آيات من القرآن الكريم

قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ

المكث في المسجد، واصطفاك على نساء العالمين بولادة عيسى ابن مريم وخطاب الملائكة وكمال الهداية والتوفيق وتقوى الله يا مريم الزمى الطاعة وتجملى بالالتجاء إليه وحده واسجدي لله مع الخشوع والخضوع، واركعى مع الراكعين ولا تصلى وحدك.
ذلك القصص المنزل عليك يا محمد وفيه أخبار مريم وزكريا من أنباء الغيب وأسرار الخلق التي لم تطلع عليها أنت ولا أحد من قومك وإنما توحى إليك بالروح الأمين جبريل، وما كنت معهم حينما جاءت امرأة عمران وألقت مريم في بيت المقدس، وتنافس الأحبار في رعايتها وخدمتها فهي بنت سيدهم وكبيرهم. واستهموا في ذلك فنال شرف رعايتها زكريا، وما كنت يا محمد لديهم إذ يختصمون.
ولقد نفى الله حضور النبي صلّى الله عليه وسلّم تلك المشاهد على سبيل التهكم بهم فلم يبق إلا الوحى من الله- تعالى- وأما تعليم البشر كما قالوا فرد الله عليهم بقوله: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ «١» وهو النبي الأمى لم يقرأ ولم يكتب فلم تبق إلا المشاهدة وقد نفيت عنه صلّى الله عليه وسلّم.
قصة عيسى عليه السلام [سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٥ الى ٥١]
إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩)
وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)

(١) سورة النحل آية ١٠٣.

صفحة رقم 231

المفردات:
بِكَلِمَةٍ مِنْهُ المراد بها: عيسى ابن مريم- عليه السلام-. وَجِيهاً: ذا وجاهة وكرامة في الدارين. كَهْلًا: الرجل التام السوىّ. قَضى: أراد شيئا. الْحِكْمَةَ: العلم النافع. الْأَكْمَهَ: من ولد أعمى.
هذا شروع في قصة عيسى بعد قصة أمه وقصة زكريا ويحيى أقاربه.
المعنى:
واذكر يا محمد لقومك وقت أن قالت الملائكة (والمراد بهم جبريل) : إن الله يبشرك يا مريم بعيسى، وعبر عنه (بكلمة منه) إيذانا بأنه خلق خلقا غير عادى استحقّ أن يوصف وحده بقوله: (كلمة منه) وإن كان في الواقع أن جميع الكائنات بكلمة الله إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

صفحة رقم 232

اسمه المسيح الذي جاء فرفع الظلم وأنار لقومه الطريق وحملهم على الأخوة الصادقة وكانت مملكته روحانية لا جسدية، والمسيح لقب لعيسى ابن مريم من ألقاب المدح وإنما وصف عيسى بابن مريم مع أن الخطاب معها تسجيلا لوصفه بهذا في كل وقت وزمان وردّا على من ألّهه من أول الأمر، ولبيان أنه ولو كان من غير أب فهو منسوب لها تكريما وبيانا لمكانتها وهو ذو وجاهة في الدنيا عند أتباعه والمؤمنين به، وفي الآخرة عند الله من النبيين أولى العزم والرسل المقربين.
ومن أوصافه أنه يكلم الناس في المهد رضيعا حتى يدافع عن أمه وعند تمام رجولته وكلامه تام موزون موفق في كل حال وهو من الصالحين الذين أنعم الله عليهم وأصلح حالهم.
ولما بشر الله مريم بعيسى الفذ في تكوينه وخلقته الموصوف بما ذكر قالت مريم مستفهمة: أيكون هذا عن طريق الزواج أم لا؟ ويجوز أنها تكون سألت متعجبة مستعظمة قدرة الله القادر على كل شيء كيف يكون لي ولد وأنا لم أتزوج؟
قال تعالى: مثل ذلك الخلق البديع يخلق الله ما يشاء وقد خلق الخلق كما ترى وخلق السماء والأرض وخلق أبانا آدم من تراب بلا أب ولا أم ثم قال له كن فيكون.
وانظر إلى بلاغة القرآن حيث عبر في جانب زكريا كذلك يفعل الله ما يشاء، وهنا كذلك يخلق الله ما يشاء للإشارة إلى أن إيجاد ولد من شيخين عجوزين ليس كإيجاد ولد من أم فقط بلا أب فكان الخلق والإبداع أنسب بعيسى من يحيى.
ولذلك عقبه ببيان كيفية الخلق فقال: وإذا أراد أمرا من الأمور قال له كن فيكون والمراد بالأمر هنا الأمر التكويني لا الأمر التكليفي كما في قوله- تعالى- أقيموا الصلاة، مثلا.
وهذا تمثيل لعظمة الله ونفاذ أمره وسرعة إنجازه ما يريد حيث شبه حدوث ما يريد عند تعلق إرادته به حالا بطاعة المأمور القادر على الفعل للأمر المطاع، ومما يشبه هذا قوله تعالى ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ أى: أراد أن يكون فكانتا.

صفحة رقم 233

وما لنا ننكر أن يكون عيسى من غير أب وقد خلق الله آدم من غير أب وأم؟! إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وقد خلق الله السماء والأرض بل وجميع المخلوقات في الأصل ابتداء من غير تلقيح فالأسباب الظاهرة ليست واجبة وجوبا عقليا مطردا، ونحن نرى كل يوم خوارق للعادات وفلتات للطبيعة فنحار في تعليلها.
وإذا كان الأمر كذلك امتنع على العاقل أن ينكر شيئا ويعده مستحيلا عادة ويذهب في تأويله المذاهب.
ومن أوصاف عيسى أن الله يعلمه الكتابة بالخط والعلم النافع والتوراة وقد كان عيسى عالما بها واقفا على أسرارها ويقيم الحجج على قومه بنصوصها، وقد علمه الله وأنزل عليه الإنجيل.
وكذلك يرسله رسولا إلى بنى إسرائيل كافة ناطقا ومحتجا على صدق رسالته بأنى أخلق- بمعنى أقدر وأصور لا أنشئ وأخترع- من الطين هيئة كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأمره لا بإذنى وأمرى فأنا مخلوق لا أقدر على هذا، وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله، وقد أنكروا عليه ذلك فقال لهم: وأخبركم بما تأكلون في بيوتكم وما تدخرون وتحفظون وهكذا مما لا سبيل إلى إنكاره.
إن في ذلك لآية لكم على صدقى وصدق رسالتي إن كنتم مؤمنين بالله مصدقين بقدرته الكاملة على كل شيء.
وقد أرسل عيسى ابن مريم مصدقا لما تقدمه من التوراة ولم يأت ناسخا لها بل متفقا معها في الأصول العامة في الدين كالتوحيد والبعث... إلخ.
وإن يكن أرسل ليحل لكم بعض ما حرم عليكم بسبب ظلمكم وعنادكم يا بنى إسرائيل فقد حرم عليهم بعض الطيبات كالسمك والشحم فأحلها عيسى- عليه السلام- وجئتكم بآية من ربكم.
فاتقوا الله وخافوه وأطيعونى إن الله ربي وربكم فاعبدوه.
ترى أنه أمرهم بالتقوى والطاعة فيما جاء به عن ربه وختم ذلك بالتوحيد والاعتراف

صفحة رقم 234
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية