
لأن كل ما سواه مما يتقرب إليه، فقد أسلم لله طوعاً أو كرهاً.
قوله عز وجل: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤)
قد تقدم القول في ذلك في سورة البقرة إلا أنه
يقال: كيف قال هاهنا: (قُل) وهناك: (قُولُوَا)، وذكر هاهنا
(عَلَيْنَا) وثَمَّ (إِلينَا)، وذكر هناك (وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ).
وترك ما أوتى هاهنا؟
والجواب: أن (قل) هاهنا خطاب للنبي - ﷺ - بأن يعتقد ذلك ويبلّغ قومه، وهناك خطاب للأمة أن يعتقدوا
وليس يأمرهم أن يبلغوا، وإنما قال هاهنا (عَلى) لأن ذلك لما
كان خطاباً للنبي - ﷺ - وكان واصلًا إليه من الملأ الأعلى بلا واسطة بشرية، كان لفظ على المختص بالعلوّ أولى به، وهناك لما كان
خطاباً للأمة، وقد وصل إليهم بوساطة النبي - ﷺ - كان لفظ إلى المختص بالإِيصال أولى، ويجوز أن يقال: أُنزل عليه إنما يحُمل

على ما أُمر المنزَّلُ عليه أن يبلّغ غيره، وأُنزل إليه على ما خُصّ به
في نفسه، وإليه نهاية الإِنزال وعلى ذلك قال: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ)، وقال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) فخُصّ بإلى هاهنا لما كان مخصوصاً بالذكر الذي هو بيانُ المنزل، وهذا كلام أي الأولى، لا في الوجوب، وأما إعادة لفظ (ما أوتي) هناك فلأنه لما كان لفظ الخطاب عاماً، ومن حُكْم خطاب العامة البسط دون الإِيجاز
بسط اللفظ، ولما كان الخطاب هاهنا خاضًا للنبي - ﷺ - على ما قدمنا اكتفى فيه بالإِيجاز.
وإن قيل: إذا كان ذلك أمراً للنبي - ﷺ - أن
يقوله، فكيف قال: (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)؟
قيل: إنما ذكر ذلك تنبيهاً أن أمته غير منفردين عنه في هذا الاعتقاد، وغير مكروه لهم أن يبلّغوا ذلك تبليغ النبي - ﷺ -
فكيف فسح لهم التبجح بذلك مع كون التبجح مذموماً؟
قيل: التبجح هو إظهار الإِنسان