
وقرأ حمزة والكسائي (تَخْرُجُونَ) بفتح التاء (١)؛ وحجة هذه القراءة قوله: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا﴾ [المعارج: ٤٣] (٢) أضاف الخروج إليهم.
٢٠ - قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ ومن دلالاته على توحيده وقدرته ﴿أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: يعني: آدم أبا البشر (٣) ﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ قال ابن عباس: من لحم ودم. يعني: ذرية آدم ينتشرون: ينبسطون في الأرض. قاله مقاتل (٤). وقال ابن عباس: تذهبون وتجيئون. ومعنى الآية: تعجيبهم من خلقه إياهم من تراب، ثم صيرورتهم بشرًا ينتشرون في الأرض.
٢١ - قوله تعالى: ﴿أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ قال الكلبي: يقول: جعل لكم مِنْ خلقكم آدميًا مثلكم، ولم يجعله من الجن ولا من غيره (٥). وقال غيره: يعني خَلْق حواء من ضِلَع من أضلاع آدم. حكاه الزجاج، وهو قول قتادة (٦). وذكر غيره أن معنى ﴿خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾: أنه خلق
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٤٤٥.
(٣) "تفسير مقاتل" ٧٨ أ. وتفسير ابن جرير ٢١/ ٣١، وأخرجه عن قتادة. "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٦٧ ب.
(٤) "تفسير مقاتل" ٧٨ أ.
(٥) "تنوير المقباس" ص ٣٤٠، وذكره الثعلبي ٨/ ١٦٧ ب، ولم ينسبه.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٨٢، ولم ينسبه. وأخرجه ابن جرير ٢١/ ٣١، عن قتادة. وكون حواء عليها السلام خلقت من ضلع من أضلاع آدم -عليه السلام-، مروي عن جمع من المفسرين، تفسير ابن جرير ٧/ ٥١٥، تح: محمود شاكر، وابن أبي حاتم ٣/ ٨٥٢، وهي آثار موقوفة، ليس فيها شيء مرفوع للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد صرح ابن =

النساء من نطف الرجال (١).
قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ جعل بين الزوج والمرأة المودة والرحمة، فهما يتوادان ويتراحمان، وما شيء أحبَّ إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما. وهذا معنى قول مقاتل والمفسرين (٢). وروى عطاء عن ابن عباس في قوله: ﴿مَوَدَّةً﴾ يعني: الجماع ﴿وَرَحْمَةً﴾ يعني: الولد. وهو قول الحسن (٣).
وأما كون المرأة خلقت من ضِلَع فهذا ثابت في الصحيحين، من حديث أبي هريرة؛ ولفظه: استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا. البخاري، كتاب: النكاح، رقم (٥١٨٥)، "فتح الباري" ٩/ ٢٥٢، ومسلم ٢/ ١٠٩٠، كتاب: الرضاع، رقم (١٤٦٨)، وزاد: (وكسرها طلاقها). قال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: قوله: (فإنهن خلقن من ضلع) كأن فيه إشارة إلى ما أخرجه ابن إسحاق في المبتدأ، عن ابن عباس، أن حواء خلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم. "فتح الباري" ٩/ ٢٥٣.
(١) لعله يعني مقاتل؛ حيث قال: ﴿أَنْفُسِكُمْ﴾ يعني: بعضكم من بعض. "تفسير مقاتل" ٧٨ أ. وذكره الثعلبي ٨/ ١٦٧ ب، ولم ينسبه. وذكر نحوه الماوردي عن علي بن عيسى. "النكت والعيون" ٦/ ٣٠٥.
والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن لا تعارض بين هذه الأقوال، فالقول الأول يدل على أن الزوج من جنس الآدمي، وهو بهذا يتفق مع القولين بعده، وأفاد القول الثاني أن أجل خلق الأنثى زوج الذكر من ضلع -على ما سبق بيانه- وأفاد القول الثالث التكاثر والتناسل عن طريق النطف. والله تعالى أعلم.
(٢) "تفسِير مقاتل" ٧٨ أ. وتفسير ابن جرير ٢١/ ٣١.
(٣) ذكره السيوطي، عن الحسن، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم. "الدر" ٦/ ٤٩٠.