آيات من القرآن الكريم

وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ

(وربك يخلق ما يشاء) أن يخلقه، وفيه دلالة على خلق الأفعال (ويختار) ما يشاء أن يختار، لا يسأل عما يفعل؛ وهم يسألون؛ وهذا متصل بذكر الشركاء الذين عبدوهم واختاروهم، أي: الاختيار إلى الله.
(ما كان لهم الخيرة) أي التخير، وهو كالطيرة فإنها التطير؛ اسمان يستعملان استعمال المصدر وبمعنى المتخير كقولهم: محمد خيرة الله من خلقه. وقيل: المراد من الآية أنه ليس لأحد من خلق الله أن يختار شيئاً اختياراً حقيقياً بحيث يقدم على تنفيذه بدون اختيار الله، بل الاختيار هو إلى الله عز وجل،. يختار لطاعته أو لنبوته، أو المعنى يخلق محمداً ويختار الأنصار لدينه، وقيل: اختار من النعم ضأناً، ومن الطير الحمام، ولا وجه للتخصيص. والعموم أولى.

صفحة رقم 142

وظاهر الآية نفي الاختيار عنهم رأساً، والأمر كذلك، فإن اختيار العباد مخلوق باختيار الله، منوط بدواع لا اختيار لهم فيها، وقيل: إن هذه الآية جواب عن قولهم: (لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) وقيل: جواب عن اليهود حيث قالوا: لو كان الرسول إلى محمد - ﷺ - غير جبريل لآمنا به.
قال الزجاج: الوقف على (ويختار) تام على أن (ما) نافية قال: ويجوز أن يكون (ما) في موضع نصب بـ (يختار) والمعنى ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة، والصحيح الأول لإجماعهم على الوقف، وقال ابن جرير: إن تقدير الآية ويختار لولايته الخيرة من خلقه. وهذا في غاية من الضعف، وجوز ابن عطية أن تكون (كان) تامة ويكون (لهم الخيرة) جملة مستأنفة. وهذا أيضاً بعيد جداً، ومن قال معناه ويختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح، فهو مائل إلى الاعتزال، وقيل: إن (ما) مصدرية، أي يختار اختيارهم، والمصدر واقع موقع المفعول به، أي ويختار مختارهم، وهذا كالتفسير لكلام ابن جرير والراجح أول هذه التفاسير، ومثله قوله سبحانه: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة) وقد ثبت عنه - ﷺ - في الصحيح تعليم الاستخارة، وكيفية صلاتها ودعائها، فلا نطول بذكرها، ثم نزه سبحانه نفسه فقال:
(سبحان الله) أي تنزه تنزهاً خاصاً به، من غير أن ينازعه منازع، أو يشاركه مشارك، أو يزاحم اختياره (وتعالى كما يشركون) أي عن الذين يجعلونهم شركاء له

صفحة رقم 143
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية