
٦٥ ب ص: وقال الزجاج «١» : المُبْلِسُ: الساكت المنقطع/ في حجته اليائس من أن يَهْتَدِيَ إليها، انتهى.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٤ الى ١٦]
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦)
وقوله جلت عظمته: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ معناه: في المنازل والأحكام والجزاء. قال قتادة «٢» : فرقة والله- لا اجتماع بعدها. ويُحْبَرُونَ معناه يُنَعَّمُونَ قاله مجاهد «٣». والحبرة والحبُورُ: السرور، وقال يحيى بن أبي كثير: يُحْبَرُونَ معناه: يسمعون الأغاني وهذا نوع من الحبرة.
ت: وفي الصحيح من قول أبي موسى: لو شعرت بك يا رسول الله لحبَّرتْهُ لك تَحْبِيراً أو كما قال.
وقال ص: يُحْبَرُونَ: قال الزجاج «٤» : التَحْبِيرُ: التحسين، والحبر العالم، إنما هو من هذا المعنى لأنه مُتَخَلِّقٌ بأحسَن أخلاق المؤمنين، والحِبْرُ المِدَادُ إنما سمي به لأنه يُحَسَّنُ به، انتهى. قال الأصمعيُّ: ولا يقال: روضة حتى يكونَ فيها ماء يشربُ منه.
ومعنى: فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ أي: مجموعون له: لا يغيب أحد عنه.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٧ الى ٢٩]
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦)
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩)
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠/ ١٧٢) رقم (٢٧٩١١)، وذكره ابن عطية (٤/ ٣٣١)، وابن كثير (٣/ ٤٢٨)، والسيوطي (٥/ ٢٩٣)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبريّ (١٠/ ١٧٣) رقم (٢٧٩١٣)، وذكره البغوي (٣/ ٤٧٩)، وابن عطية (٤/ ٣٣١)، وابن كثير (٣/ ٤٢٨)، والسيوطي (٥/ ٢٩٤)، وعزاه للفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٤) ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (٤/ ١٨٠).

وقوله تعالى: فَسُبْحانَ اللَّهِ... الآية خطابٌ للمؤمنين بالأمر بالعبادة والحضِّ على الصلاة في هذه الأوقات، كأنه يقول سبحانه: إذا كان أمر هذه الفرق هكذا من النقمة والعذاب، فجِدَّ أيها المؤمن في طريق الفوز برحمة الله. وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ إلى قوله:
وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي يَوْمِه ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي لَيْلَتِهِ» «١». رواه أبو داود، انتهى من «السلاح».
قال ابن عَبَّاس وغيره: في هذه الآية تنبيهٌ علَى أربع صلواتٍ: المغرب، والصبح، والظهر، والعصر «٢»، قالوا: والعشاءُ الأخيرةُ هي في آية أخرى: في زلف الليل، وقد تقدم بيانُ هذا مُسْتَوْفَى في مَحَاله.
وقوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ... الآية، تقدم بيانُها. ثم بعد هذه الأَمثِلَةِ القاضيةِ بتجويز بعث الأجساد عقلاً ساق الخبر سبحانه بأن كذلك خروجنا من قبورنا، وتَنْتَشِرُونَ معناه: تتصرفون وتتفرقون، والمودة والرحمة: هما على بابهما المشهور من التواد والتراحم هذا هو البليغ. وقيل: غير هذا.
والحديث ضعفه الزيلعي في «تخريج أحاديث الكشاف» (٣/ ٥٧).
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠/ ١٧٤) رقم (٢٧٩١٩- ٢٧٩٢١- ٢٧٩٢٣) بنحوه، وذكره البغوي (٣/ ٤٧٩)، وابن عطية (٤/ ٣٣٢)، والسيوطي (٥/ ٢٩٥)، بنحوه وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس.

وقرأ الجمهور: «للعالَمين» - بفتح اللام- يعني: جميع العالم. وقرأ حفصٌ «١» عن عاصم- بكسرها- على معنى: أَنَّ أهلَ الانتفاع بالنظر فيها إنما هم أهل العلم، وباقي الآية اطْلبه في مَحَالِّه تجده إن شاء الله مبيناً، وهذا شأننا إلاحالة في هذا المختصر على ما تقدم بيانه، فاعلمه راشداً.
ت: وهذه الآياتُ والعبر إنما يعظمُ موقعُها في قلوب العارفين باللَّه سبحانه، ومن أكثرَ التفكُّرَ في عجائب صنع الله تعالى حَصَلَتْ له المعرفةُ بالله سبحانه.
قال الغَزَالِيُّ في «الإحياء» : وبحر المعرفة لا ساحل له والإحاطة بكنه جلال الله محالٌ، وكلما كثرت المعرفةُ بالله تعالى وصفاتِه وأَفعاله وأسرار مملكته وقويت- كثر النعيم في الآخرة وعظم، كما أنه كلما كثر البذر وحسن- كثر الزرع وحسن.
وقال أيضاً في كتاب «شرح عجائب القلب» من «الإحياء» : وتكون سَعَةُ ملك العبد في الجنة بحسب سِعَة معرفتِه بالله، وبحسب ما يتجلى له من عظمة الله- سبحانه-، وصفاتِه، وأفعاله، انتهى.
وقوله تعالى: أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ معناه: تثبت، كقوله تعالى: وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا [البقرة: ٢٠].
وهذا كثير، والدعوة من الأرض: هي البعث ليوم القيامة، قال مكي: والأحسن عند أهل النظر أنَّ الوقفَ في هذه الآية يكونُ في آخرها، تُخْرَجُونَ لأن مذهب سيبويهِ والخليلِ في «إذا» الثانية: أنها جوابُ/ الأولى، كأنه قال: ثم إذا دعاكم خرجتم وهذا ٦٦ أأسدّ الأقوال.
وقال ص: إِذا أَنْتُمْ، «إذا» : للمفاجأة، وهل هي ظرفُ مكانٍ أو ظرفَ زمان؟
خلاف، ومِنَ الْأَرْضِ علَّقهُ الحُوفِيُّ ب «دَعَا»، وأجاز ع «٢» : أن يتعلقَ ب «دعوة» انتهى.
وقرأ حمزة «٣» والكسائي: «تَخْرُجُونَ» - بفتح التاء، والباقون بضمها-، والقنوت هنا
(٢) ينظر: «المحرر» (٤/ ٣٣٤).
(٣) وحجتهما قوله تعالى: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ [القمر: الآية ٧]، وقوله: إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [يس: ٥١]. وحجة الباقين قوله سبحانه: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا [يس: الآية ٥٢]. [.....]