آيات من القرآن الكريم

فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ
ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةً وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةً مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَّمَ بِهَا عِبَادَهُ فَضِيلَةَ الصَّبْرِ.
وَضَمِيرُ يُلَقَّاها عَائِدٌ إِلَى مَفْهُومٍ مِنَ الْكَلَامِ يَجْرِي عَلَى التَّأْنِيثِ، أَيِ الْخَصْلَةَ وَهِيَ ثَوَابُ اللَّهِ أَوِ السِّيرَةُ الْقَوِيمَةُ، وَهِيَ سِيرَةُ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَالتَّلْقِيَةُ: جَعْلُ الشَّيْءِ لَاقِيًا، أَيْ مُجْتَمِعًا مَعَ شَيْءٍ آخَرَ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [٧٥]. وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِعْطَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ، أَيْ لَا يُعْطِي تِلْكَ الْخَصْلَةَ أَوِ السِّيرَةَ إِلَّا الصَّابِرُونَ لِأَنَّ الصَّبْرَ وَسِيلَةٌ لِنَوَالِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ لِاحْتِيَاجِ السَّعْيِ لَهَا إِلَى تَجَلُّدٍ لِمَا يَعْرِضُ فِي خِلَالِهِ مِنْ مَصَاعِبَ وَعَقَبَاتٍ كَأْدَاءٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَرْءُ مُتَخَلِّقًا بِالصَّبْرِ خَارَتْ عَزِيمَتُهُ فَتَرَكَ ذَاك لذاك.
[٨١]
[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٨١]
فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١)
دَلَّتِ الْفَاءُ عَلَى تعقيب سَاعَة خُرُوج قَارُونَ فِي ازْدِهَائِهِ وَمَا جَرَى فِيهَا مِنْ تَمَنِّي قَوْمٍ أَنْ يَكُونُوا مَثْلَهُ، وَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ علماؤهم من غفلتهم عَنِ التَّنَافُسِ فِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ بِتَعْجِيلِ عِقَابِهِ فِي الدُّنْيَا بِمَرْأًى مِنَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا أَنْ يَكُونُوا مَثْلَهُ.
وَالْخَسْفُ: انْقِلَابُ بَعْضِ ظَاهِرِ الْأَرْضِ إِلَى بَاطِنِهَا، وَعَكْسُهُ. يُقَالُ: خَسَفَتِ الْأَرْضُ وَخَسَفَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَانْخَسَفَتْ، فَهُوَ يُسْتَعْمَلُ قَاصِرًا وَمُتَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْخَسْفُ بِقُوَّةِ الزِّلْزَالِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فَذَلِكَ عَلَى التَّشْبِيهِ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ فَخَسَفْنا بِهِ بَاءُ الْمُصَاحِبَةِ، أَيْ خَسَفْنَا الْأَرْضَ مُصَاحِبَةً لَهُ وَلِدَارِهِ، فَهُوَ وَدَارُهُ مَخْسُوفَانِ مَعَ الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [٤٥].
وَهَذَا الْخَسْفُ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ قَارُونَ وَمَنْ ظَاهَرَهُ، وَهُمَا رَجُلَانِ مِنْ سِبْطِ (رُوبِينَ) وَغَيْرَ دَارِ قَارُونَ، فَهُوَ مُعْجِزَةٌ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.

صفحة رقم 185
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية