آيات من القرآن الكريم

إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٣٥ الى ٣٧]

إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ عَقِيبَ هَذِهِ الْآيَةِ قِصَصًا كَثِيرَةً:
الْقِصَّةُ الْأُولَى وَاقِعَةُ حَنَّةَ أُمِّ مريم عليهما السلام
[في قوله تعالى إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً] وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي مَوْضِعِ إِذْ مِنَ الْإِعْرَابِ أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّهَا زَائِدَةٌ لَغْوًا، وَالْمَعْنَى: قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ، وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يَصْنَعْ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي هَذَا شَيْئًا، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلْغَاءُ حَرْفٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةً وَالثَّانِي: قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْمُبَرِّدُ:
التَّقْدِيرُ اذْكُرْ إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَثِيرٌ الثَّالِثُ: قَالَ الزَّجَّاجُ، التَّقْدِيرُ: وَاصْطَفَى آلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ، وَطَعَنَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِيهِ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ اصْطِفَاءَ آلِ عِمْرَانَ بِاصْطِفَاءِ آدَمَ وَنُوحٍ، وَلَمَّا كَانَ اصْطِفَاؤُهُ تَعَالَى آدَمَ وَنُوحًا قَبْلَ قَوْلِ امْرَأَةِ عِمْرَانَ اسْتَحَالَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا الِاصْطِفَاءَ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ هَذَا الْكَلَامَ فِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ أَثَرَ اصْطِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ إِنَّمَا ظَهَرَ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَظُهُورِ طَاعَاتِهِ، فَجَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ عِنْدَ وجوده، ونوحاً عند وجوده، وآل عمران عند ما قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ هَذَا الْكَلَامَ الرَّابِعُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَاللَّهُ سميع عليم إذا قَالَتِ امْرَأَةُ/ عِمْرَانَ هَذَا الْقَوْلَ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ قَبْلَ أَنْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ هَذَا الْقَوْلَ، فَمَا مَعْنَى هَذَا التَّقْيِيدِ؟
قُلْنَا: إِنَّ سَمْعَهُ تَعَالَى لِذَلِكَ الْكَلَامِ مُقَيَّدٌ بِوُجُودِ ذَلِكَ الْكَلَامِ وَعِلْمُهُ تَعَالَى بِأَنَّهَا تَذْكُرُ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِذِكْرِهَا لِذَلِكَ وَالتَّغَيُّرُ فِي الْعِلْمِ وَالسَّمْعِ إِنَّمَا يَقَعُ فِي النِّسَبِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ زَكَرِيَّا بْنَ آذَنَ، وَعِمْرَانَ بْنَ مَاثَانَ، كَانَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَامْرَأَةُ عِمْرَانَ حَنَّةُ بِنْتُ فَاقُوذَ، وَقَدْ تَزَوَّجَ زَكَرِيَّا بِابْنَتِهِ إِيشَاعَ أُخْتِ مَرْيَمَ، وَكَانَ يَحْيَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ابْنَيْ خَالَةٍ، ثُمَّ فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا النَّذْرِ رِوَايَاتٌ:
الرِّوَايَةُ الْأُولَى: قَالَ عِكْرِمَةُ. إِنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا لَا تَلِدُ، وَكَانَتْ تَغْبِطُ النِّسَاءَ بِالْأَوْلَادِ، ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ نَذْرًا إِنْ رَزَقْتَنِي وَلَدًا أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيَكُونَ مِنْ سَدَنَتِهِ.

صفحة رقم 202

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ أُمَّ مَرْيَمَ مَا كَانَ يَحْصُلُ لَهَا وَلَدٌ حَتَّى شَاخَتْ، وَكَانَتْ يَوْمًا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فَرَأَتْ طَائِرًا يُطْعِمُ فَرْخًا لَهُ فَتَحَرَّكَتْ نَفْسُهَا لِلْوَلَدِ، فَدَعَتْ رَبَّهَا أَنْ يَهَبَ لَهَا وَلَدًا فَحَمَلَتْ بِمَرْيَمَ، وَهَلَكَ عِمْرَانُ، فَلَمَّا عَرَفَتْ جَعَلَتْهُ لِلَّهِ مُحَرَّرًا، أَيْ خَادِمًا لِلْمَسْجِدِ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّهَا إِنَّمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ وَلَوْلَاهُ مَا فَعَلَتْ كَمَا رَأَى إِبْرَاهِيمُ ذَبْحَ ابْنِهِ فِي الْمَنَامِ فَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ وَحْيِ، وَكَمَا أَلْهَمَ اللَّهُ أُمَّ مُوسَى فَقَذَفَتْهُ فِي الْيَمِّ وَلَيْسَ بِوَحْيٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْمُحَرَّرُ الَّذِي يُجْعَلُ حُرًّا خَالِصًا، يُقَالُ: حَرَّرْتُ الْعَبْدَ إِذَا خَلَّصْتَهُ عَنِ الرِّقِّ، وَحَرَّرْتُ الْكِتَابَ إِذَا أَصْلَحْتَهُ، وَخَلَّصْتَهُ فَلَمْ تُبْقِ فِيهِ شَيْئًا مِنْ وُجُوهِ الْغَلَطِ، وَرَجُلٌ حُرٌّ إِذَا كَانَ خَالِصًا لِنَفْسِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ تَعَلُّقٌ، وَالطِّينُ الْحُرُّ الْخَالِصُ عَنِ الرَّمْلِ وَالْحِجَارَةِ وَالْحَمْأَةِ وَالْعُيُوبِ أَمَّا التَّفْسِيرُ فَقِيلَ مُخْلِصًا لِلْعِبَادَةِ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَقِيلَ:
خَادِمًا لِلْبِيعَةِ، وَقِيلَ: عَتِيقًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا لِطَاعَةِ اللَّهِ، وَقِيلَ: خَادِمًا لِمَنْ يُدَرِّسُ الْكِتَابَ، وَيُعَلِّمُ فِي الْبِيَعِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا نَذَرَتْ أَنْ تَجْعَلَ ذَلِكَ الْوَلَدَ وَقْفًا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، قَالَ الْأَصَمُّ: لَمْ يَكُنْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ غَنِيمَةٌ وَلَا سَبْيٌ، فَكَانَ تَحْرِيرُهُمْ جَعْلَهُمْ أَوْلَادَهُمْ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ الْأَمْرُ فِي دِينِهِمْ أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا صَارَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ اسْتِخْدَامُهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ الْأَبَوَيْنِ، فَكَانُوا بِالنَّذْرِ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنَ الِانْتِفَاعِ، وَيَجْعَلُونَهُمْ مُحَرَّرِينَ لِخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ وَطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: كَانَ الْمُحَرَّرُ يُجْعَلُ فِي الْكَنِيسَةِ يَقُومُ بِخِدْمَتِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْحُلُمَ، ثُمَّ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْمُقَامِ وَالذَّهَابِ، فَإِنْ أَبَى الْمُقَامَ وَأَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ ذَهَبَ، وَإِنِ اخْتَارَ الْمُقَامَ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ خِيَارٌ، وَلَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَمِنْ نَسْلِهِ مُحَرَّرٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَذَا التَّحْرِيرُ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا إِلَّا فِي الْغِلْمَانِ أَمَّا الْجَارِيَةُ فَكَانَتْ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ لِمَا يُصِيبُهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالْأَذَى، ثُمَّ إِنَّ حَنَّةَ نَذَرَتْ مُطْلَقًا إِمَّا لِأَنَّهَا بَنَتِ الْأَمْرَ عَلَى التَّقْدِيرِ، أَوْ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ ذَلِكَ النَّذْرَ وَسِيلَةً إِلَى طَلَبِ الذَّكَرِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي انْتِصَابِ قَوْلِهِ مُحَرَّراً وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ مَا وَتَقْدِيرُهُ:
نَذَرْتُ لَكَ الَّذِي فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ أَنَّ الْمَعْنَى نَذَرْتُ لَكَ أَنْ أَجْعَلَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهَا: فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ التَّقَبُّلُ: أَخْذُ الشَّيْءِ عَلَى الرِّضَا، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَأَصْلُهُ مِنَ الْمُقَابَلَةِ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ بِالْجَزَاءِ، وَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَا يُرِيدُ بِمَا فَعَلَهُ إِلَّا الطَّلَبَ لِرِضَا اللَّهِ تعالى والإخلاص في عبادته، ثم قالت إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَالْمَعْنَى: إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ لِتَضَرُّعِي وَدُعَائِي وَنِدَائِي، الْعَلِيمُ بِمَا فِي ضَمِيرِي وَقَلْبِي وَنِيَّتِي.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ النَّذْرِ كَانَ فِي شَرْعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي شَرْعِنَا، وَالشَّرَائِعُ لَا يَمْتَنِعُ اخْتِلَافُهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ.
قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا وَضَعَتْها وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْأُنْثَى الَّتِي كَانَتْ فِي بَطْنِهَا وَكَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا كَانَتْ أُنْثَى أَوْ يُقَالُ: إِنَّهَا عَادَتْ إِلَى النَّفْسِ وَالنَّسَمَةِ أَوْ يُقَالُ: عَادَتْ إِلَى الْمَنْذُورَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَائِدَةَ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهَا النَّذْرُ فِي تَحْرِيرِ مَا فِي بَطْنِهَا، وَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهُ ذَكَرٌ فَلَمْ تَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي كَلَامِهَا، وَكَانَتِ الْعَادَةُ عِنْدَهُمْ أن الذي

صفحة رقم 203

يُحَرَّرُ وَيُفَرَّغُ لِخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ وَطَاعَةِ اللَّهِ هُوَ الذَّكَرُ دُونَ الْأُنْثَى فَقَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى خَائِفَةً أَنَّ نَذْرَهَا لَمْ يَقَعِ الْمَوْقِعَ الَّذِي يُعْتَمَدُ بِهِ وَمُعْتَذِرَةً مِنْ إِطْلَاقِهَا النَّذْرَ المتقدم فذكرت ذلك لان عَلَى سَبِيلِ الْإِعْلَامِ لِلَّهِ تَعَالَى، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى إِعْلَامِهَا، بَلْ ذَكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِذَارِ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَضَعَتْ بِرَفْعِ التَّاءِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا حِكَايَةُ كَلَامِهَا، وَالْفَائِدَةُ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى خَافَتْ أَنْ يُظَنَّ بِهَا أَنَّهَا تُخْبِرُ اللَّهَ تَعَالَى، فَأَزَالَتِ الشُّبْهَةَ بِقَوْلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَثَبَتَ أَنَّهَا إِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ لِلِاعْتِذَارِ لَا لِلْإِعْلَامِ، وَالْبَاقُونَ بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ تَعْظِيمًا لِوَلَدِهَا، وَتَجْهِيلًا لَهَا بِقَدْرِ ذَلِكَ الْوَلَدِ، وَمَعْنَاهُ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالشَّيْءِ الَّذِي وَضَعَتْ وَبِمَا عَلَّقَ بِهِ مِنْ عَظَائِمِ الْأُمُورِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ وَوَلَدَهُ آيَةً لِلْعَالَمِينَ، وَهِيَ جَاهِلَةٌ بِذَلِكَ لَا تَعْلَمُ مِنْهُ شَيْئًا فَلِذَلِكَ تَحَسَّرَتْ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ عَلَى خِطَابِ اللَّهِ لَهَا، أَيْ: إِنَّكِ لَا تَعْلَمِينَ قَدْرَ هَذَا الْمَوْهُوبِ وَاللَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهَا وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَفِيهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ مُرَادَهَا تَفْضِيلُ الْوَلَدِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى، وَسَبَبُ هَذَا التَّفْضِيلِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ شَرْعَهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَحْرِيرُ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ وَالثَّانِي: أَنَّ الذَّكَرَ يَصِحُّ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى خِدْمَةِ مَوْضِعِ الْعِبَادَةِ، وَلَا يَصِحُّ/ ذَلِكَ فِي الْأُنْثَى لِمَكَانِ الْحَيْضِ وَسَائِرِ عَوَارِضِ النِّسْوَانِ وَالثَّالِثُ: الذَّكَرُ يَصْلُحُ لِقُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ لِلْخِدْمَةِ دُونَ الْأُنْثَى فَإِنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ وَالرَّابِعُ: أَنَّ الذَّكَرَ لَا يَلْحَقُهُ عَيْبٌ فِي الْخِدْمَةِ وَالِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأُنْثَى وَالْخَامِسُ: أَنَّ الذَّكَرَ لَا يَلْحَقُهُ مِنَ التُّهْمَةِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ مَا يَلْحَقُ الْأُنْثَى فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تَقْتَضِي فَضْلَ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى فِي هَذَا الْمَعْنَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ تَرْجِيحُ هَذِهِ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، كَأَنَّهَا قَالَتِ الذَّكَرُ مَطْلُوبِي وَهَذِهِ الْأُنْثَى مَوْهُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ الذَّكَرُ الَّذِي يَكُونُ مَطْلُوبِي كَالْأُنْثَى الَّتِي هِيَ مَوْهُوبَةٌ لِلَّهِ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ كَانَتْ مُسْتَغْرِقَةً فِي مَعْرِفَةِ جَلَالِ اللَّهِ عَالِمَةً بِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الرَّبُّ بِالْعَبْدِ خَيْرٌ مِمَّا يُرِيدُهُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ.
ثُمَّ حَكَى تَعَالَى عَنْهَا كَلَامًا ثَانِيًا وَهُوَ قَوْلُهَا وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَفِيهِ أَبْحَاثٌ:
البحث الأولى: أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى مَا حَكَيْنَا مِنْ أَنَّ عِمْرَانَ كَانَ قَدْ مَاتَ فِي حَالِ حَمْلِ حَنَّةَ بِمَرْيَمَ، فَلِذَلِكَ تَوَلَّتِ الْأُمُّ تَسْمِيَتَهَا، لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ ذَلِكَ يَتَوَلَّاهُ الْآبَاءُ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: أَنَّ مَرْيَمَ فِي لُغَتِهِمْ: الْعَابِدَةُ، فَأَرَادَتْ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ أَنْ تَطْلُبَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَعْصِمَهَا مِنْ آفَاتِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَالَّذِي يُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ مَعْنَاهُ: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْ جَعَلْتُ هَذَا اللَّفْظَ اسْمًا لَهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ وَالْمُسَمَّى وَالتَّسْمِيَةَ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ مُتَغَايِرَةٌ.
ثُمَّ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا كَلَامًا ثَالِثًا وَهُوَ قَوْلُهَا وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهَا مَا كَانَتْ تُرِيدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا خَادِمًا لِلْمَسْجِدِ تَضَرَّعَتْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يَحْفَظَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ

صفحة رقم 204

الرَّجِيمِ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا مِنَ الصَّالِحَاتِ الْقَانِتَاتِ، وَتَفْسِيرُ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
وَلَمَّا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَنَّةَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ قَالَ: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِنَّمَا قَالَ فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَلَمْ يَقُلْ: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِتَقَبُّلٍ لِأَنَّ الْقَبُولَ وَالتَّقَبُّلَ مُتَقَارِبَانِ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نُوحٍ: ١٧] أَيْ إِنْبَاتًا، وَالْقَبُولُ مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ: قَبِلَ فُلَانٌ الشَّيْءَ قَبُولًا إِذَا رَضِيَهُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: خَمْسَةُ مَصَادِرَ جَاءَتْ عَلَى فَعُولٍ: قَبُولٌ وَطَهُورٌ وَوَضُوءٌ وَوَقُودٌ وَوَلُوغٌ، إِلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الْوَقُودِ إِذَا كَانَ مَصْدَرًا الضَّمُّ، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: قُبُولًا بِالضَّمِّ، وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ يُقَالُ: قَبِلْتُهُ قَبُولًا وَقُبُولًا، وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ اعْتِنَاءِ ذَلِكَ الْفَاعِلِ بِإِظْهَارِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَالتَّصَبُّرِ وَالتَّجَلُّدِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْجِدِّ فِي إِظْهَارِ الصَّبْرِ وَالْجَلَادَةِ، فَكَذَا هَاهُنَا التَّقَبُّلُ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي إِظْهَارِ الْقَبُولِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يَقُلْ: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِتَقَبُّلٍ حَسَنٍ حَتَّى صَارَتِ الْمُبَالَغَةُ أَكْمَلَ؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّ لَفْظَ التَّقَبُّلِ وَإِنْ أَفَادَ مَا ذَكَرْنَا إِلَّا أَنَّهُ يُفِيدُ نَوْعَ تَكَلُّفٍ عَلَى خِلَافِ الطَّبْعِ، أَمَّا الْقَبُولُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مَعْنَى الْقَبُولِ عَلَى وَفْقِ الطَّبْعِ فَذَكَرَ التَّقَبُّلَ لِيُفِيدَ الْجِدَّ وَالْمُبَالَغَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَبُولَ لِيُفِيدَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى خِلَافِ الطَّبْعِ، بَلْ عَلَى وَفْقِ الطَّبْعِ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ وَإِنْ كَانَتْ مُمْتَنِعَةً فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنَّهَا تَدُلُّ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعَارَةُ عَلَى حُصُولِ الْعِنَايَةِ الْعَظِيمَةِ فِي تَرْبِيَتِهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ مُنَاسِبٌ مَعْقُولٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ الْقَبُولِ الْحَسَنِ وُجُوهًا:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى عَصَمَهَا وَعَصَمَ وَلَدَهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ
رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا»
ثُمَّ قَالَ أَبُو هريرة: اقرؤا إِنْ شِئْتُمْ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ طَعَنَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْخَبَرِ وَقَالَ: إِنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ فَوَجَبَ رَدُّهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَدْعُو إِلَى الشر من يعرف الخير والشر والصبي وليس كَذَلِكَ وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّيْطَانَ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ هَذَا النَّخْسِ لَفَعَلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ إِهْلَاكِ الصَّالِحِينَ وَإِفْسَادِ أَحْوَالِهِمْ وَالثَّالِثُ: لِمَ خُصَّ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَرْيَمُ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ دُونَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ الرَّابِعُ: أَنَّ ذَلِكَ النَّخْسَ لَوْ وُجِدَ بَقِيَ أَثَرُهُ، وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُهُ لَدَامَ الصُّرَاخُ وَالْبُكَاءُ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلِمْنَا بُطْلَانَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ مُحْتَمَلَةٌ، وَبِأَمْثَالِهَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْخَبَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَقَبَّلَهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ، مَا
رُوِيَ أَنَّ حَنَّةَ حِينَ وَلَدَتْ مَرْيَمَ لَفَّتْهَا فِي خِرْقَةٍ وَحَمَلَتْهَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَوَضَعَتْهَا عِنْدَ الْأَحْبَارِ أَبْنَاءِ هَارُونَ، وَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَالْحَجَبَةِ فِي الْكَعْبَةِ، وَقَالَتْ:
خُذُوا هَذِهِ النَّذِيرَةَ، فَتَنَافَسُوا فِيهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ إِمَامِهِمْ، وَكَانَتْ بَنُو مَاثَانَ رُؤُوسَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَحْبَارَهُمْ وَمُلُوكَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ زَكَرِيَّا: أَنَا أَحَقُّ بِهَا عِنْدِي خَالَتُهَا فَقَالُوا لَا حَتَّى نَقْتَرِعَ عَلَيْهَا، فَانْطَلَقُوا وَكَانُوا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ إِلَى نَهْرٍ فَأَلْقَوْا فِيهِ أَقْلَامَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَ الْوَحْيَ بِهَا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنِ ارْتَفَعَ قَلَمُهُ فَهُوَ الرَّاجِحُ، ثُمَّ أَلْقَوْا أَقْلَامَهُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ يَرْتَفِعُ قَلَمُ زَكَرِيَّا فَوْقَ الْمَاءِ وَتَرْسُبُ أَقْلَامُهُمْ فأخذها زكريا.

صفحة رقم 205

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: رَوَى الْقَفَّالُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مَرْيَمَ تَكَلَّمَتْ فِي صِبَاهَا كَمَا تَكَلَّمَ الْمَسِيحُ وَلَمْ تَلْتَقِمْ ثَدْيًا قَطُّ، وَإِنَّ رِزْقَهَا كَانَ يَأْتِيهَا مِنَ الْجَنَّةِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي تَفْسِيرِ الْقَبُولِ الْحَسَنِ أَنَّ الْمُعْتَادَ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّحْرِيرَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي حَقِّ الْغُلَامِ حِينَ يَصِيرُ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ، وَهَاهُنَا لَمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى تَضَرُّعَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ/ قَبِلَ تِلْكَ الْجَارِيَةَ حَالَ صِغَرِهَا وَعَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ، فَهَذَا كُلُّهُ هُوَ الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَفْسِيرِ الْقَبُولِ الْحَسَنِ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: التَّقْدِيرُ أَنْبَتَهَا فَنَبَتَتْ هِيَ نَبَاتًا حَسَنًا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ صَرَفَ هَذَا النَّبَاتَ الْحَسَنَ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا، وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَهُ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالُوا: الْمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ تَنْبُتُ فِي الْيَوْمِ مِثْلَ مَا يَنْبُتُ الْمَوْلُودُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَلِأَنَّهَا نَبَتَتْ فِي الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ وَالْعِفَّةِ وَالطَّاعَةِ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يُقَالُ: كَفَلَ يَكْفُلُ كَفَالَةً وَكَفْلًا فَهُوَ كَافِلٌ، وَهُوَ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَى إِنْسَانٍ وَيَهْتَمُّ بِإِصْلَاحِ مَصَالِحِهِ،
وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَا وَكَافِلُ اليتيم كهاتين»
وقال الله تعالى: أَكْفِلْنِيها.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (وَكَفَّلَهَا) بِالتَّشْدِيدِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي زَكَرِيَّا فَقَرَأَ عَاصِمٌ بِالْمَدِّ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْقَصْرِ عَلَى مَعْنَى ضَمَّهَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى زَكَرِيَّا، فَمَنْ قَرَأَ (زَكَرِيَّاءَ) بِالْمَدِّ أَظْهَرَ النَّصْبَ وَمَنْ قَرَأَ بِالْقَصْرِ كَانَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ وَالْبَاقُونَ قَرَءُوا بِالْمَدِّ وَالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى ضَمَّهَا زَكَرِيَّاءُ إِلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، لِأَنَّ هَذَا مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فِي رِوَايَةٍ كَفَّلَها بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَأَمَّا الْقَصْرُ وَالْمَدُّ فِي زَكَرِيَّا فَهُمَا لُغَتَانِ، كَالْهَيْجَاءِ وَالْهَيْجَا، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ فَتَقَبَّلَها رَبُّها،... وَأَنْبَتَها،... وَكَفَّلَها عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ، وَنَصْبِ رَبُّها كَأَنَّهَا كَانَتْ تَدْعُو اللَّهَ فَقَالَتْ: اقْبَلْهَا يَا رَبَّهَا، وَأَنْبِتْهَا يَا رَبَّهَا، وَاجْعَلْ زَكَرِيَّا كَافِلًا لَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي كَفَالَةِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ إِيَّاهَا مَتَى كَانَتْ، فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ حَالَ طُفُولِيَّتِهَا، وَبِهِ جَاءَتِ الرِّوَايَاتُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ إِنَّمَا كَفَلَهَا بَعْدَ أَنْ فُطِمَتْ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً ثُمَّ قَالَ: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ تِلْكَ الْكَفَالَةَ بَعْدَ ذَلِكَ النَّبَاتِ الْحَسَنِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ فَارَقَتِ الرَّضَاعَ وَقْتَ تِلْكَ الْكَفَالَةِ، وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَجَابُوا بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ، فَلَعَلَّ الْإِنْبَاتَ الْحَسَنَ وَكَفَالَةَ زَكَرِيَّاءَ حَصَلَا مَعًا.
وَأَمَّا الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: فَلَعَلَّ دُخُولَهُ عَلَيْهَا وَسُؤَالَهُ مِنْهَا هَذَا السُّؤَالَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي آخِرِ زَمَانِ الْكَفَالَةِ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمِحْرابَ الْمَوْضِعَ الْعَالِيَ الشَّرِيفَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ:

صفحة رقم 206

وَاحْتَجَّ الْأَصْمَعِيُّ عَلَى أَنَّ الْمِحْرَابَ هُوَ الْغُرْفَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ [ص: ٢١] وَالتَّسَوُّرُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ عُلُوٍّ، وَقِيلَ: الْمِحْرَابُ أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ وَأَرْفَعُهَا، يُرْوَى أَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ شَابَّةً بَنَى زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهَا غُرْفَةً فِي الْمَسْجِدِ، وَجَعَلَ بَابَهَا فِي وَسَطِهِ لَا يُصْعَدُ إِلَيْهِ إِلَّا بِسُلَّمٍ، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ أَغْلَقَ عَلَيْهَا سَبْعَةَ أَبْوَابٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِكَرَامَةِ الْأَوْلِيَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنْ زَكَرِيَّاءَ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ: أَنَّى لَكِ هَذَا؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَحُصُولُ ذَلِكَ الرِّزْقِ عِنْدَهَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ، أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ غَيْرُ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ حُصُولُ ذَلِكَ الرِّزْقِ عِنْدَ مَرْيَمَ دَلِيلًا عَلَى عُلُوِّ شَأْنِهَا وَشَرَفِ دَرَجَتِهَا وَامْتِيَازِهَا عَنْ سَائِرِ النَّاسِ بِتِلْكَ الْخَاصِّيَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً وَالْقُرْآنُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ آيِسًا مِنَ الْوَلَدِ بِسَبَبِ شَيْخُوخَتِهِ وَشَيْخُوخَةِ زَوْجَتِهِ، فَلَمَّا رَأَى انْخِرَاقَ الْعَادَةِ فِي حَقِّ مَرْيَمَ طَمِعَ فِي حُصُولِ الْوَلَدِ فَيَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ أَمَّا لَوْ كَانَ الَّذِي شَاهَدَهُ فِي حَقِّ مَرْيَمَ لَمْ يَكُنْ خَارِقًا لِلْعَادَةِ لَمْ تَكُنْ مُشَاهَدَةُ ذَلِكَ سَبَبًا لِطَمَعِهِ فِي انْخِرَاقِ الْعَادَةِ بِحُصُولِ الْوَلَدِ مِنَ الْمَرْأَةِ الشَّيْخَةِ الْعَاقِرِ الثَّالِثُ: أَنَّ التَّنَكُّرَ فِي قَوْلِهِ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ حَالِ ذَلِكَ الرِّزْقِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: رِزْقًا. أَيْ رِزْقٌ غَرِيبٌ عَجِيبٌ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يُفِيدُ الْغَرَضَ اللَّائِقَ لِسِيَاقِ هَذِهِ الْآيَةِ لَوْ كَانَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ الرَّابِعُ: هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٩١] وَلَوْلَا أَنَّهُ ظَهَرَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْخَوَارِقِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لَهَا وَلَدًا مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ؟
قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا بِآيَةٍ، بَلْ يَحْتَاجُ تَصْحِيحُهُ إِلَى آيَةٍ، فَكَيْفَ نَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَى ذَلِكَ، بَلِ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهَا وَطَهَارَتِهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِظُهُورِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ عَلَى يَدِهَا كَمَا ظَهَرَتْ عَلَى يَدِ وَلَدِهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْخَامِسُ: مَا تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَاتُ بِهِ أَنَّ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَجِدُ عِنْدَهَا فَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَفَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي ظَهَرَ فِي حَقِّ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ كَانَ فِعْلًا خَارِقًا لِلْعَادَةِ، فَنَقُولُ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ مُعْجِزَةً لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ مَا كَانَ كَذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ الْمَوْجُودَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ هُوَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لَهُ لَكَانَ هُوَ عَالِمًا بِحَالِهِ وَشَأْنِهِ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَشْتَبِهَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَقُولَ لِمَرْيَمَ أَنَّى لَكِ هَذَا وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تعالى: هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهَا عَنْ أَمْرِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ إِنَّهَا ذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُنَالِكَ طَمِعَ فِي انْخِرَاقِ الْعَادَةِ فِي حُصُولِ الْوَلَدِ مِنَ/ الْمَرْأَةِ الْعَقِيمَةِ الشَّيْخَةِ الْعَاقِرِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا وقف على تلك الأحوال إِلَّا بِإِخْبَارِ مَرْيَمَ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ تِلْكَ الْخَوَارِقَ مَا كَانَتْ مُعْجِزَةً لِزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ كَرَامَةً لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ كَانَتْ كَرَامَةً لِمَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ، فَهَذَا هُوَ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُقُوعِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ.
اعْتَرَضَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَقَالَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ تِلْكَ الْخَوَارِقَ كَانَتْ مِنْ مُعْجِزَاتِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا لَهَا عَلَى الْإِجْمَالِ أَنْ يُوَصِّلَ اللَّهُ إِلَيْهَا رِزْقًا، وأنه ربما

صفحة رقم 207
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
رَبَّةُ مِحْرَابٍ إِذَا جِئْتُهَا لَمْ أَدْنُ حَتَّى أَرْتَقِيَ سُلَّمَا