آيات من القرآن الكريم

لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ

فَلَمْ تَفْعَلْ، فَيُرَدُّ إِلَى النَّارِ».
وَلِهَذَا قَالَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ أَيْ وَمَا لَهُمْ مِنْ أَحَدٍ يُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَلَا يُجِيرُهُمْ مِنْ أَلِيمِ عقابه.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٩٢]
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)
رَوَى وَكِيعٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ قال: الْجَنَّةُ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَاءُ «٢»، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَاءُ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَضَعْهَا يَا رسول الله حيث أراك اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «بَخٍ بَخٍ ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ وَأَنَا أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ»، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عمه، أخرجاه، وفي الصحيحين أن عمر قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْ سَهْمِي الَّذِي هو بخيبر، فما تأمرني به؟ قال: احبس الْأَصْلَ وَسَبِّلِ الثَّمَرَةَ» وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَضَرَتْنِي هَذِهِ الْآيَةُ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فَذَكَرْتُ مَا أَعْطَانِي اللَّهُ، فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أحب إليّ من جارية لي رُومِيَّةٍ، فَقُلْتُ: هِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَلَوْ أَنِّي أَعُودُ فِي شَيْءٍ جَعَلْتُهُ لِلَّهِ لَنَكَحْتُهَا، يعني تزوجتها.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٩٣ الى ٩٥]
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حدثنا هشام بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا شَهْرٌ، قال: قال

(١) مسند أحمد ٣/ ١٤١.
(٢) جاء في ضبطه أوجه كثيرة. ويقال: بئرحاء. وهو موضع بقرب المسجد في المدينة يعرف بقصر بني جديلة. انظر معجم البلدان ١/ ٥٢٤. [.....]
(٣) مسند أحمد ١/ ٢٧٨.

صفحة رقم 63

ابن عباس حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ، قَالَ: «سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ، وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ، لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا فَعَرَفْتُمُوهُ لَتُتَابِعُنِّي عَلَى الْإِسْلَامِ» قَالُوا: فَذَلِكَ لَكَ، قَالَ: فَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ. قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ: أَخْبِرْنَا أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ وَكَيْفَ مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ والأنثى؟ وأخبرنا كَيْفَ هَذَا النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ فِي النَّوْمِ، وَمَنْ وَلَيُّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ فَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ لَئِنْ أخبرهم ليتابعنه، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِالذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا وَطَالَ سُقْمُهُ، فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إليه، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها» ؟ فقالوا: اللهم نَعَمْ: قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ». وَقَالَ «أَنْشُدُكُمْ بالله الذي لا إله إلا هو، الذي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ أَبْيَضُ غَلِيظٌ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ، فَأَيُّهُمَا عَلَا كَانَ لَهُ الْوَلَدُ، وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ إِنْ عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنْ عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ كَانَ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ» ؟ قَالُوا:
نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ». وَقَالَ: «أَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ» ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» قَالُوا:
وَأَنْتَ الْآنَ فَحَدِّثْنَا من وليك من الملائكة؟ فعندها نجامعك ونفارقك قَالَ: «إِنَّ وَلِيِّيَ جِبْرِيلُ وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وَهُوَ وَلِيُّهُ، قَالُوا: فَعِنْدَهَا نفارقك، لو كَانَ وَلِيُّكَ غَيْرَهُ لَتَابَعْنَاكَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ [البقرة: ٩٧] الآية، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ «١»
: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعِجْلِيُّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ أَنْبَأْتَنَا بِهِنَّ عَرَفْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَاتَّبَعْنَاكَ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ إِسْرَائِيلُ عَلَى بَنِيهِ إِذْ قال وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ [القصص: ٢٨] قَالَ «هَاتُوا» قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ عَلَامَةِ النَّبِيِّ قَالَ: «تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ»، قَالُوا: أَخْبِرْنَا كَيْفَ تُؤَنِّثُ الْمَرْأَةُ، وَكَيْفَ تُذَكِّرُ؟ قَالَ: «يَلْتَقِي الْمَاءَانِ، فَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ، أَذْكَرَتْ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ آنَثَتْ» قَالُوا: أَخْبِرْنَا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ: كَانَ يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ إِلَّا أَلْبَانَ كَذَا وَكَذَا- قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي الْإِبِلَ- فَحَرَّمَ لُحُومَهَا» قَالُوا: صَدَقْتَ، قَالُوا: أَخْبِرْنَا مَا هَذَا الرَّعْدُ؟ قَالَ: «مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ موكل بالسحاب بيده- أو في يديه- مِخْرَاقٌ مِنْ نَارٍ يَزْجُرُ بِهِ السَّحَابَ يَسُوقُهُ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» قَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ؟ قَالَ «صَوْتُهُ». قَالُوا صدقت، إنما بقيت واحدة، وهي

(١) مسند أحمد ١/ ٢٧٤.

صفحة رقم 64

التي نتابعك إن أخبرتنا بها، إنه لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا لَهُ مَلَكٌ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ فَأَخْبِرْنَا مَنْ صَاحِبُكَ؟
قَالَ: «جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ»، قَالُوا: جِبْرِيلُ ذَاكَ يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ والعذاب عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر، لكان، فأنزل اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ [الْبَقَرَةِ: ٩٧] والآية بعدها.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْعِجْلِيِّ بِهِ نَحْوَهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالْعَوْفِيُّ عن ابن عباس: كان إسرائيل عليه السلام- وهو يعقوب- يَعْتَرِيهِ عِرْقُ النَّسَا بِاللَّيْلِ، وَكَانَ يُقْلِقُهُ وَيُزْعِجُهُ عَنِ النَّوْمِ، وَيُقْلِعُ الْوَجَعَ عَنْهُ بِالنَّهَارِ، فَنَذَرَ لِلَّهِ لَئِنْ عَافَاهُ اللَّهُ لَا يَأْكُلُ عِرْقًا ولا يأكل ولد ما له عرق، وهكذا قال الضحاك والسدي، كذا رواه وحكاه ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، قَالَ: فَاتَّبَعَهُ بَنُوهُ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ اسْتِنَانًا بِهِ وَاقْتِدَاءً بِطَرِيقِهِ، قَالَ: وَقَوْلُهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ أَيْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ.
قُلْتُ: وَلِهَذَا السِّيَاقِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مُنَاسَبَتَانِ إِحْدَاهُمَا: أَنْ إِسْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَرَّمَ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ وَتَرَكَهَا لِلَّهِ، وَكَانَ هَذَا سَائِغًا فِي شَرِيعَتِهِمْ فَلَهُ مُنَاسَبَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فَهَذَا هُوَ الْمَشْرُوعُ عِنْدَنَا، وَهُوَ الْإِنْفَاقُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ مِمَّا يُحِبُّهُ الْعَبْدُ ويشتهيه، كما قال تعالى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ [البقرة: ١٧٧] وقال تعالى:
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ [الإنسان: ٨] الآية.
المناسبة الثانية: لما تقدم بيان الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى، وَاعْتِقَادِهِمُ الْبَاطِلِ فِي الْمَسِيحِ وتبيين زَيْفُ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَظُهُورُ الْحَقِّ وَالْيَقِينِ في أمر عيسى وأمه، كيف خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَبَعَثَهُ إِلَى بَنِي إسرائيل يدعو إلى عبادة ربه تبارك وتعالى، شَرَعَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تعالى وَبَيَانِ أَنَّ النَّسْخَ الَّذِي أَنْكَرُوا وُقُوعَهُ وَجَوَازَهُ قد وقع، فإن الله تعالى قَدْ نَصَّ فِي كِتَابِهِمُ التَّوْرَاةِ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ، أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ جَمِيعَ دَوَابِّ الْأَرْضِ يَأْكُلُ مِنْهَا، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ لُحْمَانَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا فَاتَّبَعَهُ بَنُوهُ فِي ذَلِكَ، وجاءت التوراة بتحريم ذلك، وأشياء أخرى زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذِنَ لِآدَمَ فِي تَزْوِيجِ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ، وَقَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ التَّسَرِّي عَلَى الزَّوْجَةِ مُبَاحًا فِي شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وقد فعله إِبْرَاهِيمُ فِي هَاجَرَ لَمَّا تَسَرَّى بِهَا عَلَى سَارَّةَ، وَقَدْ حُرِّمَ مِثْلُ هَذَا فِي التَّوْرَاةِ عليهم، وكذلك كان الجمع بين الأختين سائغا، وَقَدْ فَعَلَهُ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَمَعَ بَيْنَ الأختين، ثم حرم عليهم ذلك فِي التَّوْرَاةِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي التوراة عندهم، وهذا هُوَ النَّسْخُ بِعَيْنِهِ، فَكَذَلِكَ فَلْيَكُنْ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لِلْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي إِحْلَالِهِ بَعْضَ مَا حَرَّمَ فِي التَّوْرَاةِ، فَمَا بَالُهُمْ لَمْ يَتْبَعُوهُ؟ بَلْ كَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ؟ وَكَذَلِكَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الدين

صفحة رقم 65
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية