
لتسمعن أيها المسلمون من المشركين واليهود والنصارى أذى كثيرا وطعنا في الدين والقرآن والنبي صلّى الله عليه وسلّم.
ولكن العلاج الوحيد والدواء الرباني لكل ما مضى هو الصبر والتقوى ونعم هذا الدواء لكل داء.
إن تصبروا وتتقوا يؤتكم أجرين من رحمته وذلك هو الفوز العظيم.
بعض قبائح أهل الكتاب [سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨٧ الى ١٨٩]
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩)
المفردات:
مِيثاقَ: هو العهد المؤكد الذي أخذ على أهل الكتاب بوساطة الأنبياء.
لَتُبَيِّنُنَّهُ: لتظهرن جميع ما فيه من الأحكام والأخبار حتى يعرفه الناس على وجهه الصحيح. فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ: هذه العبارة مثل في ترك الأمر، ويقتضيها وضع الأمر نصب أعينهم. أَتَوْا: فعلوا. بِمَفازَةٍ: فوز من العذاب.
المناسبة:
إيذاء أهل الكتاب للنبي كثير، والعجيب أن يطعنوا في الدين وهم قد أمروا بأن

يشرحوا للناس ويبينوا حقيقة النبي صلّى الله عليه وسلّم وصفته التي في كتبهم، ولكنهم- اليهود والنصارى- فرحوا بما أوتوا وكتموا ما أنزل عليهم.
المعنى:
واذكر يا محمد وقت أن أخذ الله العهد المؤكد بوساطة الأنبياء على أهل الكتاب، وأقسم عليهم ليبينن الكتاب للناس ويظهرونه ولا يحرفونه عن موضعه حتى يفهمه الناس ولا يضطربون فيه.
وقد نبذ أهل الكتاب التوراة والإنجيل وراءهم ظهريا.
فكان منهم أمة يحملون الكتاب كما يحمل الحمار الأسفار فلا يعرفون منه شيئا، ومنهم الذين يحرفون الكلم عن موضعه ويغيرون ويبدلون ويشترون به ثمنا قليلا، ومنهم الذين لا يعلمون منه إلا أمانى يتمنونها ومشتهيات يشتهونها.
واشتروا به ثمنا قليلا من حطام الدنيا الفانية كالرياسة الكاذبة والمال الزائل، فكانوا مغبونين في هذا البيع والشراء الذي فيه العرض الفاني بدل النعيم الباقي فبئس ما يشترون.
روى الشيخان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل اليهود عن شيء في كتبهم فكتموا الحق وأخبروه بخلافه وأروه أنهم قد صدقوه واستحمدوا إليه وفرحوا بما فعلوا، فأطلع الله رسوله على ذلك وسلاه بما أنزل من وعيده لهم
وروى الشيخان من حديث أبى سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت هذه الآية
وهي تحتمل المعنيين... والقرآن الكريم بين فيها حالا أخرى لأهل الكتاب حتى لا نكون مثلهم وهي أنهم كانوا يفرحون بما أوتوا من التأويل والتحريف للكتاب ويرون لأنفسهم شرفا فيه وفضلا بأنهم قادة وأئمة يهتدى بهم، وهذا فرح باطل وغرور كاذب، وكانوا يحبون أن يحمدوا بأنهم حفاظ الكتاب وعلماؤه وهم لم يفعلوا شيئا من ذلك وإنما فعلوا نقيضه، وهؤلاء قد اشتبه أمرهم على الناس فهم يحسبون أنهم أولياء الله وأنصار دينه، وهم الذين حرفوه وغيروه فلا تحسبنهم بمفازة ومنجاة من العذاب بل لهم عذاب أليم غاية الألم في الدنيا والآخرة.

فيا أيها المسلمون: إياكم وهذا العمل الشنيع الذي يقوم به أهل الكتاب، ولا تحزنوا ولا تضعفوا واصبروا واتقوا الله، وبينوا الكتاب ولا تشتروا به ثمنا قليلا وعرضا زائلا ولا تفرحوا بما تفعلون، ولا تحبوا أن تحمدوا بما لم تفعلوا فإن الله- تعالى- يكفيكم ما أهمّكم وينصركم على أعدائكم، ويغنيكم عن هذه المنكرات التي نهيتم عنها، فلله ملك السموات والأرض وما فيهن يعطى ويمنع وهو على كل شيء قدير لا يعز عليه نصركم وهلاك من يؤذيكم من أهل الكتاب والمشركين، وإلى الله ترجع الأمور.
وفي هذا تسلية ووعد بالنصر للنبي صلّى الله عليه وسلّم وصحبه.
ما تشير إليه الآية:
إن الواجب على العلماء وعلى كل من يفهم كتاب الله أن يبينه ويوضحه ويظهر ما فيه من عظة وأسرار في الأحكام العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والأحكام الدينية وعلاقتها بصالح الأمة- وها نحن نأمل أن يوقظ الله العلماء فيثابروا ويتعاونوا ويستهينوا بالصعاب حتى يخرجوا للناس كنوز الدين بما يلائم المجتمع الحاضر. فإن الواجب ينحصر في شيئين:
(أ) تبيين الدين وحقيقته لغير المؤمنين حتى يهتدوا به ويدخلوا فيه.
(ب) تبينه للمسلمين حتى يهتدوا به ويفهموه على حقيقته ويعرفوا مخلصين أنه الطريق الوحيد للخلاص من كل ما يضرنا ويؤذينا من خلق فاسد وداء كامن ومستعمر جاثم، فو الله! أيها الناس: لا خلاص لنا إلا بالدين ولا خير إلا في القرآن، فتعلموه وافهموه وادرسوه تكونوا من الناجين في الآخرة.
وقد روى عن على- كرم الله وجهه- أنه قال: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا