
صَحِيحًا كَمَا تَقُولُ: عِنْدِي أَلْفٌ، وَأَنَا مُحْتَاجٌ إِلَى مِثْلَيْهَا، وَتَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، كَذَا قَالَ، وَعَلَى هَذَا فَلَا إِشْكَالَ.
لَكِنْ بَقِيَ سُؤَالٌ آخَرُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ بَدْرٍ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا [الأنفال: ٤٤] فالجواب أن هذا كان في حالة والآخر كان في حالة أُخْرَى، كَمَا قَالَ السُّدِّيُّ عَنِ الطَّيِّبِ عَنِ ابن مسعود في قوله تَعَالَى: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا الْآيَةَ، قَالَ: هَذَا يَوْمُ بَدْرٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَقَدْ نَظَرْنَا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَرَأَيْنَاهُمْ يُضْعَفُونَ عَلَيْنَا، ثُمَّ نَظَرْنَا إِلَيْهِمْ فَمَا رَأَيْنَاهُمْ يَزِيدُونَ عَلَيْنَا رَجُلًا وَاحِدًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ الآية.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَانِبِي: تَرَاهُمْ سَبْعِينَ؟ قَالَ: أَرَاهُمْ مِائَةً، قَالَ: فَأَسَرْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقُلْنَا، كَمْ كنتم؟ قال: ألفا، فعند ما عاين كل من الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَ، رَأَى الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْهِمْ، أَيْ أَكْثَرُ مِنْهُمْ بِالضِّعْفِ لِيَتَوَكَّلُوا وَيَتَوَجَّهُوا وَيَطْلُبُوا الْإِعَانَةَ مِنْ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَأَى الْمُشْرِكُونَ الْمُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ لِيَحْصُلَ لَهُمُ الرُّعْبُ وَالْخَوْفُ وَالْجَزَعُ وَالْهَلَعُ، ثُمَّ لَمَّا حَصَلَ التَّصَافُّ وَالْتَقَى الْفَرِيقَانِ، قَلَّلَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ فِي أَعْيُنِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ فِي أَعْيُنِ هَؤُلَاءِ، لِيُقْدِمَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ.
لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا أَيْ لِيُفَرِّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَيُظْهِرَ كَلِمَةَ الْإِيمَانِ عَلَى الكفر والطغيان، وَيُعِزَّ الْمُؤْمِنِينَ وَيُذِلَّ الْكَافِرِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آلِ عِمْرَانَ: ١٢٣] وَقَالَ هَاهُنَا وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ أَيْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَمُعْتَبَرًا لِمَنْ لَهُ بصيرة وفهم يهتدي به إلى حكمة اللَّهِ وَأَفْعَالِهِ وَقَدَرِهِ الْجَارِي بِنَصْرِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٤ الى ١٥]
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا زُيِّنَ لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَلَاذِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينِ، فَبَدَأَ بِالنِّسَاءِ، لِأَنَّ الْفِتْنَةَ بِهِنَّ أشد، كما ثبت في الصحيح أنه صلّى الله عليه وسلّم، قَالَ «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» «١» فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقَصْدُ بهن الإعفاف وكثرة الأولاد، فهذا مطلوب

مَرْغُوبٌ فِيهِ، مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، كَمَا وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالتَّرْغِيبِ فِي التَّزْوِيجِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ، «وَإِنَّ خَيْرَ هذه الأمة من كان أكثرها نساء»، وقوله صلّى الله عليه وسلّم «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، إِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ» وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» «١». وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا الْخَيْلُ، وَفِي رِوَايَةٍ مِنَ الْخَيْلِ إِلَّا النِّسَاءُ، وَحُبُّ الْبَنِينَ تَارَةً يَكُونُ لِلتَّفَاخُرِ وَالزِّينَةِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا، وَتَارَةً يَكُونُ لِتَكْثِيرِ النَّسْلِ وَتَكْثِيرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَهَذَا مَحْمُودٌ مَمْدُوحٌ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «٢» وَحُبُّ الْمَالِ كَذَلِكَ تَارَةً يَكُونُ لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَالتَّكَبُّرِ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَالتَّجَبُّرِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَهَذَا مَذْمُومٌ، وَتَارَةً يَكُونُ لِلنَّفَقَةِ فِي الْقُرُبَاتِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْقَرَابَاتِ ووجوه البر والطاعات، فهذا ممدوح محمود شَرْعًا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مِقْدَارِ الْقِنْطَارِ عَلَى أَقْوَالٍ، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ الْمَالُ الْجَزِيلُ كَمَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: أَلْفُ دِينَارٍ، وَقِيلَ: أَلْفٌ وَمِائَتَا دِينَارٍ وَقِيلَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَقِيلَ:
أَرْبَعُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ: سِتُّونَ أَلْفًا، وَقِيلَ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْقِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ أُوقِيَّةٍ، كُلُّ أُوقِيَّةٍ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «٤» عَنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة عن عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَهَذَا أَصَحُّ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُمْ قَالُوا:
الْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَالَ ابن جرير «٥» رحمه الله: حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْقِنْطَارُ أَلْفُ أُوقِيَّةٍ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ». وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ أَيْضًا، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَبَذِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عن موسى، عن أم
(٢) سنن أبي داود (نكاح باب ٣) وسنن النسائي (نكاح باب ١١) ومسند أحمد (ج ٣ ص ١٥٨ و ٢٤٥).
(٣) المسند ج ٢ ص ٣٦٣. [.....]
(٤) سنن ابن ماجة (كتاب الأدب حديث رقم ٣٦٦٠).
(٥) تفسير الطبري ٣/ ١٩٩.

الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ إِلَى أَلْفٍ، أَصْبَحَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنْ أَجْرٍ عِنْدَ اللَّهِ، الْقِنْطَارُ مِنْهُ مثل الحبل الْعَظِيمِ» وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عيسى بن زيد اللخمي، حدثنا محمد بن عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَرَجُلٌ آخَرُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تعالى وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ؟ قَالَ «الْقِنْطَارُ أَلْفَا أُوقِيَّةٍ» صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، هَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظٍ آخر فقال: أنبأنا أحمد بن عبد الرحمن الرقي، أنبأنا عمرو بن أبي سلمة، أنبأنا زهير يعني ابن محمد، أنبأنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، وَرَجُلٌ آخَرُ قَدْ سَمَّاهُ يَعْنِي يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ «قِنْطَارٌ يَعْنِي أَلْفَ دِينَارٍ» وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ والطبراني «١» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الحسن البصري: عنه مرسلا وموقوفا عليه: القنطار ألف ومائتا دينار، وهو رواية الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: الْقِنْطَارُ أَلْفُ دِينَارٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَارِمٌ «٢» عَنْ حَمَّادٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: الْقِنْطَارُ مِلْءُ مَسْكِ الثَّوْرِ ذَهَبًا، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ.
وَحُبُّ الْخَيْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ تَارَةً يَكُونُ ربطها أصحابها معدة لسبيل الله مَتَى احْتَاجُوا إِلَيْهَا غَزَوْا عَلَيْهَا، فَهَؤُلَاءِ يُثَابُونَ، وَتَارَةً تُرْبَطُ فَخْرًا وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَهَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا وِزْرٌ وَتَارَةً لِلتَّعَفُّفِ وَاقْتِنَاءِ نَسْلِهَا، وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا فَهَذِهِ لِصَاحِبِهَا سِتْرٌ كَمَا سَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ [الْأَنْفَالِ: ٦٠]، وَأَمَّا الْمُسَوَّمَةِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْمُسَوَّمَةُ الرَّاعِيَةُ، وَالْمُطَهَّمَةُ الْحِسَانُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبْزَى وَالسُّدِّيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَأَبِي سِنَانٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ مَكْحُولٌ: الْمُسَوَّمَةُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عن عبد الحميد بن
(٢) هو محمد بن الفضل السدوسي البصري المتوفى سنة ٢٢٣ هـ. انظر موسوعة رجال الكتب التسعة ٣/ ٤٤٥.
(٣) مسند أحمد (ج ٥ ص ١٧٠).