
وقال قتادة: الفساد الشرك.
وعن ابن عباس أنه قال: الفساد نقصان البركة بأعمال العباد حتى يتوبوا.
فالمعنى على هذا: ظهر الجدب في البر والبحر، وظهور الفساد في البحر انقطاع مادة صيده وذلك بذنوب بني آدم.
وقال الحسن: أفسد الله بذنوبهم بَرَّ الأرض وبحرها بأعمالهم الخبيثة لعلهم يرجعون، أي: يرجع من يأتي بعدهم.
ثم قال تعالى: ﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الذي عَمِلُواْ﴾ أي: ليصيبهم بعقوبة بعض ذنوبهم.
﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي: ينيبون إلى ترك المعاصي ويتوبون.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض فانظروا﴾ الآية. هي مثل " أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ " في أول السورة. وقد تم تفسيرها.
ومعنى ﴿كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ﴾ أي: مثلكم يا قريش.
قوله تعالى ذكره: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القيم﴾ إلى قوله: ﴿فَهُمْ مُّسْلِمُونَ﴾.
أي: اتبع يا محمد الدين أمرك الله به فهو المستقيم.
فالمعنى: أسلم على الدين القيم واعمل به أنت ومن اتبعك من قبل ان ينقطع وقت العمل بالموت وقيام الساعة. والخطاب للنبي ﷺ والمراد أمته.

﴿مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله﴾ أي: لا بد من إتيانه وهو يوم القيامة.
﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ أي: يتفرقون في ذلك اليوم، فريق في الجنة وفريق في السعير.
يقال: تصدع القوم إذا تفرقوا، ومنه الصداع لأنه تفرق شعب الرأس.
ثم قال تعالى ذكره ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ أي: إثم وزره.
﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً﴾ أي: من آمن وأدى ما افترض الله عليه.
﴿فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ أي: فلأنفسهم يستعدون ويوطئون.
قال مجاهد: يمهدون في القبر.
ثم قال: ﴿لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِن فَضْلِهِ﴾ أي: يومئذ يتفرقون ليجزي المؤمنين من فضله، أي: يومئذ يتفرقون لهذا الأمر، فيخص بالجزاء المؤمنين خاصة لأنه لا يحب الكافرين.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ﴾ بالغيث.
﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ أي: ولينزل عليكم من رحمته، وهي الغيث الذي يحيي به البلاد.
﴿وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ﴾ أي: السفن في البحر بأمره إياها.

﴿وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ أي: تلتمسوا من رزقه الذي قسمه في سفركم في البحر.
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي: تشكرون على هذه النعم.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بالبينات﴾ هذه الآية تسلية للنبي ﷺ إذ كذبه قريش، فأعمله الله أنه قد أَرْسَل من قبله رسلاً إلى قومهم كما أرسله إلى قومه، وأن أولئك الرسل أَتَوْا أقوامهم بالبينات، أي: بالحجج الظاهرة كما جئت أنت يا محمد قومك بذلك.
﴿فانتقمنا مِنَ الذين أَجْرَمُواْ﴾ في الكلام حذف والتقدير فكذبوا الرسل فانتقمنا من المكذبين، فكذلك تفعل بقومك يا محمد في تكذيبهم إياك.
﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين﴾ أي: ونجينا المؤمنين إذ جاء بأسنا، وكذلك نفعل بك يا محمد ومن آمن بك.
وقيل: المعنى: وكان حقاً علينا نصر المؤمنين على الكافرين، فكذلك ننصرك ومن آمن بك على الكافرين من قومك.
وفي الحديث: " مَنْ رَدَّ عَلَى عِرْضِ صَاحِبِهِ رَدَّ الله عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ ثُمَّ تَلَى رَسُولُ الله: " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤمِنِينَ " والتمام عند نافع آخر واو.

وقف بعض الكوفيين، " وَكَانَ حَقًّا " أي: فكان انتقامنا/ حقاً، ثم يبتدئ " عَلَيْنَا نَصْرُ المؤُمِنِينَ ". نصر ابتداء، وخبره علينا.
والوقف عند أبي حاتم: " نَصْرُ المُؤمِنِينَ ".
ثم قال تعالى: ﴿الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً﴾ أي: ينشئ الرياح سحاباً، ﴿فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ﴾ ويجمعه.
قال قتادة: يبسطه: يجمعه.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً﴾ أي: ويجعل الله السحاب في السماء قطعاً متفرقة، وهو جمع كسفة، وهي القطعة منه.
ومن أسكن السين فمعناه: أنه يجعل السحاب قطعة واحدة ملتئمة.
ويجوز أن يكون معناه كالأول على التخفيف.
ثم قال تعالى: ﴿فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ﴾ أي: المطر يخرج من بين السحاب.
قال عبيد بن عمير: الرياح أربع: يبعث الله جل ذكره ريحاً فتعم الأرض

قماً، ثم يبعث الريح الثانية فتثير سحاباً فتجعله كسفاً، أي: قطعاً متفرقة، ثم يبعث الريح الثالثة فتؤلف بينه فتجعله ركاماً، ثم يبعث الرابعة فتمطر.
ومعنى ﴿مِنْ خِلاَلِهِ﴾: من خلال الكسفة، لأن كل جمع بينه وبين واحده الهاء فالتذكير فيه حسن.
وخلال جمع خلل.
وقد قرأ الضحاك: " يَخْرُجُ مِنْ خَلَلِهِ ".
ثم قال تعالى: ﴿فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ﴾ أي: بالمطر ﴿مَن يَشَآءُ﴾ أي: أرض من يشاء من عبادة استبشروا وفرحوا.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: وإن هؤلاء الذين أصابب بالغيث أرضهم كانوا يئيسين من الخير قبل أن ينزل عليهم الغيث.
وقوله: ﴿مِّن قَبْلِهِ﴾ تأكيد للأول عند الأخفش.

وقال قطرب: التقدير: وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر.
وقيل: التقدير من قبل تنزيل الغيث [من قبل رؤية السحاب.
وقيل: المعنى وإن كانوا من قبل تنزيل الغيث] عليهم من قبل أن يزرعوا لمبلسين، ودل المطر على الرزع لأنه خرج بسبب المطر، ودل على ذلك أيضاً ﴿فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً﴾ يعني الزرع.
ثم قال تعالى: ﴿فانظر إلى آثَارِ رَحْمَتِ الله﴾ أي: انظر يا محمد إلى أثر المطر في الأرض كيف حييت بعد موتها، وأنبتت بعد قحطها، واهتزت بعد جدبها، فكذلك يحيي الله الموتى بعد فنائهم.
ومن قرأ " أَثَرِ رَحْمَةِ اللهِ " بالتوحيد ورده على التوحيد في: " فَيُبْسِطُهُ "، و " يَجْعَلُهُ "، و " مِنْ خِلاَلِهِ "، " وَأَصَابَ بِهِ "، " وَمِنْ قَبْلِهِ ".

ومن قرأ بالجمع رده على الأسباب المتقدمة وهي: إرسال الريح، وإثارتها السحاب، وبسطه آياه في السماء، وجعله إياه كسفاً، وإخراجه الودق، فهذا كله آثار جليلة وليست بأثر واحد فجمع على ذلك.
ثم قال: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الموتى﴾ أي: إن الذي يحيي هذه الأرض بعد موتها لمحيي الموتى بعد موتهم.
﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي: لا يمتنع عليه فعل شيء أراده.
والمضر في " يحيي الأرض " يجوز أن يكون للمطر، ولله جل ذكره، وللأثر.
وقرأ محمد اليماني " كَيْفَ تُحْيِي " بالتاء رده على الرحمة، أو على الآثار.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً﴾ أي: ولئن أرسلنا ريحاً مفسدة لما أنبت الغيث فرأوا ما أنبت الغيث مصفراً قد فسد بتلك الريح.
﴿لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ أي: لصاروا من بعده فرحهم واستبشارهم بالغيث