في تدبيره وإعذاره إلى خلقه، ومتابعة حججه عليهم، ليهلك من هلك منهم عن بيّنة، ويحيا من حيَّ عن بينة، (١) كما:-
٦٥٧١ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: ثم قال - يعني الرب عز وجل -: إنزاهًا لنفسه، وتوحيدًا لها مما جعلوا معه:"لا إله إلا هو العزيز الحكيم"، قال: العزيز في انتصاره ممن كفر به إذا شاء، (٢) والحكيم في عُذْره وحجته إلى عباده. (٣)
٦٥٧٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"لا إله إلا هو العزيز الحكيم"، يقول: عزيز في نقمته، حكيمٌ في أمره.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"هو الذي أنزل عليك الكتاب"، إن الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، هو الذي أنزل عليك الكتاب = يعني ب"الكتاب"، القرآن.
* * *
(٢) في المطبوعة والمخطوطة: "في نصرته" وهو خطأ في المعنى، فإن"النصرة"، اسم من"النصر" وهو لا مكان له هنا. وأما "الانتصار" فهو: الانتقام. وانتصر منه: انتقم.
(٣) في ابن هشام: "في حجته وعذره إلى عباده"، وهي أجود لمكان"إلى" من الكلام. أعذر إليه إعذارًا وعذرًا: بلغ الغاية في إرشاده حتى لم يبق موضع للاعتذار.
وقد أتينا على البيان فيما مضى عن السبب الذي من أجله سمى القرآن"كتابًا" بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
وأما قوله:"منه آيات محكمات" فإنه يعني: من الكتاب آيات. يعني ب"الآيات" آيات القرآن.
وأما"المحكمات"، فإنهن اللواتي قد أحكمن بالبيان والتفصيل، وأثبتت حججهن وأدلتهن على ما جُعلن أدلة عليه من حلال وحرام، ووعد ووعيد، وثواب وعقاب، وأمر وزجر، وخبر ومثل، وعظة وعِبر، وما أشبه ذلك.
* * *
ثم وصف جل ثناؤه: هؤلاء"الآيات المحكمات"، بأنهن:"هُنّ أمّ الكتاب" (٢). يعني بذلك: أنهن أصل الكتاب الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود، وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم، وما كلفوا من الفرائض في عاجلهم وآجلهم.
* * *
وإنما سماهن"أمّ الكتاب"، لأنهن معظم الكتاب، وموضع مَفزَع أهله عند الحاجة إليه، وكذلك تفعل العرب، تسمي الجامعَ معظم الشيء"أمًّا" له. فتسمى راية القوم التي تجمعهم في العساكر:"أمّهم"، والمدبر معظم أمر القرية والبلدة:"أمها".
وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته. (٣)
* * *
ووحَّد"أمّ الكتاب"، ولم يجمع فيقول: هن أمَّهات الكتاب، وقد قال:"هُنّ" = لأنه أراد جميع الآيات المحكمات"أم الكتاب"، لا أن كل آية منهن"أم الكتاب". ولو كان معنى ذلك أن كل آية منهن"أم الكتاب"،
(٢) في المخطوطة"بأنهن من الكتاب" وهو خطأ، والصواب ما في المطبوعة.
(٣) انظر ما سلف ١: ١٠٧، ١٠٨.
لكان لا شك قد قيل:"هن أمهات الكتاب". ونظير قول الله عز وجل:"هن أمّ الكتاب" على التأويل الذي قلنا في توحيد"الأم" وهي خبر لـ"هُنّ"، قوله تعالى ذكره: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [سورة المؤمنون: ٥٠] ولم يقل: آيتين، لأن معناه: وجعلنا جميعهما آية. إذ كان المعنى واحدًا فيما جُعلا فيه للخلق عبرة. (١) ولو كان مرادًا الخبرُ عن كل واحد منهما على انفراده، (٢) بأنه جعل للخلق عبرة، لقيل: وجعلنا ابن مريم وأمه آيتين، لأنه قد كان في كل واحد منهما لهم عبرة. وذلك أن مريم ولدت من غير رجل، ونطق ابنها فتكلم في المهد صبيًّا، فكان في كل واحد منهما للناس آية.
* * *
وقد قال بعض نحويي البصرة: إنما قيل:"هن أم الكتاب"، ولم يَقل:"هن أمهات الكتاب" على وجه الحكاية، كما يقول الرجل:"ما لي أنصار"، فتقول:"أنا أنصارك" = أو:"ما لي نظير"، فتقول:"نحن نظيرك". (٣) قال: وهو شبيهُ:"دَعنى من تَمرْتَان"، وأنشد لرجل من فقعس: (٤)
تَعَرَّضَتْ لِي بِمَكَانِ حَلِّ... تَعرُّض المُهْرَةِ فِي الطِّوَلِّ تَعَرُّضًا لَمْ تَألُ عَنْ قَتْلا لِي (٥)
(٢) في المطبوعة: "ولو كان مراده الخبر... " والصواب الجيد من المخطوطة.
(٣) ربما كان الصواب: "ما لي نصير"، فتقول: "نحن نصيرك"، والذي في المطبوعة والمخطوطة صواب لا شك فيه.
(٤) هو منظور بن مرثد بن فروة الفقعسي الأسدي. ويقال: "منظور بن فروة بن مرثد"، وهو نفسه"منظور بن حبة الفقعسي الأسدي"، و"حبة" أمه، ويعرف بها.
(٥) مجالس ثعلب: ٦٠٢ (أبيات كثيرة من هذا الرجز) وشرح شواهد الشافية: ٢٤٨ - ٢٥١، وسر صناعة الإعراب ١: ١٧٧- ١٧٩ / ثم ٢٣٥، واللسان (طول) (قتل)، وغيرها. ورواية البيت الأول في مجالس ثعلب"بمجاز حل"، والأخير"عن قتللى"، ولا شاهد في هذه الرواية. وقد ذكر في اللسان اختلاف روايته."والطول" (بكسر الطاء وفتح الواو واللام غير مشددة كما في الرجز) : هو الجبل الذي يطول للدابة فترعى فيه، وإنما شدد الراجز. لم تأل: لم تقصر. والضمير في هذا الشعر إلى صاحبته التي يقول فيها قبل هذه الأبيات: مَنْ لِيَ مِنْ هِجْرَانِ لَيْلَى؟ مَنْ لِي؟... وَالحَبْلِ مِنْ وِصَالِهَا المُنْحَلِّ؟
"حَلِّ" أي: يحلّ به. (١) = على الحكاية، لأنه كان منصوبًا قبل ذلك، كما يقول:"نوديَ: الصلاةَ الصلاةَ"، يحكي قول القائل:"الصلاةَ الصلاةَ".
وقال: قال بعضهم: إنما هي:"أنْ قتلا لي"، ولكنه جعله"عينًا"، (٢) لأن"أن" في لغته تجعل موضعها"عن"، والنصبُ على الأمر، كأنك قلت:"ضربًا لزيد".
* * *
قال أبو جعفر: وهذا قول لا معنى له. لأن كل هذه الشواهد التي استشهدَها، (٣) لا شك أنهن حكايات حاكيهنّ، (٤) بما حكى عن قول غيره وألفاظه التي نطق بهن = وأن معلومًا أن الله جل ثناؤه لم يحك عن أحد قوله:"أمّ الكتاب"، فيجوز أن يقال: أخرج ذلك مُخرَج الحكاية عمن قال ذلك كذلك. (٥)
* * *
وأما قوله:"وأخَرُ" فإنها جمع"أخْرَى". (٦)
* * *
وقوله"بمكان حل" ضبط بالقلم في اللسان وفي مجالس ثعلب بتنوين"مكان" و"مجاز"، وكسر الحاء من"حل". ولا أظنه صوابًا، فلم أجدهم يقولون: "مكان حل" بكسر الحاء، وإنما هو بفتحها بالإضافة، لا بالنعت: ": حل بالمكان حلولا وحلا". أي: نزل به.
وقوله: "على الحكاية" في سياق قوله: "وأنشد لرجل من فقعس... ".
(٢) في المطبوعة: "جعله عن"، ولا خير في هذا التغيير، والذي في المخطوطة عين الصواب.
(٣) في المطبوعة: "استشهد بها"، والذي في المخطوطة صواب عريق في العربية.
(٤) في المطبوعة: "حكايات حالهن"، وهو كلام لا مفهوم له. وفي المخطوطة"حالسهن" ولم يضع شرطة الكاف، فلذلك اشتبهت على الناسخ.
(٥) في المخطوطة: "أخرج ذلك محلر الحكاية"، وكأن الصواب المحض ما في المطبوعة، وهذا تحريف من عجلة الناسخ، أراد أن يكتب"مخرج"، فزاد القلم لامًا، ثم راجع راء، ثم أسقط الجيم.
(٦) انظر ما سلف ٣: ٤٥٩. وفي المطبوعة: "جمع آخر"، وفي المخطوطة، بغير مدة على الألف، ورجحت أن تكون"أخرى"، لما مضى من قوله في ذلك ولما سيأتي بعد قليل، ولأنه القياس.
ثم اختلف أهل العربية في العلة التي من أجلها لم يصرف"أخَر".
فقال بعضهم: لم يصرف"أخر" من أجل أنها نعتٌ، واحدتها"أخرى"، كما لم تصرف"جُمَع" و"كُتَع"، لأنهن نعوتٌ.
* * *
وقال آخرون: إنما لم تصرف"الأخر"، لزيادة الياء التي في واحدتها، وأنّ جمعها مبنيّ على واحدها في ترك الصرف. قالوا: وإنما ترك صرف"أخرى"، كما ترك صرف"حمراء" و"بيضاء"، في النكرة والمعرفة، لزيادة المدة فيها والهمزة بالواو. (١) ثم افترق جمع"حمراء" و"أخرى"، فبنى جمع"أخرى" على واحدته فقيل:"فُعَلٌ" و"أخر"، (٢) فترك صرفها كما ترك صرف"أخرى" = وبنى جمع"حمراء" و"بيضاء" على خلاف واحدته فصرف، فقيل:"حمر" و"بيض"، فلاختلاف حالتهما في الجمع، اختلفَ إعرابهما عندهم في الصرف. ولاتفاق حالتيهما في الواحدة، اتفقت حالتاهما فيها.
* * *
وأما قوله:"متشابهات"، فإن معناه: متشابهات في التلاوة، مختلفات في المعنى، كما قال جل ثناؤه: (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) [سورة البقرة: ٢٥]، يعني في المنظر، مختلفًا في المطعم (٣) وكما قال مخبرًا عمن أخبر عنه من بني إسرائيل أنه قال: (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا) [سورة البقرة: ٧٠]، يعنون بذلك: تشابه علينا في الصفة، وإن اختلفت أنواعه. (٤)
* * *
(٢) المرجح عندي أن قوله: "فعل" زيادة من الناسخ.
(٣) انظر ما سلف ١: ٣٨٥-٣٩٤.
(٤) انظر ما سلف ٢: ٢٠٩-٢١١.
فتأويل الكلام إذًا: إن الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، هو الذي أنزل عليك يا محمد القرآن، منه آيات محكمات بالبيان، هن أصل الكتاب الذي عليه عمادُك وعماد أمتك في الدّين، وإليه مفزعُك ومفزعهم فيما افترضت عليك وعليهم من شرائع الإسلام = وآيات أخر، هنّ متشابهاتٌ في التلاوة، مختلفات في المعاني.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخَر متشابهات"، وما المحكم من آي الكتاب، وما المتشابه منه؟
فقال بعضهم:"المحكمات" من آي القرآن، المعمول بهن، وهنّ الناسخات أو المثبتاتُ الأحكامَ ="والمتشابهات" من آية، المتروك العملُ بهنّ، المنسوخاتُ.
ذكر من قال ذلك:
٦٥٧٣ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا العوّام، عمن حدثه، عن ابن عباس في قوله:"منه آيات محكمات"، قال: هي الثلاث الآيات من ههنا: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [سورة الأنعام: ١٥١، ١٥٢]، إلى ثلاث آيات، (١) والتي في"بني إسرائيل": (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ) [سورة الإسراء: ٢٣ - ٣٩]، إلى آخر الآيات. (٢)
(٢) الأثر: ٦٥٧٣- هكذا إسناده في المخطوطة والمطبوعة، وأنا أخشى أن يكون سقط من إسناده"عن أبي إسحاق"، بعد"قال أخبرنا العوام". و"العوام" هو العوام بن حوشب، يروي أبي إسحاق السبيعي. أما قوله في الإسناد"عمن حدثه" فإن ذلك كذلك، لأن الذي روى عنه أبو إسحاق السبيعي، هو"عبد الله بن قيس"، مذكور بروايته هذا الأثر، وراويه عنه هو أبو إسحاق السبيعي، ولم يعرف من روى عنه غير أبي إسحاق. (تهذيب التهذيب ٥: ٣٦٥). والأثر نفسه رواه الحاكم في المستدرك ٢: ٢٨٨ من طريق: "علي بن صالح بن حي، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن قيس، عن ابن عباس". ونصه: "آيات محكمات، هي التي في الأنعام: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم - إلى آخر الثلاث الآيات". وقال الحاكم: "صحيح"، ووافقه الذهبي. من أجل ذلك خشيت أن يكون سقط من إسناد الطبري"عن أبي إسحاق"، ولكني لم أثبته في نصه.
٦٥٧٤ - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن على بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب"، المحكمات: ناسخه، وحلالُه، وحرَامه، وحدوده وفرائضُه، وما يؤمن به ويعمل به = قال:"وأخر متشابهات"، والمتشابهات: منسوخه، ومقدّمه ومؤخره، وأمثاله وأقسامه، وما يؤمن به ولا يُعمل به.
٦٥٧٥ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله:"هو الذي أنزل عليك الكتاب" إلى"وأخر متشابهات"، فالمحكمات التي هي أمّ الكتاب: الناسخ الذي يُدان به ويعمل به. والمتشابهات، هن المنسوخات التي لا يُدان بهنّ.
٦٥٧٦ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس = وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:"هو الذي أنزلَ عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب" إلى قوله:"كل من عندنا ربنا"، أما"الآيات المحكمات": فهن الناسخات التي يعمَل بهن = وأما"المتشابهات" فهن المنسوخات.
٦٥٧٧ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب"، و"المحكمات": الناسخ الذي يعمل به، ما أحلّ الله فيه حلاله وحرّم فيه حرامه = وأما"المتشابهات": فالمنسوخ الذي لا يُعمل به ويُؤمن به.
٦٥٧٨ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"آيات محكمات"، قال: المحكم ما يعمل به.
٦٥٧٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن
أبيه، عن الربيع:"هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات"، قال:"المحكمات"، الناسخ الذي يعمل به = و"المتشابهات": المنسوخ الذي لا يعمل به ويؤمن به.
٦٥٨٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"آيات محكمات هن أم الكتاب"، قال: الناسخات ="وأخر متشابهات"، قال: ما نُسخ وتُرك يُتلى.
٦٥٨١ - حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك بن مزاحم قال: المحكم، ما لم ينسخ = وما تشابه منه: ما نسخ.
٦٥٨٢ - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"آيات محكمات هن أم الكتاب"، قال: الناسخ ="وأخر متشابهات"، قال: المنسوخ.
٦٥٨٣ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يحدث قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"منه آيات محكمات"، يعني الناسخ الذي يعمل به ="وأخر متشابهات"، يعنى المنسوح، يؤمن به ولا يعمل به.
٦٥٨٤- حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سلمة، عن الضحاك:"منه آيات محكمات"، قال: ما لم ينسخ ="وأخر متشابهات"، قال: ما قد نسخ.
* * *
وقال آخرون:"المحكمات" من آي الكتاب: ما أحكم الله فيه بيانَ حلاله وحرامه ="والمتشابه" منها: ما أشبه بعضُه بعضًا في المعاني، وإن اختلفت ألفاظه.
ذكر من قال ذلك:
٦٥٨٥ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"منه آيات محكمات"، ما فيه من الحلال والحرام، وما سوى ذلك فهو"متشابه"، يصدّق بعضُه بعضًا = وهو مثل قوله: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ) [سورة البقرة: ٢٦]، ومثل قوله: (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [سورة الأنعام: ١٢٥]، ومثل قوله: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [سورة محمد: ١٧].
٦٥٨٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
وقال آخرون:"المحكمات" من آي الكتاب: ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد ="والمتشابه" منها: ما احتمل من التأويل أوجهًا.
ذكر من قال ذلك:
٦٥٨٧ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير:"هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات"، فيهن حجة الربّ، وعصمةُ العباد، ودفع الخصُوم والباطل، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعت عليه = (١) "وأخَرُ متشابهات"، في الصدق، (٢) لهن تصريف وتحريف وتأويل، (٣) ابتلى الله فيهن العبادَ، كما ابتلاهم في الحلال والحرام، لا يُصرفن إلى الباطل ولا يحرّفن عن الحق. (٤)
* * *
(٢) في المطبوعة: "وأخر متشابهة"، والصواب من المخطوطة وابن هشام. وليس في نص ابن هشام: "في الصدق"، ولكنها ثابتة في المخطوطة.
(٣) ليس في نص رواية ابن هشام"وتحريف".
(٤) الأثر ٦٥٨٧- هو بقية الآثار السالفة التي آخرها: ٦٥٧١، من روايته عن ابن إسحاق.
وقال آخرون: معنى"المحكم": ما أحكم الله فيه من آي القرآن، وقَصَص الأمم ورُسلهم الذين أرسلوا إليهم، ففصّله ببيان ذلك لمحمد وأمته ="والمتشابه"، هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التكرير في السور، بقَصّه باتفاق الألفاظ واختلاف المعاني، وبقصّه باختلاف الألفاظ واتفاق المعانى. (١)
ذكر من قال ذلك:
٦٥٨٨ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد وقرأ: (ألر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [سورة هود: ١]، قال: وذكر حديثَ رسول الله ﷺ في أربع وعشرين آية منها: (٢) وحديثَ نوح في أربع وعشرين آية منها. ثم قال: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ) [سورة هود: ٤٩]، ثم ذكر (وَإِلَى عَادٍ)، فقرأ حتى بلغ (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) (٣) ثم مضى. ثم ذكر صالحًا وإبراهيم ولوطًا وشعيبًا وفرغ من ذلك. وهذا تبيين ذلك، تبيين"أحكمت آياته ثم فصلت" = (٤) قال: والمتشابهُ ذكر موسى في أمكنة
(٢) يعني من"سورة هود"، وهذا التعداد الآتي على الترتيب في المصحف.
(٣) كأنه يعني أنه قرأ حتى بلغ هذه الآية من سورة هود: ٨٩- ولكن هذه الآية في ذكر خبر شعيب عليه السلام، فلا أدري ما قوله بعد: "ثم مضى، ثم ذكر صالحًا وإبراهيم ولوطًا وشعيبًا". وظني أن نص عبارته:
"ثم مضى. ذكر صالحًا وإبراهيم ولوطًا وشعيبًا | " بإسقاط"ثم" الثانية. وانظر التعليق التالي. |
وهذا يقين ذلك يقين أحكمت | " وكأن الصواب ما أثبت. |
فمن أجل ذلك، رجحت التصحيح السالف في التعليق الماضي، ورجحت أن تكون"يقين" في الموضعين: "تبيين".
كثيرة، وهو متشابه، وهو كله معنى واحد. ومتشابه: (فَاسْلُكْ فِيهَا) (احْمِلْ فِيهَا)، (اسْلُكْ يَدَكَ) (أدخل يدك)، (حَيَّةً تَسْعَى) (ثُعْبَانٌ مُبِينٌ) = (١) قال: ثم ذكر هودًا في عشر آيات منها، (٢) وصالحًا في ثماني آيات منها، وإبراهيم في ثماني آيات أخرى، ولوطًا في ثماني آيات منها، وشعيبًا في ثلاث عشرة آية، وموسى في أربع آيات، كلّ هذا يقضي بين الأنبياء وبين قومهم في هذه السورة، فانتهى ذلك إلى مئة آية من سورة هود، ثم قال: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ) [سورة هود: ١٠٠]. وقال في المتشابه من القرآن: من يرد الله به البلاء والضلالة يقول: ما شأن هذا لا يكون هكذا؟ وما شأن هذا لا يكون هكذا؟
* * *
وقال آخرون: بل"المحكم" من آي القرآن: ما عرف العلماءُ تأويله، وفهموا معناه وتفسيره = و"المتشابه": ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل، مما استأثر الله بعلمه دون خلقه، وذلك نحو الخبر عن وقت مَخْرج عيسى ابن مريم، ووقت طُلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وفناءِ الدنيا، وما أشبه ذلك، فإن ذلك لا يعلمه أحدٌ. وقالوا: إنما سمى الله من آي الكتاب"المتشابه"، الحروف المقطّعة التي في أوائل بعض سور القرآن، من نحو"ألم" و"ألمص"، و"ألمر"، و"ألر"، وما أشبه ذلك، لأنهن متشابهات في الألفاظ، وموافقات حروف حساب الجمَّل. وكان قومٌ من اليهود على عهد رسول الله ﷺ طَمِعوا أن يدركوا من قِبَلها معرفة مدّة الإسلام وأهله، ويعلموا نهايةَ أُكْلِ
(٢) "منها" يعني من"سورة هود"، وكذلك سائر ما بعده.
محمد وأمته، (١) فأكذب الله أحدوثتهم بذلك، وأعلمهم أنّ ما ابتغوا علمه من ذلك من قِبَل هذه الحروف المتشابهة لا يدركونه ولا من قبل غيرها، وأن ذلك لا يعلمه إلا الله.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا قولٌ ذُكر عن جابر بن عبد الله بن رئاب: (٢) أن هذه الآية نزلت فيه، (٣) وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه وعن غيره ممن قال نحو مقالته، في تأويل ذلك في تفسير قوله: (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ) (٤) [سورة البقرة: ٢]
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرناه عن جابر بن عبد الله أشبه بتأويل الآية. وذلك أن جميع ما أنزل الله عز وجل من آي القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنما أنزله عليه بيانًا له ولأمته وهدًى للعالمين، وغيرُ جائز أن يكون فيه ما لا حاجة بهم إليه، ولا أن يكون فيه ما بهم إليه الحاجةُ، ثم لا يكون لهم إلى علم تأويله سبيل. فإذْ كان ذلك كذلك، فكل ما فيه بخلقه إليه الحاجة، (٥) وإن كان في بعضه ما بهم عن بعض معانيه الغنى= [وإن اضطرته الحاجة إليه في معان كثيرة] (٦) = وذلكَ
(٢) في المطبوعة: "بن رباب" وهو خطأ، والصواب ما أثبت و"رئاب" بكسر الراء. وانظر ما سلف ١: ٢١٦ وما سيأتي في التعليق: ٤، وفيه المرجع.
(٣) قوله: "فيه"، أي: في هذا القول. لا في"جابر بن عبد الله".
(٤) انظر ما سلف ١: ٢٤٥-٢٢٤ في تفسير"ألم"، والأثر رقم: ٢٤٦ والتعليق عليه.
(٥) في المطبوعة: "لخلقه"، وفي المخطوطة: "محلقه" غير منقوطة، والحرف الأول كأنه ميم مطموسة، وصواب قراءته ما أثبت.
(٦) هذه الجملة التي بين القوسين، هكذا جاءت في المطبوعة، ومثلها في المخطوطة وإن كان قوله "اصطرته" غير منقوطة هكذا. وهي عبارة غير واضحة المعنى، وأنا أخشى أن يكون الناسخ قد أغفل أسطرًا من هذا الموضع، فاختلط الكلام علينا وعليه! وإسقاط هذه الجملة من سياق الكلام لا يضر. ولكني تركتها على حالها، ووضعتها بين قوسين، وحصرتها بين الخطوط، ليعرف مكانها، ومكان السقط الذي رجحت أنه سهو من الناسخ.
كقول الله عز وجل: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) [سورة الأنعام: ١٥٨]، فأعلم النبي ﷺ أمته أن تلك الآية التي أخبر الله جل ثناؤه عبادَه أنها إذا جاءت لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ذلك، هي طُلوع الشمس من مغربها. (١) فالذي كانت بالعباد إليه الحاجة من علم ذلك، هو العلم منهم بوقت نَفع التوبة بصفته، بغير تحديده بعدد السنين والشهور والأيام. (٢) فقد بين الله ذلك لهم بدلالة الكتاب، وأوضحه لهم على لسان رسوله ﷺ مفسَّرًا. والذي لا حاجة بهم إلى علمه منه، (٣) هو العلم بمقدار المدة التي بين وقت نزول هذه الآية ووقت حدوث تلك الآية، فإن ذلك مما لا حاجة بهم إلى علمه في دين ولا دنيا. وذلك هو العلم الذي استأثر الله جل ثناؤه به دون خلقه، فحجبه عنهم. وذلك وما أشبهه، هو المعنى الذي طلبت اليهودُ معرفته في مدّة محمد ﷺ وأمته من قبل قوله:"ألم" و"ألمص" و"ألر" و"ألمر" ونحو ذلك من الحروف المقطّعة المتشابهات، التي أخبر الله جل ثناؤه أنهم لا يدركون تأويل ذلك من قبله، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله.
فإذْ كان المتشابه هو ما وصفنا، فكل ما عداه فمحكم. لأنه لن يخلو من أن يكون محكمًا بأنه بمعنى واحد لا تأويل له غير تأويل واحد، وقد استغنى بسماعه عن بيان يُبينه = (٤) أو يكون محكمًا، وإن كان ذا وُجوه وتأويلات وتصرف في
(٢) في المطبوعة: "بعد بالسنين... "، وفي المخطوطة: "بعد السنين... "، وظاهر أن الناسخ أسقط الدال الثانية من"بعدد".
(٣) في المطبوعة: "لا حاجة لهم" باللام، وأثبت صوابها من المخطوطة.
(٤) في المطبوعة والمخطوطة"مبينة"، ولكن ميم المخطوطة كأنها ليست"ميما"، وصواب قراءة النص هو ما أثبت.
معان كثيرة. فالدلالة على المعنى المراد منه، إما من بيان الله تعالى ذكره عنه، أو بيان رسوله ﷺ لأمته. ولن يذهبَ علم ذلك عن علماء الأمة لما قد بيَّنَّا.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب﴾
قال أبو جعفر: قد أتينا على البيان عن تأويل ذلك بالدلالة الشاهدة على صحة ما قلناه فيه. (١) ونحن ذاكرو اختلاف أهل التأويل فيه، وذلك أنهم اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: معنى قوله:"هن أم الكتاب"، هنّ اللائي فيهن الفرائض والحدود والأحكام، نحو قولنا الذي قلنا فيه. (٢)
ذكر من قال ذلك:
٦٥٨٩- حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر أنه قال في هذه الآية:"محكمات هنّ أم الكتاب". قال يحيى: هن اللاتي فيهنّ الفرائضُ والحدودُ وعمادُ الدين = وضرب لذلك مثلا فقال:"أمّ القرى" مكة،"وأم خراسان"، مَرْو،"وأمّ المسافرين"، الذي يجعلون إليه أمرَهم، ويُعنى بهم في سفرهم، قال: فذاك أمهم. (٣)
٦٥٩٠ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"هن أم الكتاب"، قال: هن جماع الكتاب.
* * *
(٢) في المطبوعة: "نحو قلنا" وهو سهو صوابه من المخطوطة.
(٣) الأثر: ٦٥٨٩-"عمران بن موسى الفزار"، و"عبد الوارث بن سعيد" مضت ترجمتهما برقم ٢١٥٤. وانظر التعليق على الأثر رقم: ٦٥٩١، التالي.
وقال آخرون: بل يعني بذلك: (١) فواتح السور التي منها يستخرج القرآن.
ذكر من قال ذلك:
٦٥٩١ - حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن أبي فاختة أنه قال في هذه الآية:"منه آيات محكمات هن أم الكتاب"، قال:"أم الكتاب" فواتح السور، منها يستخرج القرآن - (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ)، منها استخرجت"البقرة"، و (الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ) منها استخرجت"آل عمران". (٢)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق وانحرافٌ عنه.
* * *
يقال منه:"زاغ فلان عن الحق، فهو يَزيغ عنه زَيْغًا وزيَغانًا وزيْغُوغَة وزُيوغًا"، و"أزاغه الله" - إذا أماله -"فهو يُزيغه"، ومنه قوله جل ثناؤه: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا) لا تملها عن الحق = (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) [سورة آل عمران: ٨].
* * *
(٢) الأثر: ٦٥٩١-"أبو فاختة" هو"سعيد بن علاقة الهاشمي"، مولى أم هانئ، ثقة مترجم في التهذيب. وانظر الأثر السالف رقم: ٦٥٨٩. فقد خرجهما السيوطي في الدر المنثور ٢: ٤، أثرًا واحدًا مختصرًا وقال: "عن إسحاق بن سويد أن يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا هذه الآية: هن أم الكتاب، فقال أبو فاختة... وقال يحيى بن يعمر... " وساق ما في هذين الأثرين مختصرًا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:-
ذكر من قال ذلك:
٦٥٩٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير:"فأما الذين في قلوبهم زيغٌ"، أي: ميل عن الهدى. (١)
٦٥٩٣ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"في قلوبهم زيغ"، قال: شك.
٦٥٩٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٦٥٩٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"فأما الذين في قلوبهم زيغ"، قال: من أهل الشك.
٦٥٩٦ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس = وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:"فأما الذين في قلوبهم زيغ"، أما الزيغ فالشك.
٦٥٩٧ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: قال:"زيغ" شك = قال ابن جريج:"الذين في قلوبهم زيغ"، المنافقون.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"فيتبعون ما تشابه"، ما تشابهت ألفاظه وتصرَّفت معانيه بوجوه التأويلات، ليحققوا = بادّعائهم الأباطيلَ من التأويلات في ذلك = ما هم عليه من الضلالة والزّيغ عن محجة الحقّ، تلبيسًا منهم بذلك على من ضعفت معرفته بوجوه تأويل ذلك وتصاريف معانيه، كما:-
٦٥٩٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"فيتبعون ما تشابه منه"، فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم، ويلبِّسون، فلبَّس الله عليهم.
٦٥٩٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير:"فيتبعون ما تشابه منه"، أي: ما تحرّف منه وتصرف، (١) ليصدقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا، ليكون لهم حجة على ما قالوا وشُبْهةً. (٢)
٦٦٠٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله:"فيبعون ما تشابه منه"، قال: الباب الذي ضلُّوا منه وهلكوا فيه ابتغاءَ تأويله.
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:
(٢) الأثر: ٦٥٩٩- هو بقية الآثار السالفة التي آخرها رقم: ٦٥٩٢، بإسناده عن ابن إسحاق. ونص ما في سيرة ابن هشام ٢: ٢٢٦"لتكون لهم حجة، ولهم على ما قالوا شبهة".
وتركت ما في التفسير هنا على حاله، لأن روايته عن ابن إسحاق، غير رواية ابن هشام".
٦٦٠١ - حدثني به موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط عن السدي في قوله:"فيتبعون ما تشابه منه"، يتبعون المنسوخَ والناسخَ فيقولون: ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا مجان هذه الآية، (١) فتركت الأولى وعُمل بهذه الأخرى؟ هلا كان العمل بهذه الآية قبل أن تجيء الأولى التي نُسخت؟ وما باله يعد العذابَ مَنْ عمل عملا يعذبه [في] النار، (٢) وفي مكان آخر: مَنْ عمله فإنه لم يُوجب النار؟
* * *
واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية.
فقال بعضهم: عُني به الوفدُ من نصارى نجران الذين قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاجُّوه بما حاجُّوه به، وخاصموه بأن قالوا: ألست تزعم أنّ عيسى روح الله وكلمته؟ وتأولوا في ذلك ما يقولون فيه من الكفر.
ذكر من قال ذلك:
٦٦٠٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: عَمدوا - يعني الوفد الذين قدموا على رسول الله ﷺ من نصارى نجران - فخاصموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قالوا: ألست تزعم أنه كلمةُ الله ورُوحٌ منه؟ قال: بلى! قالوا: فحسبُنا! فأنزل الله عز وجل:"فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة"، ثم
(٢) في المطبوعة: "يعد به النار" بالدال المهملة، ولا معنى له. وفي المخطوطة"عد به" غير منقوطة، وصواب قراءتها"يعذبه"، وما بين القوسين زيادة يقتضيها سياق الكلام.
إن الله جل ثناؤه: أنزل (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) [سورة آل عمران: ٥٩]، الآية.
* * *
وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية في أبي ياسر بن أخطب، وأخيه حُييّ بن أخطب، والنفر الذين ناظروا رسول الله ﷺ في قَدْر مُدة أُكْلِه وأكْل أمته، (١) وأرادوا علم ذلك من قِبَل قوله:"ألم و"ألمص"، و"ألمر" و"ألر"، فقال الله جل ثناؤه فيهم:"فأما الذين في قلوبهم زيغ" - يعني هؤلاء اليهود الذين قُلوبهم مائلة عن الهدى والحق ="فيتبعون ما تَشابه منه" يعني: معاني هذه الحروف المقطّعة المحتملة التصريف في الوجوه المختلفة التأويلات ="ابتغاءَ الفتنة".
وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى قبل، في أول السورة التي تذكر فيها"البقرة". (٢)
* * *
وقال آخرون: بل عنى الله عز وجل بذلك كل مبتدع في دينه بدعة مخالفةً لما ابتعث به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، بتأويل يتأوله من بعض آي القرآن المحتملة التأويلات، وإن كان الله قد أحكم بيانَ ذلك، إما في كتابه، وإما على لسان رسوله.
ذكر من قال ذلك:
٦٦٠٣ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"فأما الذين في قُلوبهم زَيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاءَ الفتنة"، وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية:"فأما الذين في قلوبهم زيغ" قال: إن لم يكونوا الحرُوريّة والسبائية، (٣) فلا أدري من هم! ولعمري لقد كان في أهل بدر
(٢) انظر الأثر السالف رقم: ٢٤٦.
(٣) "الحرورية"، هم الخوارج، اجتمعوا بحروراء بظاهر الكوفة، فكان هناك أول اجتماعهم بها وتحكيمهم حين خالفوا عليًا، وأما "السبائية"، فهم منسوبون إلى ابن السوداء اليهودي"عبد الله بن سبأ" وهو الذي قال لعلي: "أنت أنت" يعني أن الأمام فيه الجزء الإلهي، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا فنفاه علي إلى المدائن. هذا وقد كتبت في المخطوطة"السبائية"، وفي المطبوعة"السبئية"، وآثرت ما في المخطوطة لأنها هكذا هي في أكثر الكتب.
والحديبية الذين شهدوا مع رسول الله ﷺ بيعة الرّضوان من المهاجرين والأنصار خبرٌ لمن استخبر، وعبرةٌ لمن استعبر، لمن كان يَعْقِل أو يُبصر. (١) إن الخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله ﷺ يومئذ كثيرٌ بالمدينة والشأم والعراق، وأزواجه يومئذ أحياء. والله إنْ خَرَج منهم ذكرٌ ولا أنثى حروريًّا قط، ولا رضوا الذي هم عليه، ولا مالأوهم فيه، بل كانوا يحدّثون بعيب رسول الله ﷺ إياهم ونعتِه الذي نعتهم به، وكانوا يبغضونهم بقلوبهم، ويعادونهم بألسنتهم، وتشتدّ والله عليهم أيديهم إذا لقوهم. ولعمري لو كان أمر الخوارج هُدًى لاجتمع، ولكنه كان ضلالا فتفرّق. وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافًا كثيرًا. فقد ألاصوا هذا الأمر منذ زمان طويل. (٢) فهل أفلحوا فيه يومًا أو أنجحوا؟ يا سبحان الله؟ كيف لا يعتبر آخر هؤلاء القوم بأوّلهم؟ لو كانوا على هدى، قد أظهره الله وأفلجه ونصره، (٣) ولكنهم كانوا على باطل أكذبه الله وأدحضه. فهم كما رأيتهم، كلما خَرج لهم قَرْنٌ أدحض الله حجتهم، وأكذب أحدوثتهم، وأهرَاق دماءهم. إن كتموا كان قَرْحًا في قلوبهم، (٤) وغمًّا عليهم. وإن أظهروه أهرَاق الله دماءهم. ذاكم والله دينَ سَوْء فاجتنبوه. والله إنّ اليهودية لبدعة، وإن النصرانية لبدْعة، (٥) وإن الحرورية لبدعة، وإن السبائية لبدعة، ما نزل بهن كتابٌ ولا سنَّهنّ نبيّ.
٦٦٠٤ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"، طلب القوم التأويل، فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة، فاتبعوا ما تشابه منه، فهلكوا من ذلك. لعمري لقد كان في أصحاب بدر والحديبية الذي شهدوا بيعة الرضوان = وذكر نحو حديث عبد الرزاق، عن معمر، عنه.
٦٦٠٥ - حدثني محمد بن خالد بن خداش ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هو الذي أنزل عليك الكتاب" إلى قوله:"وما يذَّكر إلا أولوا الألباب"، فقال: فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين عنى الله، فاحذرُوهم. (٦)
(٢) ألاص الأمر: أداره وحاوله. وألاص فلانًا على هذا الأمر: أداره على الشيء الذي يريده.
(٣) في المطبوعة: "أفلحه" بالحاء المهملة، وهو في المخطوطة غير منقوطة، وصواب قراءته بالجيم. أفلج الله حجته: أظهرها، وجعل له الفلج، أي الفوز والغلبة.
(٤) في المخطوطة والمطبوعة: "وإن كتموا... "، والسياق يقتضي حذف الواو.
(٥) عنى باليهودية والنصرانية، ما ابتدعه اليهود والنصارى من القول في عزير، وأنه ابن الله، وغير ذلك من مذاهبهم - ومن القول في المسيح، وأنه ابن الله، وغير ذلك من مقالاتهم.
(٦) الحديث: ٦٦٠٥- هذا الحديث رواه الطبري هنا بأحد عشر إسنادًا، كلها من رواية ابن أبي مليكة، إلا واحدًا، وهو الحديث: ٦٦١١. واختلف الرواة عن ابن أبي مليكة، فبعضهم يرويه عنه عن عائشة مباشرة، وبعضهم يرويه عنه عن القاسم عن عائشة. وكل صحيح، كما سيأتي.
وابن أبي مليكة: هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، القرشي المكي. وهو تابعي كبير ثقة، سمع عائشة وغيرها من الصحابة. ترجمه البخاري في الصغير، ص: ١٣١، وابن سعد ٥: ٣٤٧-٣٤٨، وابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ٩٩-١٠٠، والمصعب في نسب قريش، ص: ٢٩٣.
فقال الترمذي: ٤: ٨٠، بعد أن روى الحديث بالوجهين، كما سيأتي-: "هكذا روى غير واحد هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن عائشة، ولم يذكروا فيه: عن القاسم بن محمد. وإنما ذكره يزيد بن إبراهيم: عن القاسم بن محمد، في هذا الحديث. وابن أبي مليكة، هو"عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة. وقد سمع من عائشة أيضًا".
ولم ينفرد يزيد بن إبراهيم بذكر"القاسم" في الإسناد، كما زعم الترمذي. وسيجيء بيان ذلك، إن شاء الله.
وقال الحافظ في الفتح ٨: ١٥٧: "قد سمع ابن أبي مليكة من عائشة كثيرًا، وكثيرًا ما يدخل بينها وبينه واسطة. وقد اختلف عليه في هذا الحديث..".
والحديث - من هذا الوجه، من رواية ابن علية، عن أيوب -: رواه أحمد في المسند ٦: ٤٨ (حلبي)، عن ابن علية، بهذا الإسناد. وكذلك رواه ابن ماجه: ٤٧، عن محمد بن خالد بن خداش - شيخ الطبري هنا - عن ابن علية، به.
ومحمد بن خالد بن خداش، هذا: مترجم في التهذيب. وقال: "ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أغرب عن أبيه".
ولم يترجمه ابن أبي حاتم، ولم يذكره الخطيب في تاريخ بغداد، مع أنه سكنها، كما في التهذيب.
والحديث ذكره ابن كثير ٢: ٩٧، عن رواية المسند. ثم قال: "هكذا وقع هذا الحديث في مسند الإمام أحمد، من رواية ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها، ليس بينهما أحد". ثم أشار إلى رواية ابن ماجه، وإلى روايات أخر، تذكر فيما سيأتي.
ولكن وقع في ابن كثير"يعقوب" بدل"أيوب"! وهو خطأ ناسخ أو طابع. وثبت في المسند على الصواب"أيوب".
٦٦٠٦-حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة أنها قالت: قرأ نبيّ الله ﷺ هذه الآية:"هو الذي أنزل عليك الكتاب" إلى"وما يذكر إلا أولوا الألباب"، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه - أو قال: يتجادلون فيه - فهم الذين عنى الله، فاحذرهم = قال مطر، عن أيوب أنه قال: فلا تجالسوهم، فهم الذين عنىَ الله فاحذروهم. (١)
مطر: هو ابن طهمان - بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء - الوراق. وهو ثقة، تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه. مات سنة ١٢٥.
والحديث - من هذا الوجه - رواه ابن حبان في صحيحه، رقم: ٧٥ بتحقيقنا، من طريق عاصم بن النضر الأحول، عن المعتمر بن سليمان، بهذا الإسناد.
وقال ابن حبان عقب روايته: "سمع هذا الخبر أيوب عن مطر الوراق وابن أبي مليكة جميعًا".
وهذا خطأ، فاتنا أن ننبه إليه هناك، إذ فهمناه على المعنى الصحيح، لم نتنبه إلى اللفظ! فابن حبان يريد أن يقول: "سمع هذا الخبر أيوب ومطر الوراق، جميعًا عن ابن أبي مليكة".
فإما كان ما ثبت فيه سبق قلم من ابن حبان، وإما كان سهوًا من الناسخين. فما كان ابن حبان ليخفى عليه أن مطرًا الوراق لم يدرك عائشة، وهو قد ذكره في الثقات، ص: ٣٤٤-٣٤٥، وذكر أنه يروي عن أنس بن مالك، وأنه مات سنة ١٢٥، قيل: ١٢٩. ومع ذلك فلم يسلم له هذا، فقد روى ابن أبي حاتم في المراسيل، ص: ٧٨، عن أبي زرعة، قال: "مطر لم يسمع من أنس شيئًا. وهو مرسل".
ولكن يعكر على كلام ابن حبان- إذا قرئ على الوجه الصواب الذي ذكرنا-: أن رواية الطبري هنا صريحة في أن مطرًا سمعه من أيوب بالزيادة التي زادها في لفظ الحديث. ويكون المعتمر بن سليمان سمعه من أيوب مختصرًا، بلفظ"فاحذروهم"، وسمعه من مطر الوراق عن أيوب مطولا، باللفظ الآخر. وهذا هو الصواب إن شاء الله. ومطر وأيوب من طبقة واحدة.
٦٦٠٧ - حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النبي ﷺ بنحو معناه. (١)
٦٦٠٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النبي ﷺ نحوه. (٢)
٦٦٠٩ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرنا الحارث، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية:"هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هُنّ أم الكتاب وأخر متشابهات" الآية كلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، والذين يجادلون فيه، فهم الذين عنى الله، أولئك الذين قال الله، فلا تجالسوهم. (٣)
وأشار إليه ابن كثير ٢: ٩٧، من رواية ابن ماجه. ثم قال: "ورواه محمد بن يحيى العبدي، في مسنده، عن عبد الوهاب الثقفي، به".
(٢) الحديث: ٦٦٠٨- هو الحديث السابق. وهو من رواية معمر عن أيوب. وأشار إليه ابن كثير ٢: ٩٧، قال: "وكذا رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب. وكذا رواه غير واحد عن أيوب".
ولم يذكر ابن كثير تخريجًا آخر لرواية معمر هذه. وتفسير عبد الرزاق، مخطوطة دار الكتب المصرية - فيه خرم من أواخر سورة البقرة، إلى أوائل سورة النساء.
(٣) الحديث: ٦٦٠٩- الحارث: هو ابن بنهان الجرمي البصري. وهو ضعيف جدًا. قال البخاري في الكبير ١ / ٢ / ٢٨٢: "منكر الحديث". وكذلك قال في الصغير، ص: ١٨٥. وفي التهذيب عن الترمذي في العلل الكبير، عن البخاري: "منكر الحديث، لا يبالي ما حدث. وضعفه جدًا". وروى ابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٩١-٩٢، عن أحمد بن حنبل، قال: "رجل صالح، ولم يكن يعرف بالحديث، ولا يحفظه، منكر الحديث".
وعلى الرغم من ضعف الحارث هذا، فإن أصل الحديث صحيح، بالأسانيد الأخر: السابقة واللاحقة.
٦٦١٠ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن إبراهيم، عن ابن أبي مليكة قال: سمعت القاسم بن محمد يحدث، عن عائشة قالت: تلا النبي ﷺ هذه الآية:"هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هُنّ أم الكتاب"، ثم قرأ إلى آخر الآيات، فقال:"إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمَّى الله، فاحذروهم. (١)
٦٦١١ - حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: نزع رسول الله
أبو أسامة: هو حماد بن أسامة الكوفي الحافظ. مضت ترجمته: ٢٩٩٥.
يزيد بن إبراهيم التستري البصري الحافظ: ثقة ثبت. وثقه أحمد، ووكيع، وأبو حاتم، وغيرهم. وجعله ابن معين أثبت من جرير بن حازم.
وهذا الإسناد أحد الروايات في هذا الحديث، التي فيها زيادة"القاسم بن محمد"، بين ابن أبي مليكة وعائشة. وكل صحيح. فهو من المزيد في متصل الأسانيد: سمعه ابن أبي مليكة من عائشة، وسمعه من القاسم عن عائشة. فحدث به على الوجهين، تارة هكذا، وتارة هكذا.
والحديث - من هذا الوجه-: رواه أبو داود الطيالسي: ١٤٣٣، عن يزيد بن إبراهيم، بهذا الإسناد، نحوه، مختصرًا قليلا.
ورواه البخاري ٨: ١٥٧-١٥٩ (فتح). ومسلم ٢: ٣٠٣-٣٠٤. وأبو داود: ٤٥٩٨- ثلاثتهم عن القعنبي، عن يزيد بن إبراهيم، بهذا الإسناد.
ورواه الترمذي: ٤: ٨٠، عن عبد بن حميد، عن أبي الوليد الطيالسي، عن يزيد بن إبراهيم، به، نحوه. وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
ورواه ابن حبان في صحيحه، رقم: ٧٢ بتحقيقنا، من طريق عبد الله - وهو ابن المبارك الإمام شيخ الإسلام - عن يزيد بن إبراهيم، به.
ولم ينفرد يزيد بن إبراهيم بزيادة"القاسم" بين ابن أبي مليكة وعائشة، فسيأتي بإسناد آخر: ٦٦١٥، بزيادة القاسم، وسيأتي أيضًا عقب هذا: ٦٦١١ من رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه.
صلى الله عليه وسلم:"يتبعُون ما تَشابه منه"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد حذركم الله، فإذا رأيتموهم فاعرفوهم. (١)
٦٦١٢ - حدثنا علي قال، حدثنا الوليد، عن نافع بن عمر، عن [ابن أبي مليكة، حدثتني] عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتموهم فاحذروهم، ثم نزع:"فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه"، ولا يعملون بمحكمه. (٢)
عبد الرحمن: هو ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر. مضت ترجمته في: ٢٨٣٦.
وهذا إسناد صحيح. وهو متابعة صحيحة قوية لرواية ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد.
وقد نقله ابن كثير ٢: ٩٨. ثم قال: "ورواه ابن مردويه، من طريق أخرى، عن القاسم، عن عائشة، به".
وانظر الحديث الآتي: ٦٦١٥.
وقوله: "نزع رسول الله" - يقال: انتزع بالآية والشعر: تمثل. ويقال للرجل إذا استنبط معنى آية من كتب الله: "قد انتزع معنى جيدًا" و"نزعه"، أي استخرجه. ولعلها عنت بقولها"نزع" هنا -: استشهد، أو قرأ مستشهدًا. وانظر الحديث التالي لهذا.
(٢) الحديث: ٦٦١٢- نافع بن عمر بن عبد الله بن جميل، الجمحي القرشي المكي: ثقة، قال أحمد بن حنبل: "ثبت ثبت صحيح الحديث". وهو مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢ / ٨٦، وابن سعد ٥: ٣٦٣. ونسب قريش للمصعب: ٤٠٠. وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٤٥٦، وتذكرة الحفاظ ١: ٢١٣.
ووقع في المخطوطة والمطبوعة هنا: "نافع عن عمر"! بدل"نافع بن عمر". وهو خطأ. تصويبه عن الفتح ٨: ١٥٧، حيث ذكر فيمن روى هذا الحديث"عن ابن أبي مليكة دون ذكر القاسم" -".... ونافع بن عمر، وابن جريج، وغيرهما". وكذلك صححناه عن ابن كثير، كما سنذكر.
ثم وقع في الأصلين خطأ آخر أشد من ذاك وأشنع! ففيهما: "عن نافع، عن عمر، عن عائشة"!! فحذف"ابن أبي مليكة" من الإسناد. ثم حذف تصريحه بالسماع من عائشة.
فصححنا الإسناد، وأثبتنا ما سقط منه خطأ من الناسخين، وهو ما زدناه بعد كلمة"عن"، بين علامتي الزيادة: [ابن أبي مليكة، حدثتني].
وهذه الزيادة أخذناها من ابن كثير ٢: ٩٨، حيث قال: "ورواه ابن جرير، من حديث روح بن القاسم، ونافع بن عمر الجمحي، كلاهما عن ابن أبي مليكة، عن عائشة. وقال نافع في روايته: عن ابن أبي مليكة، حدثتني عائشة. فذكره".
فهذا هو الصواب، الذي أفادنا ما سقط هنا من الإسناد من الناسخين. والحمد لله.
ثم إن الحديث سيأتي: ٦٦١٤، من هذا الوجه، على الصواب، من رواية خالد بن نزار، عن نافع - وهو ابن عمر الجمحي-"عن ابن أبي مليكة، عن عائشة".
٦٦١٣- حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال، أخبرنا عمي قال، أخبرني شبيب بن سعيد، عن روح بن القاسم، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة: أن رسول الله ﷺ سُئل عن هذه الآية:"فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاءَ الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم"، فقال: فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين عنى الله، فاحذروهم. (١)
٦٦١٤- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا خالد بن نزار، عن نافع، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة في هذه الآية،"هو الذي أنزل عليك الكتاب"، الآية،"يتبعها"، يتلوها، ثم يقول: فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فاحذروهم، فهم الذين عنى الله. (٢)
شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري: قال ابن المديني: "ثقة، كان يختلف إلى مصر في تجارة، وكتابه كتاب صحيح". وفي مصر سمع منه ابن وهب. مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ٢ / ٢٣٤، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٣٥٩.
و"الحبطي": بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة. نسبة إلى"الحبطات". بطن من تميم.
روح بن القاسم التميمي العنبري البصري: ثقة، وثقه أحمد، وابن معين، وغيرهما. وقال سفيان بن عيينة: "لم أر أحدًا طلب الحديث وهو مسن أحفظ من روح بن القاسم".
وهذا الإسناد أشار إليه ابن كثير ٢: ٩٨، كما نقلنا كلامه عند الإسناد الذي قبله.
(٢) الحديث: ٦٦١٤- خالد بن نزار بن المغيرة الأيلي: ثقة. مترجم في التهذيب فقط. وشيخه نافع: هو ابن عمر الجمحي.
وهذا الحديث تكرار للحديث: ٦٦١٢، من رواية نافع الجمحي، ومؤيد لما ذكرنا أنه سقط من ذاك الإسناد.
فهؤلاء: أيوب، ونافع بن عمر، وخالد بن نزار رووه عن ابن أبي مليكة، عن عائشة - مباشرة، دون واسطة"القاسم" بينهما، بل صرح نافع بن عمر بسماع ابن أبي مليكة إياه من عائشة، كما مضى في: ٦٦١٢.
وتابعهم على ذلك أبو عامر الخزاز:
فرواه الترمذي ٤: ٨٠، عن محمد بن بشار، عن أبي داود الطيالسي، عن أبي عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة - دون ذكر القاسم.
وأبو عامر الخزاز - بمعجمات - هو صالح بن رستم. مضت ترجمته: ٥٤٥٨.
وهذه المتابعة ذكرها ابن كثير ٢: ٩٨، والحافظ في الفتح ٨: ١٥٧. وإسنادها صحيح.
ورواه أيضًا سعيد بن منصور، عن حماد بن يحيى، عن ابن أبي مليكة. عن عائشة، نقله ابن كثير ٢: ٩٨. وهو إسناد صحيح.
وتابعهم أيضًا ابن جريج. ذكره الحافظ في الفتح ٨: ١٥٧، ولكن لم يذكر من خرجه. ولم أجده في مصدر آخر مما بين يدي من المصادر.
٦٦١٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة، عن النبي ﷺ في هذه الآية:"هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب" إلى آخر الآية، قال: هم الذين سَمّاهم الله، فإذا أريتموهم فاحذروهم. (١)
* * *
قال أبو جعفر: والذي يدل عليه ظاهر هذه الآية، أنها نزلت في الذين جادَلوا رسولَ الله ﷺ بمتشابه ما أنزل إليه من كتاب الله، إمّا
وهو يرد ادعاء الترمذي أن يزيد بن إبراهيم انفرد بهذه الزيادة، كما ذكرنا في ٦٦٠٥. فقد تابعه على ذلك حماد بن سلمة، في هذا الإسناد.
وكذلك رواه أبو داود الطيالسي في مسنده: ١٤٣٢، عن حماد بن سلمة، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة.
وقد جمع الروايتين: رواية يزيد ورواية حماد - أبو الوليد الطيالسي في روايته عنهما. فرواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي الوليد الطيالسي، عن يزيد بن إبراهيم التستري وحماد بن سلمة - معًا - عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة. نقله ابن كثير ٢: ٩٨، عن ابن أبي حاتم، وأشار إليه الحافظ في الفتح ٨: ١٥٧.
وقد مضت من قبل: ٦٦١١ رواية حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة. فدل هذا وذاك على أن حماد بن سلمة رواه عن شيخين عن القاسم: رواه عن عبد الرحمن بن القاسم، وعن ابن أبي مليكة - كلاهما عن القاسم.
وهناك متابعة أخرى عن القاسم، لا نعرف تفصيل إسنادها. إذ قال ابن كثير ٢: ٩٨"ورواه ابن مردويه، من طريق أخرى، عن القاسم، عن عائشة، به". فلم يذكر ما هي، ولا ما إسنادها، ولم يشر إليها الحافظ في الفتح.
ولحديث - في أصله - ذكره السيوطي ٢: ٥، وزاد نسبته إلى البيهقي في الدلائل.
في أمر عيسى، وأما في مدة أكله وأكل أمته. (١)
وهو بأن تكون في الذين جادلوا رسول الله ﷺ بمتشابهه في مدّته ومدّة أُمّته، أشبُه، لأن قوله:"وما يعلَمُ تأويلَه إلا الله"، دالٌّ على أن ذلك إخبار عن المدة التي أرادوا علمها من قِبَل المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله. فأما أمرُ عيسى وأسبابه، فقد أعلم الله ذلك نبيه محمدًا ﷺ وأمته، وبيّنه لهم. فمعلومٌ أنه لم يعن به إلا ما كان خفيًّا عن الآجال. (٢)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. (٣)
فقال بعضهم: معنى ذلك: ابتغاء الشرك.
ذكر من قال ذلك:
٦٦١٦ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال: حدثنا أسباط، عن السدي:"ابتغاء الفتنة"، قال: إرادة الشرك.
٦٦١٧- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: (ابتغاء الفتنة) يعني الشرك.
* * *
(٢) في المطبوعة: "... أنه لم يعن إلا ما كان خفيًا عن الآحاد"، ولا معنى لها. وفي المخطوطة: "أنه يعره إلا ما كان عليه خفيًا عن الآحاد"، فرجحت أن صواب قراءتها كما أثبتها، "الآجال" جمع أجل، وهو الذي أرادوا معرفته من مدة هذه الأمة. والناسخ هنا كثير السهو والتحريف من عجلته.
(٣) انظر تفسير"الابتغاء" فيما سلف ٣: ٥٠٨ / ثم ٤: ١٦٣. وتفسير"الفتنة" فيما سلف، ٢: ٤٤٣، ٤٤٤ / ثم ٣: ٥٦٥، ٥٦٦، ٥٧٠، ٥٧١ / ثم ٤: ٣٠١.
وقال آخرون: معنى ذلك: ابتغاءَ الشّبهات.
ذكر من قال ذلك:
٦٦١٨ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ابتغاء الفتنة"، قال: الشبهات، بها أهْلِكوا.
٦٦١٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"ابتغاء الفتنة"، الشبهات، قال: هلكوا به.
٦٦٢٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد:"ابتغاء الفتنة"، قال: الشبهات. قال: والشبهات ما أهلكوا به.
٦٦٢١ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير:"ابتغاء الفتنة"، أي اللَّبْس. (١)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه:"إرادةُ الشبهات واللبس".
* * *
فمعنى الكلام إذًا: فأما الذين في قلوبهم هيلٌ عن الحق وحَيْفٌ عنه، فيتبعون من آي الكتاب ما تَشابهت ألفاظه، واحتمل صَرْف صارفه في وجوه التأويلات (٢) - باحتماله المعاني المختلفة - إرادةَ اللبس على نفسه وعلى غيره، احتجاجًا به على باطله الذي مالَ إليه قلبه، دون الحق الذي أبانه الله فأوضحه بالمحكمات من آي كتابه.
* * *
(٢) في المطبوعة والمخطوطة: "واحتمل صرفه في وجوه التأويلات"، وقد قطعت بأن ذلك خطأ من الناسخ، لأن الضمائر السابقة كلها جموع، والتي تليها كلها أفراد، وهو لا يستقيم. فرجحت أن الناسخ قرأ"صرف صرفه" (بغير ألف في: صارفه) كما كانت تكتب قديمًا، فظنها خطأ، فحذف الأولى"صرف" وأبقى الأخرى"صرفه"، فاضطربت الضمائر.
قال أبو جعفر: وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك، فإنه معنىّ بها كل مبتدع في دين الله بدعةً فمال قلبه إليها، تأويلا منه لبعض مُتشابه آي القرآن، ثم حاجّ به وجادل به أهل الحق، وعدل عن الواضح من أدلة آيه المحكمات، إرادةً منه بذلك اللبس على أهل الحق من المؤمنين، وطلبًا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك، كائنًا من كان، وأيّ أصناف المبتدعة كان (١) من أهل النصرانية كان أو اليهودية أو المجوسية، أو كان سَبئيًا، (٢) أو حروريًّا، أو قدريًّا، أو جهميًّا، كالذي قال صلى الله عليه وسلم:"فإذا رأيتم الذين يجادلون به، فهم الذين عنى الله، فاحذروهم"، وكما:-
٦٦٢٢ - حدثني يونس قال، أخبرنا سفيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس -وذُكر عنده الخوارجُ وما يُلْقَوْنَ عند القرآن، (٣) فقال: يؤمنون بمحكمه، ويهلكون عند متشابهه! وقرأ ابن عباس:"وما يعلم تأويله إلا الله"، الآية.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما قلنا القول الذي ذكرنا أنه أولى التأويلين بقوله:"ابتغاء الفتنة"، لأن الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا أهلَ شرك، وإنما أرادوا بطلب تأويل ما طلبوا تأويله، اللبسَ على المسلمين، والاحتجاجَ به عليهم، ليصدّوهم
(٢) هكذا كتبت هنا"سبئيًا"، وقد أسلفنا أنها كتبت في المواضع الماضية"سبائيًا"، فتركت هذا الرسم كما هو، وهو صواب.
(٣) في المخطوطة والمطبوعة: "وما يلقون عند الفرار"، وهو كلام لا معنى له، وإنما أراد أنه ذكر عند ابن عباس ما عليه الخوارج من الخشوع والعبادة والإخبات عند سماع القرآن، وذلك من أمر الخوارج مشهور، وهم الذين جاء في صفتهم: "تحقرون صلاتهم إلى صلاتكم" في الحديث المشهور. ولذلك قطعت بأن قراءة ما في المخطوطة هو ما أثبت. ويؤيد ذلك جواب ابن عباس: "يؤمنون بمحكمه، ويهلكون عند متشابهه" متعجبًا من فعلهم في خشوعهم، وضلالهم في تأويلهم المبتدع الذي استحلوا به دماء المسلمين وأموالهم.
عما هم عليه من الحق، فلا معنى لأن يقال:"فعلوا ذلك إرادةَ الشرك"، وهم قد كانوا مشركين.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى"التأويل"، الذي عَنى الله جل ثناؤه بقوله:"وابتغاء تأويله".
فقال بعضهم: معنى ذلك: الأجل الذي أرادت اليهود أن تعرفه من انقضاء مُدّة أمر محمد ﷺ وأمر أمته، من قبل الحروف المقطعة من حساب الجُمَّل،"ألم"، و"ألمص"، و"ألر"، و"ألمر"، وما أشبه ذلك من الآجال.
ذكر من قال ذلك:
٦٦٢٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس أما قوله:"وما يعلم تأويله إلا الله"، يعني تأويله يوم القيامة ="إلا الله".
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك:"عواقبُ القرآن". وقالوا:"إنما أرادوا أن يعلموا متى يجيء ناسخ الأحكام التي كان الله جل ثناؤه شَرَعها لأهل الإسلام قبل مجيئه، فنسخَ ما قد كان شَرَعه قبل ذلك".
ذكر من قال ذلك:
٦٦٢٤ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وابتغاء تأويله"، أرادوا أن يعلموا تأويلَ القرآن - وهو عواقبه - قال
الله:"وما يعلم تأويله إلا الله"، وتأويله، عواقبه= متى يأتي الناسخ منه فينسخ المنسوخ؟
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك:"وابتغاء تأويل ما تَشابه من آي القرآن، يتأوّلونه - إذ كان ذا وجوه وتصاريفَ في التأويلات - على ما في قلوبهم من الزَّيغ، وما ركبوه من الضلالة".
ذكر من قال ذلك:
٦٦٢٥ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير:"وابتغاء تأويله"، وذلك على ما ركبوا من الضلالة في قولهم = (١) "خلقنا"، و"قضينا".
* * *
قال أبو جعفر: والقول الذي قاله ابن عباس: من أنّ:"ابتغاء التأويل" الذي طلبه القوم من المتشابه، هو معرفة انقضاء المدة ووقت قيام الساعة = والذي ذكرنا عن السدي: من أنهم طلبوا وأرادوا معرفة وَقتٍ هو جَاءٍ قبل مجيئه = (٢) أولى بالصواب، وإن كان السدّي قد أغفل معنى ذلك من وجهٍ صَرَفه إلى حَصره على أن معناه: أن القوم طلبوا معرفة وقت مجيء الناسخ لما قد أحكِم قبل ذلك.
وإنما قلنا: إن طلب القوم معرفة الوقت الذي هو جاءٍ قبل مجيئه المحجوب علمه عنهم وعن غيرهم، بمتشابه آي القرآن - (٣) أولى بتأويل قوله:"وابتغاء تأويله"،
(٢) "جاء" اسم فاعل من الفعل"جاء يجيء فهو جاء". وسياق الجملة: "والقول الذي قاله ابن عباس... والذي ذكرنا عن السدي... أولى بالصواب".
(٣) قوله: "بمتشابه آي القرآن... " من صلة قولهم: "إن طلب القوم معرفة الوقت.." جار ومجرور، متعلق بقوله: "طلب".
لما قد دللنا عليه قبلُ من إخبار الله جل ثناؤه أن ذلك التأويل لا يعلمه إلا الله. ولا شكّ أن معنى قوله:"قضينا""فعلنا"، قد علم تأويله كثيرٌ من جهلة أهل الشرك، فضلا عن أهل الإيمان وأهل الرسوخ في العلم منهم.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: وما يعلم وقتَ قيام الساعة، وانقضاء مدة أكل محمد وأمته، (١) وما هو كائن، إلا الله، دونَ منْ سواه من البشر الذين أمَّلوا إدراك علم ذلك من قبل الحساب والتنجيم والكهانة. وأما الراسخون في العلم فيقولون:"آمنا به، كل من عند ربنا" - لا يعلمون ذلك، ولكن فَضْل عِلمهم في ذلك على غيرهم، العلمُ بأن الله هو العالم بذلك دونَ منْ سواه من خلقه.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، وهل"الراسخون" معطوف على اسم"الله"، بمعنى إيجاب العلم لهم بتأويل المتشابه، أمْ هم مستأنَفٌ ذكرهم، (٢) بمعنى الخبر عنهم أنهم يقولون: آمنا بالمتشابه وصدّقنا أنّ علم ذلك لا يعلمه إلا الله؟
فقال بعضهم: معنى ذلك: وما يعلم تأويل ذلك إلا الله وحده منفردًا بعلمه. وأما الراسخون في العلم، فإنهم ابتُدئ الخبر عنهم بأنهم يقولون: آمنا بالمتشابه والمحكم، وأنّ جَميع ذلك من عند الله.
ذكر من قال ذلك:
(٢) في المطبوعة: "أوهم مستأنف... "، وأثبت ما في المخطوطة.
٦٦٢٦ - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا خالد بن نزار، عن نافع، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قوله:"والراسخون في العلم يقولون آمنا به"، قالت: كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه، ولم يعلموا تأويله. (١)
٦٦٢٧ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: كان ابن عباس يقول: (وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون [في العلم] آمنا به) (٢)
٦٦٢٨ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني ابن أبي الزناد قال، قال هشام بن عروة: كان أبي يقول في هذه الآية،"وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم"، أنّ الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنهم يقولون:"آمنا به كل من عند ربنا".
٦٦٢٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد الله، عن أبي نهيك الأسدي قوله:"وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم"، فيقول: إنكم تَصلون هذه الآية، وإنها مقطوعة:"وما يعلم تأويله إلا الله = والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا"، فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا.
(٢) في المطبوعة"يقول الراسخون" بحذف الواو. والصواب إثباتها، لأنه سيأتي في ص: ٢٠٤ س:
١٣ أن ابن عباس هكذا كان يقرأها. وأنا أرجح أن الصواب كان في الأصل"كان ابن عباس يقرأ""وما يعلم تأويله.."، ولكن الناسخ مضى على عجلته، فكتب مكان"يقرأ""يقول"، ثم أسقط الواو من"ويقول الراسخون | ". فلذلك أثبت الواو، وهي الصواب المحض إن شاء الله. ومن أجل ذلك زدت بين القوسين [في العلم]، لأن هذه قراءة في الآية، لا تفسير من ابن عباس، ولم يرو إسقاط [في العلم] من قراءة أحد من القرأة. |
عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَأَوُّلُ حُبِّهَا | تَأَوُّلَ رِبْعِيِّ السِّقَابِ فَأَصْحَبَا (١) |
ويعني بقوله:"تأوّلُ حُبها": تفسير حبها ومرجعه. (٢) وإنما يريد بذلك أنّ حبها كان صغيرًا في قلبه، فآلَ من الصّغر إلى العظم، فلم يزل ينبت حتى أصحَب، فصار قديمًا، كالسَّقب الصغير الذي لم يزل يَشبّ حتى أصحَبَ فصار كبيرًا مثل أمه. (٣)
أما الرواية الأخرى التي جاءت في اللسان (ربع)، (ولى) فهي:
عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ نَوًى أَجْنَبِيَّةً | تَوَالِىَ رِبْعِيِّ السِّقَابِ فَأَصْحَبَا |
أما الرواية الأولى، فقد شرحها أبو جعفر فيما يلي، وأما روايته الثانية، وهي قوله: "توابع حبها"، فإني لم أدر ما معناها، وأخشى أن يكون صوابها: "نزائع حبها". والنزائع جمع نزيعة، يقال: ناقة نازع من نوق نوازع. وناقة نزيعة: وهي التي تحن إلى وطنها. نزع البعير إلى وطنه: حن واشتاق.
(٢) في المخطوطة: "وتفسير حبها... " بزيادة الواو، وهو خطأ. وهذا نص أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٨٧، على خطأ فيه، إذ ظن الناشر أن قوله: "تفسيره"، بمعنى الشرح والبيان لهذه الكلمة فوضع بعد نقطتان هكذا: "تفسيره: ومرجعه" وعندئذ فلا معنى للواو في"ومرجعه"، والصواب ما أثبتناه.
(٣) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٨٧.
وقد يُنشد هذا البيت:
عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَوَابعُ حُبِّهَا | تَوَالِىَ رِبْعِيِّ السِّقَابِ فَأَصْحَبَا (١) |
القول في تأويل قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾
قال أبو جعفر: يعني ب"الراسخين في العلم"، العلماء الذين قد أتقنوا علمهم ووَعَوْه فحفظوه حفظًا، لا يدخلهم في معرفتهم وعلمهم بما علموه شَكّ ولا لبس.
* * *
وأصل ذلك من:"رسوخ الشيء في الشيء"، وهو ثبوته وولوجه فيه. يقال منه:"رسخ الإيمان في قلب فلان، فهو يَرْسَخُ رَسْخًا ورُسُوخًا". (٢)
* * *
وقد روى في نعتهم خبرٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما:-
٦٦٣٧ - حدثنا موسى بن سهل الرملي قال، حدثنا محمد بن عبد الله قال، حدثنا فياض بن محمد الرقي قال، حدثنا عبد الله بن يزيد بن آدم، عن أبي الدرداء وأبي أمامة قالا سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن الراسخ في العلم؟ قال:"من بَرَّت يمينهُ، وصَدقَ لسانه، واستقام به قلبه، وعفّ بطنه، فذلك الراسخُ في العلم. (٣)
* * *
(٢) قوله: "رسخًا"، هذا مصدر لم تذكره كتب اللغة.
(٣) الحديث: ٦٦٣٧- فياض بن محمد الرقى: ترجمه البخاري ٤ / ١ / ١٣٥، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٨٧، فلم يذكرا فيه جرحًا.
عبد الله بن يزيد بن آدم: ترجمه ابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ١٩٧، قال: "روى عن أبي الدرداء، وأبي أمامة، وواثلة بن الأسقع: أن النبي ﷺ سئل: كيف تبعث الأنبياء؟ روى عنه فياض بن محمد الرقى... سألت أبي عنه؟ فقال: لا أعرفه. وهذا حديث باطل".
وترجمه الذهبي في الميزان، والحافظ في اللسان. وذكرا عن أحمد، قال: "أحاديثه موضوعة". وليس في ترجمته كلمة طيبة عنه. وكفى أن يرميه أحمد بالوضع.
٦٦٣٨ - حدثني المثنى وأحمد بن الحسن الترمذي قال، حدثنا نعيم بن حماد قال، حدثنا فياض الرقي قال، حدثنا عبد الله بن يزيد الأودي = قال: وكان أدرك أصحاب رسول الله ﷺ = قال، حدثنا أنس بن مالك وأبو أمامة وأبو الدرداء: أن رسول الله ﷺ سُئل عن الراسخين في العلم فقال: من برَّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام به قلبه، وعفّ بطنه وفرجه، فذلك الراسخ في العلم. (١)
* * *
وقد قال جماعة من أهل التأويل: إنما سمى الله عز وجل هؤلاء القوم"الراسخين
ولكن في هذا الإسناد"عبد الله بن يزيد الأودي". والراجح أن هذا خطأ من أحد الرواة، أو من الناسخين، وأن صوابه كالإسناد السابق"عبد الله بن يزيد بن آدم". وأما "عبد الله بن يزيد الأودي"، فهو غير هذا يقينًا. وقد مضى في: ٥٤٦١. وترجمته عند ابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ٢٠٠: أنه"روى عن سالم بن عبد الله، عن حفصة، في الصلاة الوسطى، روى عنه أبو بشر جعفر بن أبي وحشية". والمباينة بينهما في الطبقة واضحة. ثم الأودي ثقة، والراوي هنا كذاب.
والحديث رواه أيضًا ابن أبي حاتم، عن محمد بن عوف الحمصي، عن نعيم بن حماد، عن فياض الرقى"حدثنا عبد الله بن يزيد"، بهذا الإسناد. ولم يذكر أنه"الأودي". ووقع في ابن كثير"عبيد الله"، بدل"عبد الله"، وهو خطأ.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٦: ٣٢٤"عن عبد الله بن يزيد بن آدم، قال: حدثني أبو الدرداء، وأبو أمامة، وواثلة بن الأسقع وأنس بن مالك... ". وقال: "رواه الطبراني، وعبد الله بن يزيد: ضعيف". فزاد في رواية الطبراني صحابيًا رابعًا، هو واثلة بن الأسقع.
وذكره السيوطي ٢: ٧، عن هؤلاء الصحابة الأربعة، ونسبه لابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني. وهو تساهل منه، فليس في رواية الطبري ولا ابن أبي حاتم"واثلة بن الأسقع"، بل هو في رواية الطبراني فقط.
ثم ذكر السيوطي نحو معناه من رواية ابن عساكر: "من طريق عبد الله بن يزيد الأودي، سمعت أنس بن مالك يقول... ".
فهذا يرجح أن زيادة"الأودي" - خطأ من أحد الرواة، لا من الناسخين.
في العلم"، بقولهم:"آمنا به كل من عند ربنا".
ذكر من قال ذلك:
٦٦٣٩ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"والراسخون في العلم يقولون آمنا به، (١) قال:"الراسخون" الذين يقولون:"آمنا به كل من عند ربنا".
٦٦٤٠ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"والراسخون في العلم"، هم المؤمنون، فإنهم يقولون:"آمنَّا به"، بناسخه ومنسوخه ="كلٌّ من عند ربنا".
٦٦٤١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس قال، عبد الله بن سلام:"الراسخون في العلم) وعلمهم قولهم = قال ابن جريج:"والراسخون في العلم يقولون آمنا به"، وهم الذين يقولون = (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا) ويقولون: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) الآية.
* * *
وأما تأويل قوله:"يقولون آمنا به"، فإنه يعني أنّ الراسخين في العلم يقولون: صدقنا بما تشابه من آي الكتاب، وأنه حقّ وإن لم نَعلم تأويله، وقد:-
٦٦٤٢ - حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سلمة بن نبيط، عن الضحاك:"والراسخون في العلم يقولون آمنا به"، قال: المحكم والمتشابه.
* * *
"الراسخون في العلم | "، بغير واو، وأثبت نص الآية. |