشي الى بنى قريظة لان المراد بامره صلى الله عليه وسلم- ان لا يصلوا الا فى بنى قريظة المبالغة فى الاسراع مجازا وفضيلة امتثال الأمر فى المحافظة على الوقت والله اعلم.
ودعا رسول الله ﷺ علىّ بن ابى طالب فدفع اليه لواءه وكان اللواء على حاله لم يحل عن مرجعه من الخندق فابتدره الناس- «اى سارعوا اليه- منه رح» قال محمد بن عمرو بن سعد وابن هشام والبلاذري استعمل رسول الله ﷺ على المدينة ابن أم مكتوم قال محمد بن عمرو خرج رسول الله ﷺ لسبع يقين من ذى القعدة قال البغوي سنة خمس من الهجرة ولبس السلاح والدرع والمغفر والبيضة وأخذ قناه «الرمح- منه رح» بيده وتقلد الترس وركب فرسه اللحيف وحف به أصحابه قد لبسوا السلاح وركبوا الخيل وكانت ستة وثلاثين فرسا فسار فى أصحابه
والخيل والرجال حوله قال ابن سعد وكان معه ثلاثة آلاف.
(مسئلة) هذه القصة تدل على جواز البداية بالقتال فى الشهر الحرام لكن خطبته ﷺ فى حجة الوداع وفيها المنع من القتال فى الأشهر الحرم متاخر عنه ولعل الله سبحانه أحل لرسوله ذلك القتال فى أشهر الحرم كما أباح له القتال فى حرم مكة ساعة من النهار عام الفتح- ويمكن ان يقال ان هذا ليس بداية بالقتال بل كانت البداية من بنى قريظة حيث ظاهروا قريشا ومن معهم والله اعلم روى الطبراني عن ابى رافع وابن عباس ان رسول الله ﷺ لما اتى بنى قريظة ركب على حمار عرى يقال له يعفور والناس حوله- وروى الحاكم والبيهقي وابو نعيم عن عائشة ومحمد بن عمرو عن شيوخه وابن إسحاق ان رسول الله ﷺ مرّ بنفر من بنى النجار بالصّورين «١» فيهم حارثة بن النعمان قد صفوا عليهم السلاح فقال هل مرّ بكم أحد قالوا نعم دحية الكلبي مرّ على بغلة عليها رحاله عليها من إستبرق وأمرنا بحمل السلاح فاخذنا سلاحنا فصففنا وقال هذا رسول الله ﷺ يطلع عليكم الان قال حارثة بن النعمان وكنا صفين فقال رسول الله ﷺ ذاك جبرئيل بعث الى بنى قريظة لتزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب فى قلوبهم وسبق على بن ابى طالب فى نفر من المهاجرين والأنصار وفيهم ابو قتادة روى محمد بن عمر عن ابى قتادة قال انتهينا الى بنى قريظة فلمّا راينا أيقنوا بالشر وغرز علىّ الراية عند اصل الحصن فاستقبلونا فى صياصيهم يشتمون رسول الله ﷺ وأزواجه قال ابو قتادة وسكتنا وقلنا السيف بيننا وبينكم وانتهى رسول الله ﷺ ونزل قريبا من حصنهم على بئرانا «٢» بأسفل حرّة «ارض ذات حجارة- منه رح» بنى قريظة فلمّا راه على رضى الله عنه رجع اليه وأمرني ان الزم اللواء فلزمته وكره ان يسمع رسول الله ﷺ اذاهم وشتمهم فقال يا رسول الله لا عليك ان لا تدنوا من هؤلاء الاخابيث فقال أتأمرني بالرجوع فقال أظنك سمعت منهم أذى قال نعم فقال لوراونى لم يقولوا من ذلك شيئا- فسار
(٢) بالضم وتخفيف النون وقيل بالفتح والتشديد كحتى- منه رح
رسول الله ﷺ وتقدّمه أسيد بن حضير فقال يا اعداء الله لا نبرح عن حصونكم حتى تموتوا جوعا انما أنتم بمنزلة ثعلب فى جحر فقالوا يا ابن الحضير نحن مواليك دون الخزرج فقال لا عهد بينى وبينكم ولا إلّ ودنا رسول الله ﷺ وترسنا عنه ونادى بأعلى صوته نفرا من اشرافهم حتى أسمعهم فقال أجيبوا يا اخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت هل أخزاكم الله انزل بكم نقمته أتشتموني فجعلوا يحلفون ما فعلنا ويقولون يا أبا القاسم ما كنت جهولا وفى لفظ ما كنت فاحشا واجتمع المسلمون عند رسول الله ﷺ عشاء وبعث سعد بن عبادة بأحمال تمر لرسول الله ﷺ فكان طعامهم قال رسول الله ﷺ نعم الطعام التمر- وغدا رسول الله ﷺ سحرا وقدّم الرماة فاحاطوا بحصون يهود وراموهم بالنبل والحجارة وهم يرمون من حصونهم حتى امسوا فباتوا حول الحصون وجعل المسلمون يعتقبون يعقب بعضهم بعضا فما برح رسول الله ﷺ براميهم حتى أيقنوا الهلكة وتركوا رمى المسلمين فقالوا دعونا نكلمكم فقال رسول الله ﷺ نعم فانزلوا نباش بن قيس فكلّم رسول الله ﷺ على ان ينزلوا على ما نزلت عليه بنوا النضير من الأموال والحلقة ونخرج من بلادك بالنساء والذراري ولنا ما حملت الإبل الا الحلقة فابى رسول الله ﷺ فقالوا تحقن دماءنا وتسلم لنا النساء والذرية ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل فابى رسول الله ﷺ الا ان ينزلوا على حكمه- وعاد نباش إليهم بذلك فلمّا عاد نباش الى قومه وأخبرهم الخبر قال كعب بن اسد يا معشر بنى قريظة والله قد نزل بكم ما ترون وانى اعرض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا ما شئتم منها قالوا وما هى قال نبائع هذا الرجل ونصدقه فو الله لقد تبين لكم انه نبى مرسل وانه الذي تجدونه فى كتابكم فتامنون به على دمائكم وأموالكم ونسائكم والله انكم لتعلمون ان محمدا نبى وما منعنا معه من الدخول الا الحسد للعرب حيث لم يكن نبيّا من بنى إسرائيل فهو حيث جعله الله تعالى- ولقد كنت كارها لنقض العهد والعقد ولكن البلاء والشوم من هذا الجالس يعنى حيى بن اخطب (وكان حيى دخل معهم فى حصنهم حين رجعت منهم قريش
صفحة رقم 316
وغطفان وفاء لكعب بن اسد بما كان عاهده عليه) أتذكرون ما قال لكم ابن جوّاس حين عليكم تركت الخمر والحمير والتأمير وحنت الى الشفاء والتمر والشعير قالوا وما ذاك- قال انه يخرج بهذه القرية نبى فان يخرج وانا حى اتبعه وانصره وان خرج بعدي فاياكم ان تخدعوا عنه فاتبعوه وكونوا أنصاره وأولياءه وقد أمنتم بالكتابين كلاهما الاول والاخر واقرءوه منى السّلام واخبروه انى مصدق به- قال فتعالوا فلنبايعه ولنصدقه فقالوا لا نفارق حكم التورية ابدا ولا نستبدل به غيره- قال فاذا أبيتم على هذه فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج الى محمد وأصحابه مصلّتين بالسيوف لم نترك ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فان نهلك نهلك ولم نترك ورائنا فصلا نخشى عليه وان نظهر فلعمرى لنجدن النساء والأبناء قالوا لا نقتل هؤلاء المساكين فما خير فى العيش بعدهم- قال فان أبيتم عن هذه فان الليلة ليلة السبت وانه عسى محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة «غفلة- منه رح» قالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان من قبلنا الا من قد علمت فاصابه ما لم يخف عليك من المسخ- فقال ما بات منكم منذ ولدته امه ليلة واحدة من الدهر جازما- فقال ثعلبة وأسيد ابنا سعية واسد بن عبيد ابن عمهم وهم نفر من هذيل ليسوا من بنى قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك وهو بنوا عم القوم يا معشر بنوا قريظة والله انكم لتعلمون انه رسول الله وان صفته عندنا حدثنا بها علماؤنا وعلماء بنى النضير هذا أولهم يعنى حيى بن اخطب مع خبر بن الهيّان اصدق الناس عندنا
هو اخبر بصفته عند موته قالوا لا نفارق التورية فلما راى هؤلاء النفر آباءهم نزلوا تلك الليلة فى صبحها فاسلموا وأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم- وقال عمرو بن سعد يا معشر يهود انكم خالفتم محمدا على ما خالفتموه عليه فنقضتم عهده الذي كان بينكم وبينه ولم ادخل فيه ولم اشرككم فى غدركم فان أبيتم فاثبتوا على اليهودية واعطوا الجزية فو الله ما أدرى يقبلها أم لا قالوا فنحن لا نقر للعرب «خرج وخراج ما يؤذى كلّ سنة- منه رح» بخرج فى رقابنا يأخذونه القتل خير من ذلك قال فانى برئ منكم وخرج تلك الليلة مع ابني سعية فمرّ بحرس رسول الله ﷺ وعليهم محمد بن سمة فقال محمد من هذا قال عمرو بن سعد قال محمد اللهم لا تحرمنى
عشرة الكرام وخلّى سبيله فخرج حتّى اتى مسجد رسول الله ﷺ فبات حتى أصبح فلمّا أصبح غدا فلم يدر اين هو حتى الساعة فسئل عنه رسول الله ﷺ فقال ذاك رجل نجاه الله بوفائه.
قال اهل المغازي ثم انهم بعثوا الى رسول الله ﷺ ان ابعث إلينا أبا لبابة (أحد بنى عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس) نستشير فى أمورنا فارسله رسول الله ﷺ إليهم فلما راوا قام اليه الرجال وجهش «اى اسرع متباليا ١٦ منه رح» اليه النساء والصبيان يبكون فى وجهه فرقّ لهم فقالوا يا أبا لبابة أترى ان ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده الى حلقه انه الذبح- قال ابو لبابة فو الله ما زالت قدماى حتى عرفت انى خنت الله ورسوله ثم انطلق ابو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله ﷺ حتى ارتبط فى المسجد على عمود من عمده وقال لا أبرح من مكانى حتى أموت او يتوب الله على ما صنعت وعاهدتّ الله ان لا أطأ ارض بنى قريظة ابدا ولا ارى فى بلد خنت الله ورسوله فيه ابدا وبلغ رسول الله ﷺ ذهابى وما صنعت فقال دعوه حتى يحدث الله فيه ما شاء لو كان جاءنى استغفرت فاذا لم يأتنى وذهب فدعوه وانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال ابو لبابة ثم ان الله انزل توبة ابى لبابة على رسول الله ﷺ وهو فى بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول الله ﷺ يضحك فقلت بم تضحك يا رسول الله اضحك الله سنك قال تيب على ابى لبابة فقلت الا أبشره بذلك قال بلى ان شئت قالت فقمت الى باب حجرتى (وذلك قبل ان يضرب عليهن الحجاب) فقلت يا أبا لبابة ابشر فقد تاب الله عليك فثار «اى قاموا- منه رح» الناس ليطلقوه قال لا والله حتى يكون رسول الله ﷺ هو الذي يطلقنى بيده فلمّا مرّ عليه رسول الله ﷺ خارجا الى الصبح أطلقه- روى حماد بن سلمة عن علىّ بن زيد بن جدعان عن على بن الحسين عليهما السلام ان فاطمة عليها السلام جاءت تحله فقال انى حلفت ان لا تحلني الا رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ ان فاطمة بضعة منى- على بن جدعان ضعيف ورواية على بن الحسين مرسلة قال ابو لبابة واذكر رؤيا رايتها فى النوم ونحن محاصرون بنى قريظة كانى فى حماة «طين اسود متغيرة- منه رح» أسنة فلم اخرج منها
حتى كدتّ أموت من ريحها ثم ارى نهرا جاريا فارانى اغتسلت فيه حتى استقيت وأراني أجد ريحا طيبا فاستعبرتها أبا بكر فقال لتدخلن فى امر تغتم له ثم يفرج عنك فكنت اذكر قول ابى بكر وانا مرتبط فارجو ان ينزل الله توبتى- قال فلم ازل كذلك حتى ما اسمع الصوت من الجهد ورسول الله ﷺ ينظر قال ابن هشام اقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته وقت كل صلوة فتحله حتى يتوضأ ويصلى ثم ترتبط- (قال ابن عقبة زعموا انه ارتبط قريبا من عشرين ليلة قال فى البداية وهذا أشبه الأقاويل وقال ابن إسحاق اقام مرتبطا خمسا وعشرين ليلة وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة او أراد ان يذهب لحاجته فاذا فرغ أعادت الرباط والظاهر ان زوجته تحله مرة وابنته اخرى وانزل الله فى توبة ابى لبابة وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- قال البغوي وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله فى قلوبهم الرعب فلما جهدهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله ﷺ فامر رسول الله ﷺ فكتفوا رباطا وجعل على كتافهم محمد بن سلمة ونحوا ناحية واخرج النساء والذرية من الحصون واستعمل عليهم عبد الله بن سلام وجمعت أمتعتهم ووجدوا فيها الفا وخمس مائة سيف وثلاث دروع والفى رمح والفا وخمس مائة ترس وجحفة وأثاثا كثيرا وآنية كثيرة وخمرا وسكرا فهريق ذلك كله ولم يخمسه ووجد من الجمال النواضح عدة ومن الماشية شيئا كثيرا فجمع هذا كله وتنحى رسول الله ﷺ وجلس- ودنت الأوس الى
رسول الله ﷺ فقالوا يا رسول الله حلفاؤنا دون الخزرج وقد رأيت ما صنعت ببني قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبيّ وهبت لهم ثلاث مائة حاسر «من لا وزع له منه رح» واربع مائة دارع «صاحب درع- منه رح» وقد ندم حلفاءنا على ما كان من نقضهم العهد فهبهم لنا ورسول الله ﷺ ساكت لم يكلم حتى أكثروا عليه وألحّوا فقال رسول الله ﷺ اما ترضون ان يكون الحكم فيهم الى رجل منكم قالوا بلى قال فذلك الى سعد بن معاذ وقال ابن عقبة قال رسول الله ﷺ اختاروا من شئتم من أصحابي فاختاروا سعد بن معاذ- وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
فى خيمة امراة من المسلمين يقال لها رفيدة فى مسجده ﷺ وكانت تداوى الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة «١» الذي ليس له من يقوم بامره وكان رسول الله ﷺ قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق اجعلوه فى خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب- فلمّا جعل رسول الله ﷺ الحكم الى سعد خرجت الأوس حتى جاءوه فحملوه على حمار عربى بشنذة «٢» من ليف وعلى الحمار قطيفة فوق الشنذة وخطامه «الخطام ما يقاد به الدابة- منه رح» من ليف وكان رجلا جسيما فخرجوا حوله يقولون يا أبا عمرو ان رسول الله ﷺ قد ولّاك امر مواليك لتحسن فيهم فاحسن فيهم فقد رايت ابن أبيّ وما صنع فى حلفائه وأكثروا وهو ساكت لا يتكلم حتّى إذا أكثروا عليه قال قد ان «بالفتح والمد ونا وقرب- منه رح» لسعدان لا يأخذه فى الله لومة لائم فقال الضحاك بن خليفة بن ثعلبة الأنصاري وا قوماه وقال غيره نحو ذلك ثم رجع الضحاك الى الأوس فنعى بهم رجال بنى قريظة قبل ان يصل إليهم سعد كلمته التي سمع منه- وفى الصحيحين فلما دنا سعد من المسجد اى الذي كان رسول الله ﷺ أعده فى بنى قريظة ايام حصارهم للصلوة قال رسول الله ﷺ قوموا الى سيدكم وفى لفظ الى خيركم فاما المهاجرون من قريش فيقولون انما أراد الأنصار واما الأنصار فيقولون عم بها رسول الله ﷺ المسلمين وعند احمد قوموا الى سيدكم فانزلوه وكان رجال من بنى عبد الأشهل يقولون قمنا له على أرجلنا صفين وفى حديث جابر عند ابن عائذ قال رسول الله ﷺ احكم فيهم يا سعد فقال الله ورسوله أحق بالحكم قال عليه السلام أمرك الله ان تحكم فيهم- وقالت الأوس الذين بقوا عنده يا أبا عمرو ان رسول الله قد ولاك الحكم فى امر مواليك فاحسن فيهم فقال سعد أترضون حكمى لبنى قريظة قالوا نعم قد رضينا بحكمك وأنت غائب اختيارا منا لك ورجاء ان تمنّ علينا كما فعل غيرك بحلفائه بنى قينقاع واثرنا عندك اثرنا وأحوج ما كان اليوم الى مجازاتك فقال سعد ما أتوكم جهدا فقالوا ما يعنى بقوله هذا ثم قال سعد عليكم عهد الله وميثاقه ان احكم
(٢) بشين معجمة فنون فذال مفتوحات شبه الا كاف يجعل لمقدمته اعوجاج ١٢ منه رحمه الله
فيهم ما حكمت قالوا نعم قال سعد وعلى من هاهنا للناحية التي فيها رسول الله ﷺ وهو معرض عنها إجلالا لرسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ نعم قال سعد فانى احكم فيهم ان يقتل كل من جرين عليه الموسى وتسبى النساء والذرية وتقسم أموالهم ويكون الديار للمهاجرين والأنصار- فقال رسول الله ﷺ لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة «السموات قال اى الأعز اتى سموما بالرقيع لانها مرقومة بالنجوم منه رح» ارقعة- وفى رواية قال عليه السلام بذلك طرقنى الملك سحرا- وكان سعد بن معاذ فى الليلة التي فى صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله ﷺ قد دعا اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش فابقنى لها فانى لا قوم احبّ الىّ ان أقاتلهم من قوم كذبوا رسولك وآذوه وأخرجوه وان كانت الحرب قد وضعت أوزارها عنّا وعنهم فاجعله لى شهادة ولا تمتنى حتى تقر عينى من بنى قريظة فاقر الله سبحانه عينيه منهم.
فانصرف رسول الله ﷺ يوم الخميس لتسع ليال وقيل لخمس خلون من ذى الحجة وامر بهم رسول الله ﷺ فحبسوا فى دار رملة بنت الحارث من بنى النجار- فلمّا أصبح رسول الله ﷺ غدا الى سوق المدينة التي هى سوقها اليوم فامر بأخدود فخذت فى السوق ما بين موضع دار ابى الجهم العدوى الى أحجار الزيت بالسوق فكان أصحابه يحضرون وجلس رسول الله ﷺ ومعه أصحابه ودعا برجال بنى قريظة فكانوا يخرجون يضرب أعناقهم فى تلك الخنادق فقالوا لكعب بن اسد وهم يذهب بهم الى رسول الله ﷺ إرسالا يا كعب ما ترى محمدا يصنع بنا قال ما يسوءكم ويلكم على كل حال لا تعقلون الا ترون الداعي لا ينزع وانه من ذهب منكم لا يرجع هو والله السيف قد دعوتكم الى غير هذا فابيتم قالوا ليس هذا بحين عتاب لولا انا كرهنا ان نرمى برأيك ما دخلنا فى نقض العهد الذي كان بيننا وبين محمد قال حيى بن اخطب اتركوا التلاوم فانه لا يرد عنكم شيئا واصبروا للسيف وكان الذي قتلهم على بن ابى طالب والزبير بن العوام رضى الله عنهما ثم اتى حيى بن اخطب مجموعة يداه الى عنقه عليه حلة فقاحية قد لبسها للقتل ثم عمد إليها فشقها انملة انملة
لئلا يسلبه إياها أحد فقال رسول الله ﷺ حين اطلع الم يمكنى الله منك يا عدو الله قال بلى والله انا ما لمت نفسى فى عداوتك وقد التمست العز فى مظانة فابى الله الا ان يمكنك منى ولقد قلقلت «حركت- منه رح» كل مقلقل ولكنه من يخذل الله يخذل ثم اقبل على الناس فقال ايها الناس لا بأس بامر الله كتاب الله وقدره ملجمة «القتل وموضعه- منه رح» على بنى إسرائيل ثم جلس فضرب عنقه- فقال رسول الله ﷺ أحسنوا أساراهم وأقيلوهم واسقوهم حتى يبردوا فاقتلوا من بقي لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السيف وكان يوما صائفا فقيلوهم وسقوهم فلمّا أبرد وأراح رسول الله ﷺ فقتل من بقي واتى رسول الله ﷺ بكعب بن اسد فقال رسول الله ﷺ ما تنفعتم بنصح ابن جوّاس لكم وكان مصدقا بي اما أمركم باتباعى وان رايتمونى ان تقرءونى منه السلام قال بلى والتورية يا أبا القاسم ولولا ان يعيرنى اليهود بالجزع من السيف لاتبعتك ولكنه على دين يهود قال رسول الله ﷺ قدمه فاضرب عنقه وامر رسول الله ﷺ بقتل كل من أنبت منه روى احمد واصحاب السنن عن عطية القرظي قال كنت غلاما فوجدونى لم أنبت فخلّوا سبيلى وروى الطبراني عن اسلم الأنصاري قال جعلنى رسول الله ﷺ على أسارى بنى قريظة فكنت انظر الى فرج الغلام فان رايته أنبت ضربت عنقه وان لم أره جعلته فى مغانم المسلمين وكان رفاعة بن شمول القرظي رجلا قد بلغ فلاذ بسلمى بنت قيس أم المنذر اخت سليط بن قيس وكانت احدى خالات النبي ﷺ يعنى خالة جده عبد المطلب فان امه كانت من بنى النجار وكانت سلمى قد صلّت للقبلتين فقالت يا نبى الله بابى أنت وأمي هب لى رفاعة فانه زعم سيصلّى ويأكل لحم الجمل فوهبه لها فاستحيته فاسلم بعد ولم تزل ذلك الداب حتى قتلوا الى ان غاب الشفق ثم رد عليهم التراب فى الخندق كل ذلك بعين سعد بن معاذ فاستجاب الله دعوته رضى الله عنه- ولم يقتل من نسائهم الا امرأة واحدة من بنى النضير يقال لها بنانة كانت تحت رجل من بنى قريظة يقال له الحكم وكان يحبها وتحبه فلما اشتد عليهم الحصار بكت اليه وقالت انك لمفارقى فقال هو والتورية ما ترين وأنت
صفحة رقم 322
امرأة فدلّى عليهم هذه الرحى فانا لم نقتل منهم أحدا بعد وأنت امرأة وان يظهر محمد علينا فانه لا يقتل النساء وانما اكره ان تسبى فاحبّ ان تقتل وكانت فى حصن الزبير بن باطا فدلّت الرحى من فوق الحصن وكان المسلمون ربما جلسوا تحت الحصن يستظلون فى فيئة فلمّا راها القوم انفضوا
وتدرك خلاد بن سويد فتشدخ رأسه ومات- روى عروة عن عائشة انها قالت والله انها لعندى تحدث وتضحك ظهرا لبطن ورسول الله ﷺ يقتل رجالهم بالسيوف وفى رواية وهى تقول سراة بنى قريظة يقتلون إذ هتف هاتف باسمها اين فلانة قالت انا والله قلت ويلك مالك قالت اقتل قلت لم قالت حدث أحدثته قالت فانطلقت فضرب عنقها بخلاد بن سويد وكانت عائشة تقول لا انسى طيب نفس بنانة كثرة ضحكها وقد عرفت انها تقتل.
(مسئلة) هذا الحديث حجة لمن حكم بالقصاص على القتل بالمثقل وعليه الجمهور وقال ابو حنيفة لا قصاص بالمثقل ولو رماه بابا قبيس لقوله ﷺ لا تود فى النفس وغيره الا بحديدة وقد مرّ الخلاف فى هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ- وروى محمد بن إسحاق عن الزهري ان الزبير بن باطا القرظي وكان يكنى أبا عبد الرحمن قدم على ثابت بن قيس بن شماس فى الجاهلية يوم بعاث لاخذه فجر ناصية ثم خلّى سبيله فجاءه يوم قريظة وهو شيخ كبير فقال ثابت يا أبا عبد الرحمان هل تعرفنى قال وهل يجهل مثلى لمثلك قال انى أريد ان أجزيك بيدك عندى قال ان الكريم يجزى قال ثم اتى ثابت رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله قد كان للزبير عندى يد وله على منة فاحببت ان أجزيه بها فهب لى دمه فقال رسول الله ﷺ هو لك فاتاه فقال له ان رسول الله ﷺ قد وهب لى دمك قال شيخ كبير لا اهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة فاتى ثابت رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله اهله وولده قال فهم لك فاتاه فقال له ان رسول الله ﷺ أعطاني امرأتك وولدك فهم لك قال اهل بيت فى الحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فاتى ثابت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال ما له يا رسول الله قال هو لك فقال ان رسول الله ﷺ أعطاني مالك فهو لك- فقال اى ثابت ما فعل الذي كان وجهه مراة صينية «منسوبة الى الصين- منه رح» حسنة يتراى فيه عذار الحي كعب بن اسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادي سيد الحيّين كليهما يحملهم فى الحرب ويطعهم فى المحل حيى بن اخطب قال قتل قال فما فعل «مقدمته الحرب ادلة- منه رح» مقدمتنا إذا شددنا وحاشيتنا إذا كررنا عزّالة بن شمول قال قتل- قال فما فعل المجلسان يعنى بنى كعب بن قريظة وبنى عمرو ابن قريظة قال ذهبوا فقتلوا- قال فانى أسئلك بيدي عندك يا ثابت الا ما ألحقتني بالقوم فو الله ما فى العيش بعد هؤلاء من خير ارجع الى دار قد كانوا حلولا فيها فاخلد فيها بعدهم لا حاجة لى فى ذلك ولكنى يا ثابت انظر الى امراتى وولدي فاطلب الى صاحبك فيهم ان يطلقوا وان يردوا أموالهم فطلب ثابت من النبي ﷺ اهل الزبير وماله وولده فرد رسول الله ﷺ اهله وماله الا السلاح- قال الزبير يا ثابت أسئلك بيدك عندى الا ألحقتني بالقوم فما انا بصابر لله فتلة «١» دلو ناضح حتى القى الا حبة- قال ابن إسحاق فقدمه ثابت فضرب عنقه وقال محمد بن عمر قال ثابت ما كنت لا قتلك قال الزبير لا أبالي من قتلنى فقتله الزبير بن العوام رضى الله عنه- ولمّا بلغ أبا بكر الصديق رضى الله عنه قوله" القى الاحبة" قال يلقاهم فى نار جهنم خالدا مخلدا.
ثم قسم اموال بنى قريظة ونساءهم وأموالهم على المسلمين وكان أول فئى وقع فيه السهمان وكان المسلمون ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثين وكان سهمان الخيل والرجال على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما للفرس سهمان ولصاحبه سهم وقاد رسول الله ﷺ ثلاثة افرس فلم يضرب السهم الا لفرس واحد- وهذا حجة لابى حنيفة ومالك والشافعي حيث قالوا لا سهم الا لفرس واحد وقال ابو يوسف ومحمد واحمد يسهم لفرسين ولا يسهم لاكثر من ذلك اجماعا وقد مرّ
المسألة فى سورة الأنفال- وأسهم رسول الله ﷺ لخلاد بن سويد وقد قتل تحت الحصن وأسهم لسنان بن محصن ومات ورسول الله ﷺ محاصرهم وكان يقاتل مع المسلمين- وهذا حجة للائمة الثلاثة حيث قالوا الغنيمة لمن شهد الوقعة وان مات قبل هزيمة الكفار وإحراز الغنيمة بدار الإسلام وقد روى ابن ابى شيبة بسند صحيح الغنيمة لمن شهد الوقعة موقوفا على عمر وأخرجه الطبراني مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح وروى الشافعي موقوفا على ابى بكر وفيه انقطاع وقال ابو حنيفة لا يتاكد الحق فى الغنيمة الا بالاحراز بدار الإسلام فمن مات او قتل قبل الاحراز لا سهم له ولا يورث منه- والمدد إذ الحق بدار الحرب بعد الوقعة قبل الاحراز بدار الإسلام يسهم لهم وقد مر مسئلة المدد فى سورة الأنفال.
(مسئلة) وفى هذه القصة حجة للجمهور على ابى حنيفة حيث قالوا للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وقال ابو حنيفة سهم له وسهم لفرسه وقد مرّ المسألة فى سورة الأنفال والله اعلم.
(فائدة) أخذ رسول الله ﷺ من السبي خمسا فكان يعتق ويهب منه من أراد وكذلك النخل عزل خمسه وكل ذلك يسهم عليه خمسة اجزاء وصار الخمس الى محمية بن جز الزبيدي ثم قسم اربعة أخماس على الناس واعطى رسول الله ﷺ النساء اللاتي حضرن القتال ولم يسهم لهن وهن صفية بنت عبد المطلب وأم عمارة نسية وأم سليط وأم العلاء الانصارية والسميرى بنت قيس وأم سعد بن معاذ وكبشة بنت رافع- وبعث رسول الله ﷺ طائفة مع السبايا مع سعد بن عبادة يشترى بهم سلاحا وخيلا كذا قال محمد بن عمر وقال ابن إسحاق بعث سعد بن زيد الأنصاري الأشهلي بسبايا من بنى قريظة فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا- واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمان بن عوف طائفة فاقتسما يقال لما قسم جعل الشوابّ على حدة والعجائز على حدة ثم خير عبد الرحمان عثمان فاخذ العجائز فربح عثمان مالا كثيرا وذلك لانه كان يوجد عند العجائز من المال ولم يوجد عند الشواب- قال ابن سيرة وانما لم يؤخذ ما جاءت به العجائز فيكون فى الغنيمة لانه لم يوجد معهن الا بعد شهر او شهرين- وجعل عثمان على كل من اشتراه من سبيهم شيئا
موقتا فمن جاء منهن بالذي وقت لهن عتق فلم يتعرض لهن- ونهى رسول الله ﷺ ان يفرق فى القسم والبيع بين النساء والذرية وقال لا يفرق بين الام وولدها حتى يبلغ قيل يا رسول الله ما بلوغه قال تحيض الجارية- ويحتلم الغلام- رواه الحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت عنه ﷺ قال لا تفرقوا بين الام وولدها فقيل الى متى قال الى ان يبلغ الغلام وتحيض الجارية- وقال ابن الجوزي قال الدار قطنى فى سنده عبد الله بن عمر بن حسان ضعيف الحديث رماه على بن المديني بالكذب وروى الترمذي عن ابى أيوب الأنصاري قال سمعت رسول الله ﷺ يقول من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة- وقال الترمذي حديث حسن غريب وصححه الحاكم على شرط مسلم وفيه نظر لان فى سنده حيى بن عبد الله ولم يخرجه فى الصحيح واختلف فيه ولذا لم يصححه الترمذي وروى الحاكم فى المستدرك عن عمران بن حصين قال قال رسول الله ﷺ ملعون من فرق بين والدة وولدها- وقال اسناده صحيح وفيه طليق بن محمد يرويه تارة عنه عن عمران بن حصين وتارة عنه عن ابى بردة وتارة عن طليق عن النبي ﷺ مرسلا- قلت ويمكن الجمع بان طليقا لعله سمعه عمران وعن ابى بردة كليهما فيرويه تارة عنه وتارة عنه وتارة مرسلا وقال ابن القطان لا يصح الحديث لان طليقا لا يعرف حاله قال ابن همام يريد خصوص ذلك والا فللحديث طرق كثيرة وشهرة وألفاظه توجب صحة المعنى المشترك وهو منع التفريق وروى الدار قطنى بسنده عن ميمون بن ابى شعيب عن على عليه السلام انه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي ﷺ عن ذلك فرد البيع- ورواه ابو داود ورده بالانقطاع بين ميمون ابن ابى شعيب وعلى قال ابن الهمام ان الإرسال عندنا لا يضر ورواه الحاكم وصحح اسناده ورجحه البيهقي.
(مسئلة) ومن هاهنا قال ابو حنيفة لا يجوز ان يفرق بالبيع او الهبة او نحوهما بين مملوكين صغيرين وكذا بين صغير وكبير يكون بينهما رحم ومحرمية وكذا بين كبيرين كذلك عند احمد وقال مالك لا يفرق بين الام وولدها خاصة وقال الشافعي لا يفرق بين صغير وبين أبويه وان عليا- وجه قول مالك ان الحديث المذكور ورد
فى المنع من التفريق بين الام وولدها خاصة والحق الشافعي بالأم الأصول مطلقا- ووجه قول ابى حنيفة واحمد فى المنع من التفريق بين اثنين بينهما رحم ومحرمية ان فى بعض الأحاديث ورد المنع فى غير الأصول والفروع ايضا عن على عليه السّلام قال وهب لى رسول الله ﷺ غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال رسول الله ﷺ يا على ما فعل غلامك فاخبرته قال رده رده قال الترمذي حديث حسن غريب وتعقبه ابو داود بانه من رواية ميمون بن ابى شعيب عن على وهو لم يدرك عليّا قلنا فهو مرسل والمرسل عندنا حجة وأخرجه الحاكم والدار قطنى من طريق اخر عن عبد الرحمان بن ابى ليلى عن على قال قدم على النبي ﷺ سبىّ فامرنى ببيع أخوين فبعتهما وفرقت بينهما ثم أتيت النبي ﷺ فاخبرته فقال أدركها فارتجعهما ولا تبعهما الا جميعا ولا تفرق بينهما وصححه الحاكم على شرط الشيخين ونفى ابن القطان العيب عنه وقال هو اولى ما اعتمد عليه فى هذا الباب ومن طريق اخر عند احمد والبزار قال ابن همام فيه انقطاع لكن لا يضر على أصلنا على ما عرف وروى الدار قطنى عن طليق بن عمران عن ابى بردة عن ابى موسى قال لعن رسول الله ﷺ من فرق بين الوالدة وولدها وبين الأخ وأخيه وإذا ثبت المنع من التفريق بين أخوين ايضا ظهر ان علة المنع الرحم مع المحرمية ولا يمنع من التفريق المحرمية بالرضاع ونحو ذلك ولا رحم بلا محرمية كابن العم لانه ليس فى معناه.
(مسئلة) من فرق بين والدة وولدها يأثم لكن ينعقد البيع وينفذ عند ابى حنيفة ومحمد وعند مالك والشافعي واحمد لا ينعقد بل هو باطل وكذا لا ينعقد البيع فى غير قرابة الولاد ايضا عند احمد وقال ابو يوسف يفسد البيع فى قرابة الولاد خاصة وعنه انه يفسد مطلقا سواء كان قرابة ولاد او غيرها ومبنى الخلاف على خلافية اصولية فان النهى عن الشرعيات بلا قرينة يوجب البطلان عندهم ويوجب الفساد عند ابى حنيفة وصاحبيه لكن أبا حنيفة ومحمدا قالا ان النهى فى هذا البيع انما هو لمعنى مجاور كالبيع وقت أذان الجمعة فلا يوجب الفساد بخلاف ما كان لوصف لازم- وجه قول ابى يوسف انه ﷺ امر عليّا برد البيع والارتجاع وذا لا يمكن
الا عند فساد العقد وحمل ابو حنيفة الارتجاع على طلب الا قالة.
(مسئلة) يجوز التفريق ان كانا بالغين كما يدل عليه حديث عبادة بن الصامت وقال احمد لا يجوز عملا بإطلاق الاخبار المذكورة وردّ ابن الجوزي حديث عبادة كما ذكرنا ولنا ايضا حديث سلمة بن الأكوع قال خرجنا مع ابى بكر فغزونا فزارة الى ان قال فجئت بهم الى ابى بكر وفيهم امرأة معها ابنة لها من احسن العرب فنفلنى ابو بكر ابنتها فقدمت المدينة فقال النبي ﷺ يا سلمة هب لى المرأة قلت هى لك فقدى بها أسارى ثلاثة- وما روى انه ﷺ فرق بين مارية القبطية أم ابراهيم بن رسول الله ﷺ وسيرين أختها أهداهما المقوقس ملك الاسكندرية الى رسول الله ﷺ فوهب رسول الله ﷺ سيرين لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمان بن حسان- ذكر الحديث ابن عبد البر فى الاستيعاب وذكر البزار ان هذا الحديث فى صحيح ابن خزيمة والله اعلم.
(مسئلة) إذا كان مع الصغير أبواه لا يبيع واحدا منهم ولو كان أم وأخ او أم وعمة او خالة او أخ جاز البيع سوى الام فى ظاهر الرواية لان شفقة الام تغنى عمن سواه ولو كان له ستة اخوة ثلاثة كبار وثلاثة صغار فباع مع كل صغير كبيرا جاز ولو كان مع الصغير جدة وعمة وخالة جاز بيع العمة والخالة ولو كان معه عمة وخالة بدون جدة لا يباع الا معا- والأصل انه إذا كان معه عدد بعضهم ابعد من بعض جاز البيع سوى الأقرب وان كانوا فى درجة واحدة فان كانوا من جنسين مختلفين كالاب والام والخالة والعمة لا يفرق بل يباع الكل او يمسك الكل وان كانوا من جنس واحد كالاخوين والعمين جاز ان يمسك مع الصغير واحدا منهم ويبيع ما سواه والله اعلم.
(مسئلة) ذكر فى سبيل الرشاد انه كان يباع الام وولدها الصغار من سبى بنى قريظة من اليهود ومن المشركين من العرب وإذا كان الولد صغيرا ليس معه أم لم يبع من المشركين ولا من اليهود الا من المسلمين وذا لان الصغير إذا سبى مع أحد أبويه يعتبر كافرا فيجوز بيعه من الكافر مشركا كان او يهوديا فان الكفر ملة واحدة-
وان سبى لا مع أحد أبويه يعتبر مسلما بتبعية الدار والله اعلم واستشهد يوم بنى قريظة خلاد بن سويد ومنذر بن محمد.
(فائدة) اصطفى رسول الله ﷺ لنفسه ريحانة بنت زيد بن عمرو بن حذافة من بنى النضير المتزوجة فى بنى عمرو بن قريظة وكانت جميلة فعرض عليها الإسلام فابت فعزلها ووجد فى نفسه فارسل الى ابن سعية فذكر له ذلك فقال ابن سعية فداك ابى وأمي هى تسلم فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها لا تبتغى قومك فقد رايت ما ادخل عليهم حيى بن اخطب فاسلمى يصطفيك رسول الله ﷺ فاجابت الى ذلك فبينا رسول الله ﷺ فى أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال ان هاتين لنعلا ابن سعية يبشرنى بإسلام ريحانة فجاءه فقال يا رسول الله لقد أسلمت ريحانة فسرّ رسول الله ﷺ بذلك وكانت عند رسول الله ﷺ حتى توفى عنها وهى فى ملكه وقد كان رسول الله ﷺ يحرص عليها ان يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركنى فى ملكك فهو أخف علىّ وعليك فتركها والله اعلم.
(فائدة) ولمّا انقضى شأن بنى قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ قالت عائشة فحضره رسول الله ﷺ وابو بكر وعمر فو الذي نفس محمد بيده انى لا عرف بكاء ابى بكر من بكاء عمرو انى لفى حجرتى وكانوا كما قال الله تعالى رحماء بينهم.
(مناقب سعد بن معاذ) عن انس قال لمّا حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون ما أخف جنازته وذلك لحكمه فى بنى قريظة فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال ان الملائكة كانت تحمله- رواه الترمذي وعن جابر قال سمعت النبي ﷺ يقول اهتز عرش الرحمان لموت سعد بن معاذ- متفق عليه وعن البراء ابن عازب قال أهديت لرسول الله ﷺ حلة حرير فجعل أصحابه يمسونها ويتعجبون من لينها فقال أتعجبون من لين هذا لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة خير منها وألين- متفق عليه- ذكر البغوي وغيره ان ازواج النبي ﷺ سالنه من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة فى النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن رسول الله