
المحاجة بالطريق الاولى إذ لا يصلح محاجة الجاهل العالم- وفيه تنبيه على ان محاجة رسول الله ﷺ صحيحة لكونه عالما بتعليم الله تعالى ثم بين الله تعالى دين ابراهيم فقال.
ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا يعنى ما كان دين ابراهيم موافقا لدين موسى وعيسى فى كثير من الفروع وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مائلا عن العقائد الزائغة وقيل الحنيف الذي يوحد ويضحى ويختن ويستقبل الكعبة ولم يكن ذلك فى اليهود والنصارى مُسْلِماً منقاد الله تعالى فيما امر به غير متبع لهواه وأنتم لا تنقادون ما أمركم الله به حيث لا تؤمنون بالنبي الأمي الذي تجدونه مكتوبا عندكم فى التورية والإنجيل وتشركون بالله فتقولون ثالث ثلاثة وتقولون عزير ابن الله والمسيح ابن الله فكيف تدعون انكم على دين ابراهيم وملته وَما كانَ ابراهيم مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) بل كان من الموحدين.
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ اولى مشتق من الولي بمعنى القريب يعنى أخصهم وأقربهم دينا بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ من أمته حيث كانوا على دينه بلا شبهة وَهذَا النَّبِيُّ محمد ﷺ وَالَّذِينَ آمَنُوا بمحمد ﷺ لموافقتهم لابراهيم فى اكثر الشرائع فانهم يوحدون ويضحون ويختتنون ويصلون الى الكعبة ويحجون ويعتمرون ويتمون بكلمات ابتلى بها ابراهيم ربّه فاتمّهنّ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨) بمحمد ﷺ فانهم يومنون بجميع الأنبياء من أولهم الى آخرهم بخلاف اليهود والنصارى- قال البغوي روى الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ورواه محمد بن إسحاق عن ابن شهاب بإسناده انه لما هاجر جعفر بن ابى طالب وأناس من اصحاب النبي ﷺ الى الحبشة وهاجر النبي ﷺ الى المدينة وكان وقعة بدر اجتمعت قريش فى دار الندوة وقالوا ان لنا فى الذين هم عند النجاشي من اصحاب محمد ﷺ ثار ممن قتل منكم ببدر فاجمعوا مالا واهدوه الى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم ولينتدب لذلك رجلان من ذوى رأيكم فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن ابى معيط مع الهدايا الادم وغيره فركبا البحر وأتيا الحبشة فلما دخلا على النجاشي سجد اله......

وسلما عليه وقالا له ان قومنا لك ناصحون شاكرون ولصلاحك محبون وانهم بعثوا إليك لنحذرك هؤلاء الذين قدموا عليك لانهم قوم رجل كذاب خرج فينا يزعم انه رسول الله ولم يتابعه منا أحد الا السفهاء وانا كنا قد ضيّقنا عليهم والجأناهم الى شعب بأرضنا لا يدخل عليهم أحد ولا يخرج منهم أحد قد قتلهم الجوع والعطش فلما اشتد عليه الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم قالوا واية ذلك انهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك الناس رغبة عن دينك وسنتك- قال فدعاهم النجاشي فلما حضروا صاح جعفر بالباب يستأذن عليك حزب الله فقال النجاشي مروا هذا الصائح فليعد كلامه ففعل جعفر فقال النجاشي نعم فليدخلوا بإذن الله وذمته- فنظر عمرو بن العاص الى صاحبه فقال الا تسمع كيف يرطنون اى يكلمون- منه رح بحزب الله وما أجابهم به النجاشي فساءهما ذلك- ثم دخلوا عليه فلم يسجدوا له- فقال عمرو بن العاص الا ترى انهم يستكبرون ان يسجدوا لك فقال لهم النجاشي ما منعكم ان تسجدوا لى وتحيونى بالتحية التي يحيينى بها من أتاني من الآفاق- قالوا نسجد لله الذي خلقك وملّكك وانما كانت تلك التحية ونحن نعبد الأصنام فبعث الله فينا نبيا صادقا وأمرنا بالتحية التي رضيها الله وهى السلام تحية اهل الجنة فعرف النجاشي ان ذلك حق وانه فى التورية والإنجيل قال أيكم الهاتف يستأذن عليك حزب الله قال جعفر انا قال فتكلم قال انك ملك من ملوك اهل الأرض ومن اهل الكتاب ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم وانا أحب ان أجيب عن أصحابي فمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ولينصت الاخر فتسمع محاورتنا- فقال عمرو لجعفر تكلم فقال جعفر للنجاشى سل هذين الرجلين أعبيد نحن أم أحرار قال بل أحرار كرام قال النجاشي نجوا من العبودية- ثم قال جعفر سل هما هل اهرقنا دما بغير حق فيقتص مئا قال عمرو لا ولا قطرة قال جعفر سل هل أخذنا اموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها قال النجاشي ان كان قنطارا فعلىّ قضاؤه قال عمرو لا ولا قيراطا- قال النجاشي فما تطلبون منهم قال عمرو كنا وهم على دين واحد وامر واحد على دين ابائنا فتركوا ذلك واتبعوا غيره فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا فقال النجاشي......
صفحة رقم 69