آيات من القرآن الكريم

وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ

اللُّؤْلُؤُ، وَآنِيَتُهَا اللُّؤْلُؤُ، وَتُرَابُهَا الْمِسْكُ، وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خطر على قلب بشر، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ الآية.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عن الغطريف عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّوحِ الْأَمِينِ قَالَ «يُؤْتَى بِحَسَنَاتِ الْعَبْدِ وَسَيِّئَاتِهِ يُنْقَصُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ بَقِيَتْ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ وَسَّعَ اللَّهُ لَهُ في الجنة، قال: فدخلت على بزداد فَحَدَّثَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَقُلْتُ فَأَيْنَ ذَهَبَتِ الْحَسَنَةُ؟ قَالَ أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ الآية، قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ قَالَ: الْعَبْدُ يعمل سرا أسره إلى لله لَمْ يَعْلَمْ بِهِ النَّاسُ، فَأَسَرَّ اللَّهُ لَهُ يوم القيامة قرة أعين.
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١٨ الى ٢٢]
أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَدْلِهِ وَكَرَمِهِ أَنَّهُ لَا يُسَاوِي فِي حُكْمِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِآيَاتِهِ مُتْبِعًا لِرُسُلِهِ، بِمَنْ كَانَ فَاسِقًا أي خارجا عن طاعة ربه، مكذبا لرسل الله إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ
[الْجَاثِيَةِ: ٢١] وَقَالَ تَعَالَى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ
[ص: ٢٨] وَقَالَ تَعَالَى:
لَا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ [الحشر: ٢٠] الآية، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى هَاهُنَا أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ أَيْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَلِهَذَا فَصَّلَ حُكْمَهُمْ فَقَالَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَيْ صَدَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَعَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا وَهِيَ الصَّالِحَاتُ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى أَيِ الَّتِي فِيهَا الْمَسَاكِنُ وَالدُّورُ وَالْغُرَفُ الْعَالِيَةُ نُزُلًا أَيْ ضِيَافَةً وَكَرَامَةً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا أَيْ خَرَجُوا عَنِ الطَّاعَةِ فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ، كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا، كَقَوْلِهِ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها [الحج: ٢٢] الآية قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: «وَاللَّهِ إِنَّ الْأَيْدِيَ لَمُوثَقَةٌ، وَإِنَّ الْأَرْجُلَ لَمُقَيَّدَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَبَ لَيَرْفَعُهُمْ، والملائكة تقمعهم

(١) تفسير الطبري ١٠/ ٢٤٣.

صفحة رقم 329

وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وتوبيخا.
وقوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي بِالْعَذَابِ الْأَدْنَى مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَأَسْقَامَهَا وَآفَاتِهَا، وَمَا يَحِلُّ بِأَهْلِهَا مِمَّا يَبْتَلِي اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ لِيَتُوبُوا إِلَيْهِ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالضَّحَّاكِ وَعَلْقَمَةَ وَعَطِيَّةَ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ وَخَصِيفٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: يَعْنِي بِهِ إِقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي بِهِ عَذَابَ الْقَبْرِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ قَالَ: سُنُونَ أَصَابَتْهُمْ.
وَقَالَ عَبْدُ الله ابن الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قتادة عن عروة عن الحسن العوفي عن يحيى الْجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ قال: القمر وَالدُّخَانُ قَدْ مَضَيَا وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ «١»، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ مَوْقُوفًا نَحْوَهُ. وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ «٢» عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الْعَذَابُ الْأَدْنَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. قَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: لَمْ يَبْقَ بَيْتٌ بِمَكَّةَ إِلَّا دَخَلَهُ الْحُزْنُ عَلَى قَتِيلٍ لَهُمْ أَوْ أَسِيرٍ، فَأُصِيبُوا أَوْ غَرِمُوا، وَمِنْهُمْ من جمع له الأمران.
وقوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها أَيْ لَا أَظْلِمُ مِمَّنْ ذَكَّرَهُ اللَّهُ بِآيَاتِهِ وَبَيَّنَهَا لَهُ وَوَضَّحَهَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَرَكَهَا وَجَحَدَهَا وَأَعْرَضَ عَنْهَا وَتَنَاسَاهَا كَأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا.
قال قتادة: إِيَّاكُمْ وَالْإِعْرَاضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ فَقَدِ اغْتَرَّ أَكْبَرَ الْغِرَّةِ، وَأَعْوَزَ أَشَدَّ الْعَوَزِ، وَعَظَّمَ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُتَهَدِّدًا لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ أَيْ سَأَنْتَقِمُ مِمَّنْ فعل ذلك أشد الانتقام.
وروى ابْنُ جَرِيرٍ «٣» : حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سمعت رسول الله يَقُولُ: ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ أَجْرَمَ: مَنْ عَقَدَ لِوَاءً فِي غَيْرِ حَقٍّ، أَوْ عَقَّ وَالِدَيْهِ، أَوْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ يَنْصُرُهُ فَقَدْ أَجْرَمَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ بِهِ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جدا.

(١) أخرجه مسلم في صفات المنافقين حديث ٤٢، وأحمد في المسند ٥/ ١٢٨.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ٤٤، باب ١.
(٣) تفسير الطبري ١٠/ ٢٤٩.

صفحة رقم 330
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية