آيات من القرآن الكريم

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

فنذر إِنْ أبرأه اللَّه أن يترك أحبَّ الطعام والشراب إِليه.
وكان أحب الطعام والشراب إِليه لحومَ الِإبل وألبانَها، فحرم اللَّه ذلك عليهم بمعاصيهم كما قال: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ).
وأعلم الله أن الذي حرمه إسرائيل على نفسه كان من قبل أن تنزل
التوراة، وفيه أعظم آية للنبي - ﷺ - لأنه أنبأهم بأنهم يدعون أن في كتابهم ما ليس فيه، ودعاهم مع ذلك إِلى أن يأتوا بكتابهم فيتلوه لِيُبَينَ لهم كذبهم فأبوا.
فكان إِبَاؤُهم دليلاً على علمهم أن النبي - ﷺ - قد صدق فيما أنبأهم به، ولو أتَوْا بِها لم يَكونوا يَخْلونَ من أحد أمرين: إما أن يزيدوا فيها ما ليس فيها في ذلك الوقتْ فيعلم بعضهم أنه قد زيد، أو ينزل اللَّه بهم عقوبة تبين أمرهم، أو أن يأتوا بها على جملتها فيعلم بطلان دعواهم منها. فقصتهم في هذه الآية كقصة النصارى في المباهلة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤)
أي من بعد ما ذكرنا من ظهور الحجة في افترائه: (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ - (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦)
قيل: إنه أول مسجد وضع للناس، وقيل: إنه أول بيت وضع للحج.
ويقال: إنه البيت المعمور وأن الملائكة كانت تحجه من قبل آدم، وإنه البيت
العتيق. فأما بناؤُه فلا شك أن إبراهيم بناه.
قال اللَّه تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا) أي يَقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا.

صفحة رقم 444

فأما المقْدِس فسليمان بناه. وخبر (إِنَّ) هو (لَلَّذِي بِبَكَّةَ).
وهذه لام التوكيد، وقيل: إن بكة موضع البيت وسائر ما حوله مكة. والإجماع أن بكة ومكة الموضع الذي يحج الناس إِليه، وهي البلدة، قال اللَّه - عزَّ وجلَّ: ((بِبَطْنِ مَكةَ) وقال: (لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا).
فأما اشتقاقه في اللغة: فيصلح أن يكون الاسم اشتق من إلَبك، وهوبك
الناس بعضُهم بعضاً في الطواف أي دفع بعضهم بعضاً، وقيل: إنما سميت
ببكة لأنها تبك أعناق الجبابرة.
ونصب (مُبَارَكًا) على الحال.
المعنى: الذي بمكة في حال بركته.
(وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) يجوز أن يكون هُدًى لِلْعَالَمِينَ في موضع رفع.
المعنى: وهو هدى للعالمين.
فأماَ مكة - بالميم فتصلح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق بكة والميم تبدل
من الباءِ، يقال: ضربة لازب ولازم، ويصلح أن يكون الاشتقاق من قولهم: " امْتَكَّ الفصيل " ما في ضرع الناقة إذا مص مصاً شديداً حتى لا يُبْقِي فيه
شيئاً. فتكون سميت بذلك لشدة الازدحام فيها -
والقول الأول أعني البدل أحسن.
ومعنى (أَوَّلَ) في اللغة - على الحقيقة ابتداءُ الشيءِ فجائز أن يكون
المبتدأ له آخر، وجائز أن لا يكون له آخر فالواحد أول العدد والعدد غير متناه، ونعيم الجنة أول وهو غير منقطع، وقولك: هذا أول مال كسبته جائز ألا يكون

صفحة رقم 445
معاني القرآن وإعرابه للزجاج
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل، الزجاج
تحقيق
عبد الجليل عبده شلبي
الناشر
عالم الكتب - بيروت
سنة النشر
1408
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية