
فى المساء، ومن الظلام إلى النور فى الإصباح، ومن ضياء تام وقت الظهيرة إلى اضمحلال لذلك الضياء وقت العشى، وهكذا.
ثم بين صفات ذلك الإله المستحق للثناء والتقديس، فقال:
(١) (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) فهو القادر على خلق الأشياء المتقابلة بعضها من بعض، فيخرج الإنسان والطائر من النطفة والبيضة، كما يفعل ضد هذا، فيخرج النطفة والبيضة من الإنسان والطائر، وفى هذا دلالة على كمال قدرته، وبديع صنعه، وكون البيضة والنطفة كائن حى لا تعرفه العرب ولا تعترف به.
(٢) (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي ويحيى الأرض بالمطر، فتخرج النبات الغض بعد أن كانت صعيدا جرزا.
ونحو الآية قوله: «وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ» وقوله: «وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ».
(٣) (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أي وكما سهل حركة النائم الساكن بالانتباه، وإنماء الأرض بإنباتها بعد موتها- يسهل عليه إحياء الميت وإخراجه من قبره لفصل القضاء.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)

المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه بتنزيهه عن الأسواء والنقائص التي لا تليق بجلاله وكماله، ذكر أن الحمد له على خلقه جميع الموجودات، وبين قدرته على الإماتة والإحياء بقوله: (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ)، ذكر هنا أدلة باهرة، وحججا ظاهرة على البعث والإعادة، ومنها: خلقكم من التراب الذي لم يشمّ رائحة الحياة، ولا مناسبة بينه وبين ما أنتم عليه فى ذاتكم وصفاتكم، ثم إبقاء نوعكم بالتوالد، فإذا مات الأب فام ابنه مقامه، لتبقى سلسلة الحياة متصلة بهذا النوع وبسائر الأنواع الأخرى بالازدواج والتوالد إلى الأجل الذي قدره الله لأمد هذه الحياة.
الإيضاح
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) أي ومن حججه الدالة على أنه القادر على ما يشاء من إنشاء وإفناء، وإيجاد وإعدام: أن خلقكم من تراب بتغذيتكم إما بلحوم الحيوان وألبانها وأسمانها، وإما من النّبات والحيوان غذاؤه النبات، والنبات من التراب، فإن النواة لا تصير شجرة إلا بالتراب الذي ينضم إليه أجزاء مائية تجعلها صالحا للتغذية، ثم بعد إخراجكم منه إذا أنتم بشر تنتشرون فى الأرض. تتصرفون فيها فى أغراضكم المختلفة، وأسفاركم البعيدة، تكدحون وتجدّون لتحصيل أرزاقكم من فيض ربكم، وواسع نعمه عليكم.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) أي ومن آياته الدالة على البعث والإعادة: أن خلق لكم أزواجا من جنسكم لتأنسوا بها، وجعل بينكم المودة والرحمة لتدوم الحياة المنزلية على أتم نظام.
ونحو الآية قوله: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها».